التاريخ ذاكرة أي أمة ورغم أنه يتحدث عن الماضي لكنه دائماً بذرة بناء المستقبل. من يكتب التاريخ؟ التاريخ في رأي البعض علم وفي رأي البعض الآخر فن وفي كلتا الحالتين يحتاج إلى متخصصين نطلق عليهم المؤرخين. والمؤرخون نوعّ أكاديمي مثل ابن خلدون والجبرتي يكتب التاريخ بناء على منهج علمي ومنطق وإما مؤرخون موالون لأسرة حاكمة أو لنظام حاكم مثل المسعودي وابن كثير.

كيف نكتب التاريخ؟
التاريخ يكتب على مرحلتين مرحلة التأريخ أي كتابة الإحداث حسب تعاقبها أو تزامنها ثم مرحلة التفسير والتحليل واستخراج العظة والعبرة وربما بعض قوانين التاريخ.
والخطوة الأولى وهي التأريخ تحتاج إلى مادة وثائقية مكتوبة أو غير مكتوبة فمثلاً العمارة والعملات والملابس والمقابر وغيرها بجانب الوثائق المكتوبة تعد المادة الأساسية للتاريخ.
وبالنسبة للمؤرخين العرب مادة التأريخ القديمة, معظمها استخرجها أجانب واستولوا عليها وكأنهم قد استولوا على تاريخنا أما مادة التأريخ الحديث وهي الوثائق التي تصدر كل فترة عن طريق مثلاً, وزارات الخارجية لتصبح متاحة للجمهور والباحثين هذه المادة تحتاج لأرشفة علمية وقوانين منظمة لعدم حجبها إلى الأبد أو إزالتها. ومثل هذه الوثائق غير متاحة للباحثين العرب بسهولة أو بطريقة نظامية (Systematic). معنى ما سبق أننا لا نكاد نملك تاريخنا القديم ولا الحديث وإنما هو ملك للآخر القوي فكأنما ذلك الآخر قد سطى على ذاكرة الأوطان العربية التي هي أوطان تتعرض لكوارث كبرى، ربما بسبب فقدان الذاكرة.

هل نحن بحاجة إلى إعادة قراءة التاريخ العربي والإسلامي؟
إن مشكلة السقيفة ثم قيام الدولة الأموية ثم العباسية ثم ذلك العدد الذي لا يحصى من الدول والإمارات يَعدُ واقعاً إنتمى إلى زمانه ولا ينبغي أن ينتمي إلى زماننا ومشكلتنا أننا إلى اليوم نناقش قضايا لا جدوى من مناقشتها كأن نتحدث عن شرعية قيام دولة من الدول الإسلامية أو عدم شرعيتها فهذه أمور لن تغير من شكل الواقع الذي كان. باختصار أود القول إن إعادة النظر في تاريخنا ينبغي أن يبدأ بمنهج علمي أولاً وثانياً علينا أن ندرك أنه تاريخ بشر, صنعه البشر بخيره وشره وليس تاريخاً إلهياً . ومن الطريف إن ما أقوله قال به ابن خلدون منذ ستة قرون بشكل حاسمٍ وواضح في مقدمته ومن الطريف أنه عندما كتب تاريخه لم يفعل بما قال ومثله كل المؤرخين العرب إلى اليوم.

هل كان موشى ديان على حق فيما وصف العرب بإنهم لا يقرأون التاريخ وبالتالي على حد تعبيره فهم ما أسرع ما ينسون؟
العالم مثل قطار ياباني سريع معلقاً في الفضاء يكاد يطير, تتوالى الوقائع والأحداث التي كانت تستغرق أعواماً وأجيالاً في وقت قصير. والعرب واقفون على إحدى المحطات يخشون ركوب ذلك القطار لكنهم يستقبلون ركاب القطار ليصفعوهم على مهلهم ويعودون إلى قطارهم، حتى أن أصبح الوقوف على المحطة واستقبال الصفعات عادة يتلذذون بها فقط لانهم وهم واقفون على المحطة لا يرون القطار ولا يرون النازلين منه لأنهم فقدوا ذاكرتهم أو فقدوا تاريخهم وكل ما ننساه لا نراه وبالتالي تتكرر المصائب في حياتنا دون أدنى عائق أمامها, وكان ينبغي ألا نقع في الحفرة مرتين ولكننا نقع مرات كثيرة وليس مرتين فقط لأننا ننسى الحفرة فلا نراها لكن لماذا ننسى؟ لأننا لا نقرأ التاريخ وقراءة التاريخ هي صنعة، وصناعة التاريخ دائماً تعتمد على الذاكرة، إنها دائرة مفرغة إذا فقدنا جزء من محيطها خرجنا منها ودرنا في الفراغ دون الوصول إلى أي شيء. إسرائيل تفاجئ مصر في 56 و 67. وقد حددت بعض الصحف الإسرائيلية بخبث حاجة العرب إلى بعض الوقت للنسيان: عشر سنوات. والآن العرب ينسون كل خمس سنوات أو أقل لأنهم يستقبلون الكوارث وكأنها مفاجآت القدر التي لا راد لها. فكم حرباً عاشتها منطقة الخليج العربي في مدى عشر سنوات؟ هل ترتب على أي من تلك الحروب دراسة مستقبلية لتجنب تكرار الكارثة؟ لم يحدث. ومازال مسلسل الكوارث يلم بالعرب وما زال العرب لا يقرأون. فمتى نقرأ؟ ذلك هو السؤال.