يستطيع المراقب الموضوعي أن يقيس نوعية التفكير السائدة في أوساط القراء العرب، من خلال تتبع و دراسة تعليقاتهم على مقالات الكتاب بمختلف توجهاتهم ونوع عمالتهم والجهات المخابراتية التي يعملون لحسابها، وأكاد أجزم أنه من النادر أن تجد كاتبا من الأسماء المعروفة لم يتهم بالعمل لحساب جهاز مخابراتي بما فيها (مخابرات تشاد)، حيث كل من عارض حرب القذافي المجنونة ضد تشاد عقب احتلاله لمنطقة (أوزو)، اتهمه الإعلام القذافي بالعمالة المدفوعة للمخابرات التشادية، وكنت واحدا ممن نالهم هذا الشرف، وبعد أن انسحب القذافي خائبا مدحورا من تشاد، لم يتم دفع تعويضات لنا لا من المخابرات القذافية ولا التشادية، ورغم هذا الظلم الفادح وأكل حقوقنا، إلا أن انسحاب القذافي أثبت صحة موقف من عارضوا الحرب، وهذا يعني أنه كان موقفا من أجل سلامة ليبيا ولم يكن عمالة للمخابرات التشادية. وتكرر نفس الموقف تقريبا في الحرب الظالمة التي بدأها القائد المؤمن البطل القومي صدام حسين ضد إيران عام1980، وكنت وقتها مدرسا في جامعة البصرة، ورفضت التصفيق والتطبيل لقادسية صدام كما أطلق عليها، فما كان من ممثل فلسطين في قيادة صدام القومية الفلسطيني ناصيف عواد (أبو يعرب)، إلا أن نصحني : إما الانخراط في جوقة المطبلين للقادسية وتمجيد قائدها الضرورة الذي رأى المؤمنون صورته على سطح القمر، أو أن أغادر عملي في جامعة البصرة بسرعة قبل صدور قرار اعتقالي بتهمة العمالة للفرس المجوس، وهي التهمة التي اعتقل بسببها وقتل غدرا ألاف المواطنين العراقيين والعرب، فسمعت نصيحته وغادرت فورا إلى بيروت.

الملاحظة الثانية هي أن نسبة من القراء العرب ما زالوا محكومين بخطاب الخمسينات التهريجي الذي أكّد أننا فعلا (أمة عظيمة)، و (أننا أمة عربية واحدة، ذات رسالة خالدة)، و الوحدة العربية الشاملة على الأبواب رغم مؤامرات الأعداء،وأن إنجازات الأبطال القوميين خاصة جمال عبد الناصر و صدام حسين التي كادت أن تجعل منّا اليابان الجديدة هي التي تشعل الغضب والحقد في نفوس الإمبرياليين، فيصعدوا من مؤامراتهم على هذه الأمة الفذّة في العلوم والتكنولوجيا. من نتائج هذا الفهم العاطفي الخطابي وسط أمية ستين في المئة من الشعوب العربية، تسود الشتائم و الاتهامات بدلا من مناقشة الأفكار وتأييدها أو دحضها، مما حدا بالبعض أن يعتبروا الأمة العربية مجرد ظاهرة صوتية، لأن الصراخ والسباب والشتائم هي سمة النقاش العربي الذي لا يؤمن بالرأي والرأي الآخر، حيث يعتبر كل شخص نفسه هو صاحب الرأي المطلق والمعبر عن رأي الشعوب عامة، بدليل أنه تسود في كتابات غالبية الكتاب العرب تعبيرات مثل: (فيما يتعلق بموقف الجماهير العربية فهو....)، (أما موقف الشعب الفلسطيني من العمليات الإستشهادية فهو....)، (إن موقف الشعب العراقي من محاكمة صدام...)، ويضع الكاتب موقفه هو من هذه القضية أو تلك على أنه موقف الشعب أو الشعوب كاملة، دون أن يفكر لحظة كيف أعطى لنفسه الحق في أن يكون ناطقا رسميا باسم الملايين من البشر دون أن يستفتيهم ويسألهم عن رأيهم في تلك القضية. وأتذكر أنه في نوفمبر من عام 1977، عقب عودة الرئيس المؤمن أنورالسادات من زيارته المفاجئة لدولة إسرائيل، كنت أتجول في شارع طلعت حرب في القاهرة مع الشاعر المصري المرحوم أمل دنقل، وفجأة جذبني من يدي وطلب مني قراءة اليافطة الطويلة الموضوعة على واجهة محل الأحذية المشهور في مصر آنذاك والمعروف باسم (أحذية زلط)، وكان مكتوبا على اليافطة: (الشعب المصري يرحب بعودة الرئيس المؤمن من زيارته المباركة للقدس). وبدون استشارتي دخل أمل دنقل إلى المحل، وسأل بصوت عال:
- فين صاحب المحل؟
- أيوه..أنا يا بيه.
- مين إللي كتب اليافطة دي على الباب؟
- أنا..فيه حاجة يا بيه؟
- إنت سألت الخمسة وخمسين مليون مصري قبل ما تكتب اليافطة دي ؟
- طبعا...أنا متأكد إنو المصريين كلهم بيرحبوا بزيارة الريس!
- مش صحيح..أنا مصري و مرحبتش بالزيارة..
- أحسن لك توكل على الله..قبل ما يسمعوك وتروح في داهية.

وبعد ذلك عقب توقيع إتفاقية كامب ديفيد كتب أمل دنقل قصيدته المشهورة: (لا تصالح !!). لذلك تسود في تعليقات القراء بصفة عامة الشتائم والسباب والاتهامات بدلا من مناقشة أفكار القارىء وبيان صحتها أو خطئها بحقائق إضافية أو مناقضة. وانطلاقا من سيادة الظاهرة الصوتية الخطابية الانفعالية، جاءتني فكرة هذه المقالة التجريبية معتقدا أن نوعية خطابها هو الذي يصفق له نسبة عالية من القراء العرب دون مناقشة أو تفكير، وأفكارها كما سيرى القراء هي مجرد تجميع لأفكار سائدة بشكل يومي في العديد من مقالات الكتاب القوميين و الإسلاميين ومن صفّ صفهم، والآن إلى هذه المقالة التجريبية لنرى ردود فعل القراء عليها.

(التحديات التي تواجه أمتنا العربية العظيمة الخالدة)
لا يمكن لذي عقل أن لا يعترف بأن الأمة العربية العظيمة تواجه أخطارا جسيمة، تتمثل في محور الشر الإمبريالي الصهيوني الماسوني الاستعماري، الذي يصطف باذلا كل قواه لتحطيم قدرات هذه الأمة الواحدة الموحدة، هذه الأمة التي من مسؤولياتها إعادة العالم أجمع لطريق الرشاد والصواب، فنحن رغم كل المؤامرات خير أمة أخرجت للناس، وسنثبت قريبا لقوى الشر كافة صدق هذه المقولة، عندما تزحف جحافلنا المنتصرة دوما لتأديب هؤلاء الطغاة الكفار الظلمة. إن أمجاد أمتنا في الأندلس ما زالت ماثلة للعيان، وهذه الحضارة الغربية قامت على إنجازات العلماء العرب في كافة الميادين من الجبر إلى الهندسة وعلوم الطب والصيدلة، وهذا التاريخ الحافل سنعيد إنتاجه عما قريب، مهما حشدوا ضد أمتنا من قوة فنحن القوة التي لا تهزم، ويعرف الأعداء وجواسيسهم الخونة هذه الحقيقة.

وبالنسبة للقضية القومية العربية في فلسطين المحتلة، فنحن على يقين أن جماهير الوطن العربي الواحد الموحد، لا همّ لها سوى حشد الطاقات المادية و المعنوية من أجل يوم التحرير الذي بات قريبا وعلى مرأى بصر القوميين الوطنيين الشرفاء من أبناء هذه الأمة، بعكس الخونة الذين وقعوا اتفاقيات الذل والهوان مع دولة الاحتلال، وعملائهم من الكتاب والصحفيين الذين يقبضون من أجهزة المخابرات العالمية لبث الفرقة واليأس في نفوس أبناء هذه الأمة العربية الخالدة. وليعلم هؤلاء المستسلمين أن ستين عاما مضت على اغتصاب و احتلال فلسطين هي مجرد دقائق في نظر المؤمنين بالجهاد، الذين على استعداد أن يذهبوا مع أبنائهم و بناتهم من أجل تنفيذ العمليات الإستشهادية في كل مكان من أرض الرباط، لأن فلسطين وقف إسلامي لا يجوز لمسلم أن يفرط في شبر منها، ونحن متأكدين أن المسلمين من المحيط الهادر إلى الخليج الثائر، ومن سيريلانكا إلى إندونيسيا وماليزيا ومرورا بجزر القمر التي تشرفت جامعة الدول العربية بعضويتها، كلهم يتوقون لذلك اليوم الذي يزحفون فيه بالملايين في جهاد مقدس لتحرير فلسطين، الوقف الإسلامي العزيز على قلب كل مسلم، وقد أثبتت استطلاعات رأي محايدة، أن نسبة الشباب العربي والإسلامي المستعدين للقيام بعمليات استشهادية في أرض الرباط فلسطين، هي كالتالي:
- في سورية بلد البعث العربي الاشتراكي بلد القائد الخالد حافظ الأسد قاهر إسرائيل، ونجله الرئيس بشار الأسد السائر على درب الرئيس الوالد بعد أن تسلم الحكم من بعده بقرارات دستورية من مجلس الشعب السوري الديمقراطي الوحيد في العالم أجمع، تسعون في المائة.
- في مصر بلد الزعيم العربي القومي الخالد جمال عبد الناصر، صانع صاروخي القاهر والظافر، وصاحب صرخة (ارفع رأسك يا أخي فقد ولى عهد الاستعمار)، خمسة و تسعون بالمائة.
- في العراق بلد المناضل القائد الضرورة حامي حمى البوابة الشرقية و قاهر الفرس المجوس، ومؤسس جيش القدس وفدائيي صدام،ثلاثة وتسعون في المائة.
- في إندونيسيا و ماليزيا التي دخلت شعوبها الإسلام بسبب نزاهة و سمو أخلاق التجار العرب، تسعة وسبعون في المائة.
- في الجماهيرية العربية الاشتراكية الديمقراطية الإنسانية العلمية التكنولوجية العظمى، بلد عميد الحكام العرب و مؤلف الكتاب الأخضر العظيم العقيد الخالد معمر القذافي، تسعة وتسعون في المائة.
- في جزر القمر الخالدات التي شاهد غالبية شعبها العظيم صور القائد الضرورة صدام حسين على سطح القمر، خمسة وثمانون في المائة.
وهذه نماذج فقط،أما بقية الدول العربية والإسلامية التي شملها الاستطلاع وهي خمسة وثلاثين دولة، فقد تراوحت النسبة بين خمسة وستون و ثمانون في المائة.
إن النتيجة الوحيدة لهذا الاستطلاع المحايد هي أن غالبية الأمتين العربية والإسلامية على أهبة الاستعداد ليوم الزحف العظيم لتحرير أرض الرباط فلسطين، ذلك اليوم الذي يراه الخونة والجواسيس بعيدا، ونراه نحن المجاهدين الشرفاء قريبا كما كرّر دوما القائد الخالد الشهيد الرئيس ياسر عرفات.
أما فيما يتعلق بقوى الشر في العالم وعلى رأسها الولايات المتحدة الأمريكية، فقد رفضت الهدنة التي عرضها المجاهد الشيخ أسامة بن لادن، ومساعده المجاهد الدكتور أيمن الظواهري، وكما قال زعيم الجهاد في بلاد الرافدين المجاهد أبو مصعب الزرقاوي، فسوف نحيل الأرض من تحت أقدامهم إلى بحار من الدم، وسيعرفون أننا أمة الرباط و الجهاد وأرواحنا رخيصة من أجل إعلاء كلمة الحق وطرد الغزاة والمحتلين، وقسما بأرواح الشهداء سنحرر أوطاننا شبرا شبرا، بدءا من الاسكندرونة وفلسطين والجولان ومزارع شبعا وسبتة ومليلة، أما عربستان والجزر العربية الثلاثة فسوف نفكر في أمرها لأنها ضمت لدولة إسلامية، وهذه ليست مشكلة في حالة قيام الخلافة الإسلامية الواحدة، وعندها قسما عظما سنعيد أمجاد الأندلس، لأن مرور قرابة ستمائة عام على إندحار المسلمين منها لن ينسينا تلك الأمجاد والحضارة، كما أن ستين عاما من احتلال فلسطين لم ينسنا أرض الرباط....وفي الختام ليس هناك أفضل وأكرم من ترديد قول القائد البطل المؤمن الأسير صدام حسين، فكّ الله والمقاومة العراقية الشريفة أسره: (عاشت فلسطين من النهر إلى البحر و ليخسأ الخاسئون)!!.

***
تلك كانت ما أطلقت عليها مقالة تجريبية لتقصي ردود فعل القراء عليها، وبعد ذلك من الممكن أن يغير الكاتب اتجاهه ومواقفه استجابة لرغبة الجماهير العربية الغفيرة، وعلى اعتبار(أن الجمهور عايز كده)، والله الموفق والمستعان ولا غالب لأمره!.
[email protected]