أخص هذه الحلقة من (الحوار مع القراء) لمقالي الموسوم (هل نصر الله فوق النقد؟ ) حيث ورد 47 تعليقا إلى صحيفة إيلاف عليه، ومقال في صحيفة (صوت العراق) الإلكترونيتين. غالبية الردود كانت مؤيدة، ونسبة منها كانت على الضد، وعلى العوم كانت في غاية الفائدة، خاصة تلك التي صححتْ لي معلومة وردت في مقالتي لا تخلو من خطأ والتباس. والجملة الوحيدة التي وردت خطأً وأود الاعتذار عنها هي: أن (... السيد حسن نصرالله، زعيم quot;حزب اللهquot; الذي ابتلى به لبنان الجميل وشعبه المسالم منذ السبعينات من القرن الماضي....). والصحيح هو (منذ الثمانيات) وليس (منذ السبعينات). وسبب هذا الالتباس هو إن الحرب الأهلية اللبنانية بدأت عام 1975 وانتهت عام 1990، أي استمرت 15 عاماً، بينما حزب الله تأسس عام 1982، وتزعم نصر الله الحزب بعد هذا التاريخ بكثير. لذلك أعتذر عن هذا الخطأ واقتضى التصحيح. وأشكر الأخوة الذين نبهوني على هذا الخطأ، وquot; رحم الله من أهدى الي عيوبيquot;، منهم برسائل خاصة، ومنهم بتعقيبات، وأخص بالذكر الأستاذ حسين حيدر في تعقيبه في إيلاف، ومقال نشر في (صوت العراق) بقلم السيد علي البغدادي، بعنوان (وقفة مع الدكتور عبدالخالق حسين). أما عدا ذلك وما جاء في بقية المقالة، فليس هناك ما أعتذر عنه.

حزب الله والحرب الأهلية
المعلومات المتوفرة في موسوعة (wikipedia.org) عن تاريخ هذا الحزب تفيد أن حزب الله اللبناني تأسس بمساعدة الإيرانيين عام 1982 بعد ثورة الخميني الإسلامية، وللإيرانيين دور كبير في تمويله وتوجيه سياساته. وهذا لا يعني أن حزب الله لم يشترك في الحرب الأهلية اللبنانية منذ تأسيسه عام 1982 إلى نهاية الحرب عام 1990، حيث هناك تواجد لهذا الحزب خلال الثمانية أعوام الأخيرة من الحرب، واشتبك بصراعات مسلحة مع حركة أمل، سقط فيها مئات القتلى. كما قام بعمليات اختطاف أعداد كبيرة من الأجانب الذين جاءوا إلى لبنان، إما لتقديم المساعدة الإنسانية للشعب اللبناني، مثل القس الإنكليزي تري ويت، أو لمهمة صحفية مثل جون مكارثي وغيرهما كثيرون. إضافة إلى عمليات انتحارية ضد تواجد قوات أجنبية في لبنان، مثل القوات الإيطالية والفرنسية والأمريكية التي جاءت للمساعدة في حفظ الأمن في لبنان. ويبدو أن بعض الأخوة القراء استغلوا نقطة اختلاف التواريخ في بداية الحرب الأهلية في السبعينات و تأسيس الحزب بداية الثمانينات، فركزوا عليها كل التركيز لإبعاد الانتباه عن المسألة الأساسية في المقالة وهي أن أتباع السيد حسن نصر الله جعلوا منه قائداً مقدساً فوق النقد وتمادوا في تهديد وابتزاز الآخرين.

مناقب حزب الله
أما كوني تغافلت في مقالي عن الجوانب المشرقة أو الإيجابية من تاريخ (حزب الله) ودوره في تحرير جنوب لبنان من الاحتلال الإسرائيلي، كما جاء في تعليق أحد القراء، فلا أحد ينكر هذا الدور، ولكن المقال لم يكن مخصصاً لعرض تاريخ ومناقب الحزب، بل هو انتقاد عابر لزعيمه الذي جعل نفسه فوق النقد، وتصرفات حزبه بالخروج بمظاهرات صاخبة تهدد المسيحيين اللبنانيين وتنذر بإشعال حرب أهلية بسبب برنامج تلفزيوني لا علاقة للمسيحيين به.
إذ يعقب القارئ، السيد عمار تميم قائلاً: quot;الأستاذ الدكتور كاتب المقال تغافل عمداً عن رد السيد نصر الله عبر أخبار نيوتي في اللبنانية حيث طالب الجميع بالهدوء ونفى عن نفسه القدسية الدينية وقال أنه يرفض مثل هذه التهكمات لجميع الشخصيات اللبنانية احتراماً وتقديراً للجميع.....quot;. كما ادعى آخرون بأن المظاهرات كانت عفوية...الخ

الادعاء بأن هذه المظاهرات كانت عفوية من قبل أتباعه الذين لم يتحملوا quot;الإهانةquot; توجه إلى زعيمهم، كما جاء في تعليقات أخرى، وأن السيد نصر الله كان مهدئاً وناصحاً أتباعه بالهدوء والسكينة، فهذه لعبة مكشوفة لا يمكن أن تمر إلا على الناس البسطاء والسذج. فكما ذكرت في المقالة الأولى، لا يمكن لأتباع نصر الله أن يقوموا بهذه التصرفات الاستفزازية ما لم تكن بموافقة وربما بأوامر زعيمهم، وإلا فالحزب غير ملتزم بالانضباط الحزبي، وهنا يكون العذر أقبح من الفعل. ففي رأيي، قام نصر الله بصيد عصفورين بحجر واحد، أي يحرض أتباعه سراً بالتظاهر وإبراز عضلاتهم ضد المسيحيين (وكذلك ضد أهل السنة، كما جاء في تعليق أحد القراء في إيلاف)، وتكريس الصراع الطائفي، ثم يخرج هو في التلفزيون يطالب الجميع بالتهدئة والعفو والمغفرة، لإظهار نفسه كحمامة سلام. فكما جاء في تعقيب القارئ السيد ميشال السوري قائلاً: quot; فالكلام المعسول الذي نسمعه من السيد حسن نصرالله في كل المحافل شيء واستراتيجيتهم شيء آخر... فمنذ متى كان لله عز وجل من حزب، أستغفر الله العظيم. أما وقد انتقد سماحة الشيخ؟؟؟؟؟؟!!!! فيجب أن تقوم القيامة. على السيد إما أن يلبس العمامة ويكون رجل دين أو ينزعها ويتفرغ للسياسة quot;. ويؤيد هذا الموقف القارئ السيد (أمين) الذي قال: quot;مع احترامي للسيد نصر الله، فإنه شخصية سياسية ولذلك فإنه معرض للنقد بكافة أشكاله، وإذا كان لا يتحمل النقد فليعتزل العمل السياسي ويجلس في المنزلquot;.

حول إشكالية التسمية بـ(حزب الله)
وترد القارئ(ة) (نور) دفاعاً عن السيد نصرالله وحزب الله، بالقول:quot;... ومن يتساءل هل لله حزب فمن المؤكد أنه ليس بمسلم لأن الله يذكر في كتابه أن له حزب و حزبه غالبون مفلحون إن حزب الله هم المفلحون..quot;

أرى من المفيد توضيح هذه المسألة. أعتقد أن المقصود ب quot;حزب اللهquot; كما ورد في القرآن الكريم، يختلف كلياً عن معنى الحزب في عصرنا الراهن. إذ يجب أن تفسر الآية بسياقها التاريخي، فالمقصود بحزب الله آنذاك، هم المسلمون جميعاً من أتباع الرسول (ص) مقابل أعداء الإسلام. أما الحزب بمعناه اليوم فهو تنظيم سياسي ذو نظام داخلي وبرنامج عمل سياسي معيَّن. ولو أضفينا معنى quot;حزب اللهquot; كما ورد في القرآن الكريم على quot;حزب الله اللبناني) بمعناه السياسي اليوم، فهذا يعني أنه تم تقسيم البشرية إلى قسمين: حزب الله مقابل أعداء الله. أي حزب الله بقيادة نصر الله واعتبار كل من لا ينتمي إليه هو في صف أعداء الله. وهذا مخالف للمنطق والعقلانية، ولا يختلف عن دعوة أسامة بن لادن، زعيم منظمة quot;القاعدةquot; الإرهابية، الذي قسم العالم إلى: (فسطاط كفر وفسطاط إيمان). فما ورد في الآية الكريمة عن (حزب الله هم الغالبون) لا ينطبق على معنى الحزب بمعناه السياسي المعاصر، واستغلال المقدس لخدمة السياسة يعني إضفاء القداسة على الحزب السياسي وزعيمه، وهذا مضر بالمقدس والسياسة معاً. والله أعلم.

العرب والنقد
مشكلة العرب أنهم لا يتحملون النقد أي كان ودون أن يدركوا فائدته، فبدون نقد لا نعرف عيوبنا، إذ تراهم، سامحهم الله، يواجهون الناقد بالشتائم وتجريده من أصله وفصله ودينه وحتى من مذهبه، بدلاً من المحاجة العقلانية، ومواجهة المختلف في الرأي حجة بحجة. فقد علق السيد Fawaz قائلاً: quot;والله ما ادري يا عبدالخالق أنت تكذب على نفسك ولا علينا... حزب الله والحرب الأهلية???? اول مرة اسمعها!!!. الظاهر من كتاباتك انك تكره حزب الله أو كما قال الأخ انحزت لطائفتكquot;.
في الحقيقة كم تمنيت لو أبقى مجهول الانتماء الطائفي، فأنا علماني ديمقراطي وليبرالي، وأعتز بهذا التوجه، ولا أشتري الطائفية بـquot;عفطة عنزquot;، بل أحتقرها وأحاربها بكل ما أوتيت من قوة. فأنا أدافع عن حقوق المظلومين أينما كانوا، بغض النظر عن انتمائهم القومي والديني والطائفي، وموقفي هو نقد الأخطاء حسب اجتهادي، ودون أن أدعي العصمة من الخطأ.

الوضع الأمني في لبنان
لا شك إن الوضع الأمني في لبنان هش، والشعب قد ملّ وتعب وعانى كثيراً من الحروب الأهلية (1975-1990) التي أرهقته فوق طاقته لخمسة عشر عاماً. فليس بمقدور هذا الشعب اليوم القيام بحرب أهلية أخرى بعد كل ما أصابه من دمار شامل وخسائر هائلة في الأرواح والممتلكات. هذا الشعب يستحق أن يعيش كغيره من الشعوب بسلام وأمان، وأن يبلغ زعماؤه سن الرشد ويعوا متطلبات المرحلة التاريخية ويعملوا على استتباب الأمن والاستقرار وبناء وطنهم وإسعاد شعبهم، بدلا من القيام بالأعمال الغوغائية والتهديد والوعيد بإشعال حروب أهلية جديدة لسبب تافه مثل برنامج تلفزيوني ترفيهي ناقد، كما كان يحصل في عرب الجاهلية، مثل حرب البسوس أو حرب داحس والغبراء بسبب فرس والتي دامت أربعين عاماً.

ثم، كعراقي، لا يمكن أن أغفر لحسن نصر الله ولا لحزبه موقفهما غير المشرف في الوقوف إلى جانب أبشع نظام دموي عرفه التاريخ والدفاع عنه، ألا وهو نظام حزب البعث الصدامي الدموي في العراق. فدعم الفاشية جريمة لا تغتفر، وتبقى وصمة عار في تاريخ هذا الحزب وزعيمه إلى الأبد. كذلك هناك تقارير تفيد عن دور حزب الله في المشاركة بالإرهاب الدائر في العراق الآن وبأوامر ودعم من إيران وسوريا، لإفشال العملية الديمقراطية فيه والتوغل بدماء العراقيين.