فنتازيا عربية

ان نختلق ونصطنع ونبتكر ونؤلف، مفاهيم ومصطلحات وشعارات، ما انزل الله بها من سلطان، ولا دليل يربطها بالواقع المعاش، ولا شاهد عليها غيرنا، فكل هذا شاننا وحدنا (فى العالم العربى سابقا، والعربى والاسلامى لاحقا). وان نكرر ونردد مثل هذه المفاهيم حتى نحفظها ونصدقها وتكون جزامن اد بياتنا فهذا ايضا شاننا. وان نعمل بمثل هذه المفاهيم لانفسنا وعليها فهذا ايضا شان ثالث يهمنا وحدنا. ولكن ان نتعامل مع الاخرين بمثل هذه المفاهيم،فهذا قطعا شان للاخرين فيه نصيب.
ما حدث فى خلال العقود الثلاثة الماضية هو اننا اكثرنا من صناعة مثل تلك المفاهيم والمصطلحات، اى زودنا على ما عندنا واضفنا اليه الكثير، كما (اى زيادة العدد)، وكيفا (اى زيادة البعد عن الواقع) ولكن المصيبة الاكبر هى اننا انتقلنا بهذه المفاهيم من، اماكنها المغلقة التى لايسمعها منها احد سوانا، الى اجهزة الاعلام التى اصبحت تُسمع وتُشاهد في كل العالم في اللحظة والتو.
في السابق وقبل هذا الاوان كان يمكن فعل ذلك بلا تأثير، وكان يمكننا ان نقول ما نشاء، لانه وبما ان انتاجنا للحياة كله كلام في كلام ولا اثر للفعل فيه، وبما انه غالباً ماهو كلام خيالي ولا يربطه بالواقع اي رابط، إلا انه كان محصوراً بيننا ولا يتخطانا الى احد و او بمعنى آخر كنا نؤلف ونلحن ونغني ونسمع لانفسنا. وطالما كان ذلك يُسلينا ويُطربنا، وطالما ارتضينا هذا الوضع لانفسنا، وطالما عشنا في صورة خيالية وهمية صنعناها وارتضيناها لأنفسنا، وطالما كان ذلك محصوراً بيننا ولا يتعدانا الى الآخر، طالما كان كل ذلك كذلك، لم تكن بالتالي توجد اي ملابسات او اشكالات، وكنا عايشين في آخر الانبساط وكامل السُبات (الصيفي والشتوي) ومتفرغين لتفريخ الصبيان والبنات، من دون ان يهمنا ماذا ياكلون وكيف يترعرعون؟. ولكن ان نصحو من ذلك السُبات فجأة (كحشرة اعتقدت نفسها اسدا)، وننتقل بتلك المفاهيم ـ التي ارتجلناها ـ الى الاخرين، وان تتحول مفاهيمنا من طور سرد ورص وتكرار الكلام، الى الفعل، وان
يكون ذلك الفعل اعتداءً على الآخر، فهذا قطعاً ما لن يسكت عنه ذلك الآخر،ولن يحتمله، وقطعاً سوف يواجهه بكل قوة.وهذا هو مايجري الآن بالفعل على ارض الواقع. وقد كنا في كل ذلك، كمثل اؤلئك الاطفال الذين عاشوا في بيتهم (آخر دلع) بسبب تهاون الوالدين معهم وعدم نصحهم وتوجيههم التوجيه الصحيح، لذا كان هولاء الاطفال يسيئون السلوك مع بعضهم البعض، ومع والديهم وزوار بيتهم، ويتصرفون داخل بيتهم بآخر عنجهية ولا مبالاة وقلة ادب من دون ان يقول لهم احد quot;عيبquot;، وعندما اشتد ساعدهم وقويت عضلاتهم ـ او هكذا ظنوا ـ صاروا يعتدون جسدياً على والديهم والزوار. كل ذلك لأن احدا لم يزجرهم او يردعهم او ينهرهم على سلوكهم ذلك الذي شبوا عليه، لذا اعتبروا ان ما يفعلونه هو صحيح السلوك. لذلك عندما خرجوا الى الشارع ـ بكل انتفاخ وفتونة ـ ارادوا ممارسة نفس السوك على المارة في الشارع، وكان ان : (عينك ما تشوف إلا النوووور).... ولكن ولسؤ الحظ كان ذلك النووور عليهم وعلى والديهم ليحترق الجميع !!......ولااركم الله مكروهاً في حشرة او اسد لديكم.

كاتب سوداني