من حق الولايات المتحدة أن تبحث عن مصالحها القومية والدولية، ومن حقها الكامل التراجع التكتيكي أو الستراتيجي عن شعاراتها الكونية وتعديل خططها المعلنة في محاربة الإرهاب ومصادره وثقوبه وقنواته والأنظمة التي تسانده وتدعمه وتتستر عليه، أو مساعدة الشعوب الضعيفة والمختطفة والمغلوب على أمرها من قبل أنظمة عشائرية إرهابية مافيوزية مجرمة تتسلح بإمكانيات الدولة، وتستمد الطاقة والقوة من سرقة ثروات الشعوب ومقدراتها!، لذلك فنحن لم نستغرب نكوص الولايات المتحدة وإعادة دهن وطلاء وتسويق النظام الفوضوي الليبي عبر تفعيل العلاقات الدبلوماسية الكاملة وشطب إسمه وذكره وكل ذكرياته العطرة من سجلات الأنظمة الداعمة للإرهاب!! فالقضية تحصيل حاصل، وقد إستوعب نظام العقيد الجماهيري الأخضر دروس بغداد جيدا، وعاد لبيت الطاعة، ورجع الشيخ إلى صباه المبكر وإلى ذلك اليوم البعيد من أوائل سبتمبر 1969 حينما قفز إنقلاب صغار العسكر المدعوم أمريكيا على سدة السلطة لتبدأ رحلة عذاب وتلاشي الشعب الليبي بعد القضاء على الشرعية الدستورية وخضوع ذلك البلد الواسع والغني لزمرة من صغار العسكر الإنقلابيين الذين حولوا البلد الواعد لحقل تجارب مأساوية في الشفط واللهط والسرقة والتدمير الذاتي، لم نستغرب غدر الولايات المتحدة بقوى الحرية في ليبيا لأننا نؤمن في النهاية بإن الحمل لا ينهض به إلا أهله، ومن أن حرية الشعب الليبي وإنعتاقه ودخوله العصر الحديث هو أمر ليس بيد الولايات المتحدة ولا بريطانيا ولا أي طرف آخر سوى الشعب الليبي ذاته، فحرية ليبيا تبدأ وتنتهي في طرابلس وبنغازي وسبها والبيضاء والجبل الأخضر وكل بقعة ليبية طاهرة دنستها أحذية الفاشية المهزومة والعسكر الخائب ونظام الغدر والخطف والقتل والتصفية الشاملة والفوضى الجماهيرية العارمة، فجماهير ليبيا الحرة والمتوثبة للخلاص تعلم جيدا من أن ساحة النضال هي ساحة شرسة مليئة بالأشواك والألغام وحتى الثعابين السامة، كما أنها تعلم أي درجة وصلها نظام العقيد في التنازل المخجل وفي التفريط بكل مقدرات الشعب الليبي من أجل البقاء على قمة العرش الفوضوي المتهدم الذين يريدون جعله عرشا وراثيا خاصا بأبناء العشيرة الذهبية والإنكشارية المتحالفة معها والمنتفعة بوجودها، لقد دفع نظام العقيد الأخضر الغالي والنفيس وقدم المليارات وتنازل عن دماء الشعب ومعاناة الأطفال وباع كل شيء من أجل إرضاء أولياء الأمر في عواصم القرار الدولي، لقد كان (أوكازيون) دولي وحملة عالمية لبيع ليبيا في المزاد العلني من أجل حفظ وسلامة النظام، والمعارضة الليبية الحرة التي يشوهون سمعتها لن تجرؤ أو يقدم أي طرف منها على تقديم أي تنازل يمس الكرامة والسيادة الليبية، وليس هنالك أفضل من نظام العقيد الأخضر لتقديم تلكم التنازلات السخية والمخجلة على مختلف الصعد بدءا من الثروة الوطنية وليس إنتهاءا بملف الصراع مع إسرائيل أو (إسراطين) على حد رأي نبي الجماهير!!، ولقد كسب النظام الليبي بالقطع معركة مهمة في حرب مستقبلية شاملة وواسعة لم تنته بعد.
ويذكرني الموقف الدراماتيكي الأمريكي المتحول من النظام الليبي ودهشة القوى الليبية الحرة مما جرى بالصدمة التي عاشتها المعارضة العراقية صيف عام 1988 حينما تجرع (الخميني الراحل) كأس السم وقبل بوقف الحرب ضد نظام صدام!! فلقد كانت العديد من قوى المعارضة العراقية تراهن على استمرارية الحرب من أجل إرهاق وإسقاط النظام العراقي، وبتوقف تلك الحرب بصورة مفاجئة تجرعت المعارضة كل سموم الدنيا ولكنها ما لبثت إن استعادت رشدها من تلك الضربة لكون الفاشية ترتكب الحماقات وبذور فنائها موجودة بداخلها تتفاعل وتتوالد، والأنظمة الشمولية مهما كانت درجة تحالفاتها الدولية أو مقدار تنازلاتها عاليا لا يمكن أن تستمر فلا بد للقيد أن ينكسر، والشعب الليبي الذي قدم آلاف الضحايا على مذبح مقاومة الفاشية وحكم العشيرة المتخلفة والفرد الأحمق لا يمكن أن تفت في عضده تحالفات دولية ولا مواقف هذا الطرف أو ذاك، فرخصة النضال قد أصدرها الشعب الليبي الحر وقواه الطليعية الفاعلة التي لا بد أن تشمر عن سواعدها بعد أن تطهرت سمعتها من دعايات أنظمة الكذب والهزيمة والدجل، فحرية الشعب الليبي المقدسة أقوى من كل الطغاة مهما تفرعنوا... وسيكون لشعب ليبيا الحرة موعد شرف مع التاريخ... فالأحرار لا يهزمون مهما كان سواد الليل حالكا.
- آخر تحديث :
التعليقات