كان متوقعا وصول وزير خارجية حكومة حماس محمود الزهار إلى العاصمة الأردنية، يوم الأربعاء الموافق التاسع عشر من أبريل الحالي، وفجأة تم إلغاء الزيارة بعد إعلان الناطق الرسمي باسم الحكومة الأردنية ناصر جودة: (رصدت الأجهزة الأمنية عدة محاولات من قبل عناصر من حركة حماس لإدخال أسلحة مختلفة وتخزينها على الساحة الأردنية، وتمّ بالفعل ضبط هذه الأسلحة مؤخرا وهي في غاية الخطورة حيث شملت صواريخ ومتفجرات وأسلحة رشاشة. كما رصدت الأجهزة الأمنية نشاطات لعدد من عناصر حركة حماس على الساحة الأردنية وعلى مراحل مختلفة كان من ضمنها القيام بإجراء استطلاعات لعدد من الأهداف الحيوية في عمان ومدن أخرى). وفي الوقت ذاته شدّد الناطق الأردني على (عمق العلاقة مع الشعب الفلسطيني والسلطة الفلسطينية) و(احترام الأردن لخيار الشعب الفلسطيني... وقامت الحكومة الأردنية بتهنئة حركة حماس بفوزها بالانتخابات التشريعية ووجهت رسالة تهنئة لرئيس الوزراء الفلسطيني فور تشكيل الحكومة وتسلمها مسؤولياتها). هذا بينما أعلن الناطق باسم حماس سامي أبو زهري (عن استنكار حماس ورفضها الشديدين وإدانتها لما وصفه بالاتهامات الباطلة التي جاءت على لسان الناطق باسم الحكومة الأردنية) وقال (إن هذه الاتهامات باطلة ولا أساس لها من الصحة). إن هذه المقالة لا تسعى للتحقيق في مسألة السلاح والمتفجرات التي أعلن عن اكتشافها الناطق الرسمي الأردني، فهذه ليست من اختصاص أي كاتب أو محلل سياسي، ولكن الهدف هو دراسة طبيعة الأداء السياسي للطرفين، وخلفية العلاقة بين حماس والأردن.
أولا: طبيعة الأداء السياسي للطرفين الأردني والحماسي
من الواضح أن مسئولي حماس خاصة ناطقهم الرسمي، ما زالوا غير مدركين للفرق بين أدائهم عندما كانوا تنظيما سياسيا مقاتلا، وعندما أصبحوا حكومة من المفترض أنها تعبر عن كافة جماهير الشعب الفلسطيني بمختلف تياراته المؤيدة لهم والمختلفة معهم. ففي الوقت الذي يؤكد الناطق الرسمي الأردني على (عمق العلاقة بين الشعبين الفلسطيني والأردني) و(احترام الأردن لخيار الشعب الفلسطيني) و (النظر بعين الاهتمام لحقوق الشعب الفلسطيني وطموحاته المشروعة في إقامة دولته المستقلة على ترابه الوطني)، وهذا منطق الدولة والحكومة التي لها سياسة محددة واضحة في عدم التدخل في شؤون الآخرين، تأتي تصريحات سامي أبو زهري بمنطق التنظيم أو الجماعة الذي لا يفكر في مصلحة شعب، ولكن في مصلحة التنظيم الضيقة وبمفردات الأحزاب الثورية في الخمسينيات (استنكار حماس ورفضها الشديدين) (إدانة الاتهامات الباطلة)، وليس هذا فحسب فقد نصّب سامي أبو زهري نفسه ناطقا رسميا للشعوب العربية كافة بما فيها الشعب الأردني، فقد قال حفظه الله: (إن الاتهامات التي كالها الأردن لحماس لا تنطلي على الشعوب العربية)..تخيلوا (على الشعوب العربية)، ولا أدري كيف استطاع بعد ساعات من التصريحات الأردنية أن يستفتي ثلاثمائة وخمسة وعشرين مليونا من العرب موزعين على اثنين وعشرين أو ثلاثة وعشرين دولة؟؟. وضمن السياق نفسه من الطبيعي التساؤل: لماذا يحق للناطق باسم تنظيم حماس أن يعلق على مسألة خاصة بحكومة حماس، وهذه الحكومة لها ناطق رسمي اسمه غازي حمد؟؟. إنها نفس الموضة والصرعة الفلسطينية المتوارثة منذ زمن جمهورية الفاكهاني (رحمها الله) عندما كان وما زال إزاء كل حدث نستمع للعديد من الناطقين وكلهم رسميين !!.
والمستغرب هو كيل حماس بعدة مكاييل في تعاملها مع الحكومات العربية، فمنذ أيام قليلة زار وزير خارجية حماس محمود الزهار القاهرة حسب موعد واتفاق مسبق، ورغم ذلك رفض وزير الخارجية المصري علنا استقباله، ولم يستقبله أي وزير مصري سوى مسئول المخابرات عمر سليمان، ورغم هذه الإهانة سكت سامي أبو زهري ولم نسمع أي تعليق له ربما لأنه لم يسمع بالخبر، ومحمود الزهار نفسه كان في غاية الدماثة الدبلوماسية، إذ أعلن أنه لا يعرف لماذا لم يستقبله وزير الخارجية المصرية، فقد اتصل بمكتبه وأخبروه أن الوزير مشغول، في حين أنه في حالة الأردن سارع موسى أبو مرزوق نائب رئيس المكتب السياسي لحركة حماس للتصريح بأن رفض الأردن استقبال الزهار جاء نتيجة ضغوط أمريكية.....وأيضا نفس التساؤل: لماذا يعلق أبو مرزوق بصفته التنظيمية الحماسية على مسألة خاصة بوزارة الخارجية الفلسطينية؟؟. هذا الأدب والحنان الحماسي مع القاهرة هو نفسه ما حصل مع دمشق، فمنذ سنتين تقريبا، عندما اشتدت الضغوط الغربية على دمشق، طلبت من خالد مشعل مغادرتها، وغادرها فعلا معلنا أنه لا مكاتب لحماس في دمشق، دون أي نقد للحكومة السورية !!. فلماذا هذا التوتير المقصود مع الأردن؟. وهذا يقودنا إلى خلفية العلاقة بين الطرفين.
ثانيا: العلاقة الملتبسة بين حماس والأردن
تعود هذه العلاقة إلى عام 1999 عندما طلبت الحكومة الأردنية من خالد مشعل وقيادة حماس مغادرة الأردن، وقد تم ذلك إلى قطر بترتيب معها حيث غادروا في طائرة قطرية بصحبة وزير الدولة للشؤون الخارجية القطري. والمسألة تعود إلى نقطة حساسة ودقيقة، إذ لا يجوز أن تكون مواطنا أردنيا كما في حالة قيادة حماس، وفي نفس الوقت تكون عضوا أو مسئولا في تنظيم أو حزب غير أردني، وهذا منطق وسياسة دولية ففي أعرق الدول ديمقراطية لا يجوز أن يكون مواطن دولة عضوا أو قياديا في حزب في دولة أخرى، حتى حزب البعث العربي الاشتراكي طيب الذكر، شهد العديد من الإعدامات والاعتقالات في بغداد لأعضاء قيادة فيه لمجرد أنهم نسقوا مع الحزب في دمشق، وكذلك في دمشق تم اعتقال وطرد العديدين من أعضاء الحزب لمجرد تنسيقهم مع الحزب في بغداد، ونتيجة ذلك شهدت دمشق العديد من الانفجارات والسيارات المفخخة المرسلة هدية من الحزب في بغداد... فلماذا الإستقواء على الأردن فقط؟؟. وقد كان الموقف الأردني واضحا لخالد مشعل وزملائه: طالما أنتم تحملون الجنسية الأردنية لا يجوز لكم قانونيا أن تكونوا أعضاء أو قيادات في تنظيم أو حزب غير أردني، ومن يريد منكم العودة للأردن كأردني، فعليه وقف عضويته في أي تنظيم أو حزب غير أردني، وبالفعل عاد حوالي عام 2001 أحد المبعدين مع خالد مشعل إلى بيته وأسرته في عمان وهو يحمل جنسيته الأردنية وما يزال، ولكنه توقف عن أي نشاط سياسي مع حماس أو مع أي حزب آخر.... فلماذا تعمد توتير العلاقات مع الأردن تحديدا، وهل هذا من مصلحة الشعب والقضية الفلسطينية؟.
ونحن عندما نوضح الخلل في أداء حماس السياسي، هدفنا ليس التحامل عليها لأننا أكدنا مرارا ضرورة احترام خيار الشعب الفلسطيني، ولكننا نهدف إلى التأكيد على الفارق بين أداء الفرد وهو في تنظيم، وعندما يكون مسئولا في حكومة للشعب الفلسطيني، عندئذ ينبغي أن يسعى لتطوير العلاقات وليس توتيرها، ولكن قيادات عدة في حماس تسعى للخصومة وبأي شكل، فمثلا من سيرتاح لتصريح يونس الأسطل النائب في المجلس التشريعي الفلسطيني عن حماس وعضو قيادتها السياسية، عندما قال صراحة يوم السبت الخامس عشر من أبريل الحالي: (إذا أفشلت حكومة حماس فلينتظروا ظاهرة الزرقاوي والعمليات الإستشهادية في عمق الكيان الصهيوني، وكل محاولة لوضع العراقيل أمام حكومة حماس يعني قلب الطاولة على رؤوس الجميع وفي مقدمتهم الذين أوصلوا شعبنا إلى هذه المرحلة... وسنتبنى ظاهرة الزرقاوي إذا ما أفشلت الحكومة الفلسطينية... لأن ذلك سيعزز التطرف الإسلامي الذي لا يؤمن إلا بالعمليات الإستشهادية والسيارات المفخخة).... من يتخيل هذا الطرح من نائب في المجلس التشريعى الفلسطيني، وبعد هكذا تصريحات أي برلمان في العالم سيقيم علاقة مع هذا المجلس التشريعي؟
كما إن هذه التصريحات لا تصدر عن قيادي يفكر في إستراتيجية سياسية تحمي شعبه ضمن موازين القوى الحالية، خاصة بعد أن جربنا العمليات الانتحارية ستة سنوات ولم تحرر أرضا ولكن دمرت كل البنية التحتية للشعب الفلسطيني و ألآف الشهداء والأسرى والمعتقلين، وهذه ليست دعوة للاستسلام ولكن لاختيار الخيار الصحيح ولو طال الزمن، لأن منطق عضو تشريعي حماس هذا هو فعلا الطريق الانتحاري الذي يقول: (عليّ وعلى أعدائي)، والشعب الفلسطيني لا يريد الموت فقط، ولكن الحياة في دولة مستقلة...فهل يقود خيار حماس إلى هذا؟؟.
[email protected]
التعليقات