هذا السؤال مطروح منذ اخراج النظام السوري من لبنان بفعل عاملين تضافرا في العام الماضي: ارادة لبنانية جامعة تمثلت بانتفاضة عارمة على سياسة النظام في لبنان، بعد بلوغها ذروة دموية مخيفة مع اغتيال الرئيس رفيق الحريري. والثاني قيام المجتمع الدولي والعالم العربي بسحب الغطاء عن بقاء النظام السوري في لبنان. والحق ان رد اللبنانيين على ممارسات المافيا المخابراتية السورية اللبنانية المشتركة تعدى حدود الاحتجاج على النظام لينفجر في الاشهر الاولى للانتفاضة على شكل كراهية لكل ما هو سوري. وتجددت هذه الحالة في كل مرة كان يسقط فيها شهيد من شهداء الحرية والاستقلال من سمير قصير، الى جورج حاوي، فجبران تويني كون النظام السوري كان ولا يزال في دائرة الشبهة. ولا ننكر ان تعديات ارتكبت في حق عمال سوريين في مناطق مختلفة من لبنان، بعضها جاء كردات فعل بدائية على الاحداث، وعلى كبت السنين الماضية، و بعضها الآخر جاء على خلفية اقتصادية البست لبوس السياسة. وإلا فما الذي يفسر مثلا الاعتداءات على عمال سوريين وعلى خيمهم السكنية في مناطق الجنوب حيث يسيطر حليفا النظام السوري quot;حزب اللهquot; وquot;حركة املquot;؟ ولكن المهم هنا هو ان الاعتداءات كانت اقل بكثير مما جرى تداوله وبولغ فيه لاهادف سياسية داخلية في سوريا. من هنا كانت الحملات التي قادها النظام السوري في هذا المجال بترويجه لاخبار كاذبة عن اعتداءات ضد السوريين في لبنان سرعان ما تلاشت بعدما شعر النظام بأن مسالة اسقاطه قد تأجلت عربيا ودوليا. لكن كل هذا لا يلغي واجبا لبنانيا عاما يقضي بتقديم الاعتذار الى الشعب السوري على الاساءات التي ارتكبت في حق العمال من مناضلي لقمة العيش.
هل اللبنانيون يكرهون السوريين؟ اسارع الى القول لا والف لا. واردف اننا في لبنان نعيش اليوم الما مضاعفا: كون المعركة الاستقلالية الحقيقية بدل ان تخاض ضد الانتداب الاجنبي خيضت ضد الوصاية السورية. من هنا حراجة الموقف، وتعقيدات العلاقة بين الشعبين الجارين. فإذا كان ثمة ما يشبه الاجماع بين اللبنانيين على التفريق في النظرة بين النظام والشعب السوري، فإن اللبناني يطرح على نفسه اسئلة من نوع: ماذا بعد هذا النظام الذي لن يدوم الى الى الابد؟ كيف سيتعامل النظام المقبل في سوريا مع كيان لبنان، و استقلاله، و حرية ابنائه؟
اني ازعم ان اللبنانيين يتألمون كثيرا لتردي العلاقات بين البلدين. ولا اخالني اجازف ان قلت ان السوريين يتألمون بدورهم لتردي العلاقات مع لبنان و شعب لبنان. ومن هنا الدعوة الى تحرير نظرة الشعب السوري الى لبنان من العقدة التي تسكن عقل هذا النظام . و في المقابل دعوة اللبنانيين الى تحرير صورة السوري في مخيلتهم من عقدة طلم النظام المافيوي لهم، وهو نظام آيل الى الزوال عاجلا ام آجلا.
ان نظرية quot;الشعب الواحدة في بلدينquot; انتهت و دفنت الى غير رجعة. وعلينا الاعتراف على جانبي الحدود بان هناك واقعا لا راد له: quot;شعبان في بلدينquot;. وان عليهما ان يتعلما التعايش معا جنبا الى جنب في ظل احترام متبادل لاستقلال كل منهما. كل هذا من دون ان تغرب عن بالنا ضرورة تحقيق العدالة في جريمة اغتيال رفيق الحريري اكان بادانة نظام بشار الاسد او بتبرئته. ونحن سنحترم حكم المحكمة الدولية في هذا الصدد. فإغلاق هذا الملف الدامي بجلب القتلة كائنا من كانوا الى العدالة سيشكل قيامة مستقبل مشترك بين الشعبين في البلدين الجارين.

alihamade2002@yahoo.com