الاعتداءات الإرهابية التي استهدفت يوم الجمعة الرابع عشر من أبريل الحالي أربعة كنائس قبطية في مدينة الإسكندرية، ينبغي أن لا تمر سريعا دون تدقيق و تمحيص، لأنها تؤشر بشكل مباشر وحاد على المعاناة التي يعانيها الأقباط المصريين وسط تواطؤ واضح من الأجهزة الأمنية لوزارة الداخلية المصرية ومن وسائل الإعلام المصري التي تبث بشكل عنيف للفرقة والاحتقان الطائفي من خلال نشرها المتواصل لافتراءات ضد الأقباط، وقد قمت بتفنيد ما كتبه نموذج من هذا الإعلام الحكومي، في مؤتمر زيوريخ في الخامس والعشرين من مارس الماضي، وفي مقالتي بإيلاف في السابع والعشرين من مارس الماضي أيضا، فما كتبه أسامة سلامة آنذاك في مجلة روز اليوسف المقربة جدا من جمال مبارك لا يمكن فهمه إلا أنه تحريض إرهابي ضد الأقباط، وفي ظل نسبة عالية من الجهل والأمية لا نستغرب تأثر هؤلاء المتعصبين بهذه الدعوات للقيام بما قاموا به في الإسكندرية.
وتمارس وزارة الداخلية المصرية تضليلا متعمدا من خلال البيانات والمعلومات الكاذبة التي تنشرها حول الأحداث، لتبدو وكأنها هامشية لا قيمة لها. ففي حادث الإسكندرية المذكور يتم الاعتداء على أربعة كنائس في مناطق مختلفة ويقتل فيها شخص ويجرح سبعة عشرشخصا، ويكون بيان الداخلية عبر محافظ الإسكندرية عبد السلام محجوب، أن الذي قام بالاعتداءات شخص واحد، وهو مريض نفسي ومختل عقليا. ومن يعرف جغرافية مدينة الإسكندرية لا يمكن أن يقبل أكاذيب المحافظ، فالاعتداءات الإرهابية استهدفت الكنائس التالية :
كنيسة القديسين مارمرقس والبابا بطرس بحي سيدي بشر
كنيسة القديس مار جرجس في الحضرة
كنيسة القديس مار جرجس في سبورتنج
كنيسة السيدة العذراء في جانكليس
فكيف يتمكن شخص واحد ومختل عقليا، من التنقل في نفس الساعة من حي إلى حي ثم الحي الثالث ثم الحي الرابع، ليقوم بهذه الاعتداءات الإرهابية؟. في حين نقلت تقارير الفضائيات العربية من الإسكندرية مباشرة تفاصيل عن عدم قيام الأمن المكلف بحراسة الكنائس المذكورة بأي دور، بد ليل أن واحدا من المعتدين كان يحمل سيوفا حديدية وليس سكينا كما قال المحافظ !.
إن هذه الأعمال تضاف إلى ملف الاعتداءات شبه اليومية على الأقباط المصريين، التي تأخذ تجلياتها في مجال خطف الفتيات القبطيات والزواج منهن اغتصابا، ثم الادعاء بتحولهن للإسلام، وهي حالات عديدة تم الوصول إلى بعضهن وإعادتهن لذويهن بعد تدخل رئيس الجمهورية مباشرة، فلماذا التدخل في حالة والسكوت على عشرات الحالات؟؟. أما الاعتداء على الكنائس والممتلكات القبطية في مصر فهو بالمئات، وكلها مرصودة في تقارير منظمات حقوق الإنسان المصرية دون غيرها. والذي يدلل على تواطؤ أجهزة وزارة الداخلية المصرية، أن هذه فترة أعياد قبطية ومن المعتاد أن تشدد الحراسات على الكنائس القبطية، ولكن الوزارة لم تفعل ذلك، بدليل دخول واحد من الإرهابيين بسيوف حديدية ويرتكب جريمته على مرأى من شرطي وزارة الداخلية الذي نقلت قناة الجزيرة أنه ارتبك وسقط سلاحه من يده !!!.
من المختل عقليا في هذه الاعتداءات؟
أولا : قوانين الدولة التي ما زالت تتعامل مع الحالة القبطية في مصر، حسب تعليمات الاحتلال العثماني المعروفة بالخط الهمايوني الصادرة في عام 1856، والتي عبر التطبيق بعد انقلاب العسكر في عام 1952 أخذت طابعا تعسفيا يزيد الاحتقان بدلا من الوئام، وهذه القوانين تشمل القيود المفروضة على بناء الكنائس أو ترميم القديم المتداعي منها. والغريب في المسألة ويدل على احتقان مبيت، ما إن يشيع جار للكنيسة أنه شاهد خمسة أكياس من الإسمنت دخلت الكنيسة، حتى يهاجم الغوغائيون الكنيسة دون التحقق من المعلومة، وقد جرت اعتداءات كثيرة على كنائس بسبب هذه الحالة.
ثانيا : برامج التعليم التي تحشو عقل المواطن من الطفولة حتى الجامعة بأنه ينتمي إلى خير أمة أخرجت للناس، عبر قانون التعليم المصري رقم 139 لسنة 1981 الذي يقول في المادة 6 بند 1، أن (التربية الدينية مادة أساسية في جميع مراحل التعليم) والمقصود طبعا التربية الدينية الإسلامية، وماذا عن طلاب وطالبات مالا يقل عن عشرة ملايين قبطي مصري؟. والبند 2 من المادة 6 نفسها ينص على (تنظم وزارة التربية والتعليم مسابقات دورية لحفظ القرآن الكريم وتمنح المتفوقين منهم مكافآت وحوافز)، ولماذا تجاهل حفظة الإنجيل مثلا؟؟. وكتب التاريخ المستعملة في المدارس المصرية تتجاهل تماما التاريخ القبطي التي استمرت في مصر ستة قرون كاملة منذ دخول المسيحية مصر عام 68 م وحتى الغزو العربي عام 641 م. لذلك لا يمكن أن يستوعب الطالب المصري الذي يكبر ويصير موظفا ورب أسرة من الناحية النفسية وجود مواطن شقيق له قبطي مصري.
ثالثا : رعاية الدولة العلنية للتيارات الإسلامية المتطرفة منذ تحالف أنور السادات معهم وإخراجهم من السجون ليستقوي بهم ضد التيارات اليسارية والوطنية، وهذه التيارات تحرض علنا على المسيحيين بشكل عام في مصر وغيرها، والدليل على ذلك أنه في أكثر من دولة عربية، تم الاعتداء على الكنائس ضمن موجة الاحتجاج على الرسوم الكاريكاتورية الدانمركية، لأن التصعيد والحقن التعبوي الطائفي من هذه التيارات الأصولية الإرهابية لا يستثني أحدا ويخلط الأوراق بطريقة مريبة، ولماذا نستغرب التحريض على المسيحيين عندما نتذكر فتوى الإرهابي المجرم الزرقاوي بقتل الشيعة في العراق، دون أن نسمع استنكارا لذلك من أي شيخ أو مفت سني.
إزاء كل هذا التصعيد الأصولي ضد الأقباط في مصر، وتواطؤ الجهات الرسمية عبر سكوتها وتضليلها في المعلومات، هل من حق أي منصف وساع للمساواة بين أفراد الشعب الواحد، أن يستغرب تقديم شكوى للأمم المتحدة حول هذه الاعتداءات . إن اعتداءات الإسكندرية هذه ليست عفوية، بل مخطط لها من جهات أصولية وراءها من يدعمها، لأنه ليست صدفة أن يتم الاعتداء على أربعة كنائس في أربعة أحياء متفرقة في وقت واحد، وفي مناسبة أعياد دينية تبدأ الاحتفالات بها بما فيها الصوم يوم الجمعة الذي حصل فيه هذه الاعتداءات الإرهابية. هل يستطيع أن يتصور إنسان عنده ذرة من ضمير، إحساس مواطن هكذا يعامل في بلده و وطنه بسبب ديانته؟؟. هل هناك خوف ورعب أكثر من هذا؟؟. هل يختلف هذا عن الرعب اليومي الذي يعيشه المواطن الفلسطيني من جراء الاحتلال الإسرائيلي؟. ونتكلم عن الوحدة الوطنية !! وعن عناق الهلال والصليب !!!. إن شعوبا تعامل أبناءها بهذه الطريقة لا يمكن أن تكون شعوبا حرة، ولا يمكن أن تضع أقدامها على طريق التقدم والتطور العلمي، فهي مشغولة بثقافة ظلامية تنتج ما نعيشه في العراق منذ ثلاث سنوات، وما عشناه في الإسكندرية أمس، وقياسا على أحداث ربع القرن الماضي لن تكون هذه الأحداث هي الأخيرة!.
[email protected]
التعليقات