لفترة قد تطول، سيظل الشرق الأوسط الكبير أسخن منطقة في العالمrlm;، وكأنه أريد لهذه المنطقة تحديدا أن تكون مختبرا للعديد من الأفكار والمفاهيم الجديدة خلال السنوات المقبلة.rlm;
ويبدو أن سخونة الأحداث الاخيرة وتصاعد حدتها، قد كشفت عن أن مفهوم الحرب نفسه قد تغيرrlm;.rlm; ناهيك عن الغايات التي من أجلها تشن الحربrlm;، ووسائلها وأسبابهاrlm;، فقد كان التمييز النظري بين العدالة في شن الحرب والعدالة في إدارتهاrlm;، أهم مبادئ الحرب العادلة منذ معاهده ويست فاليا عامrlm;1648.rlm; رغم أن الواقع كان يسير في الاتجاه المعاكسrlm;، فقد مورست الحرب العادلة بوسائل غير عادلة دوماrlm;.rlm; وأنتهكت اتفاقيتا جنيف ولاهايrlm;، مرارا وتكراراrlm;، وهما اللتان حددتا الشروط الدقيقة للعدالة في إداره الحربrlm;.rlm;

كما أن المبدأ القائل بأن الحرب حق لا مفر منهrlm;، حتي نكتشف وسائل أخري لحل مشاكلنا الدولية تكون أشد وأكثر قدره علي الردع !rlm; بات مبدأ مشكوكا فيه إلي حد كبيرrlm;، ذلك ان التهديد والتدمير اليوم لا تمارسه الجيوش الجرارة في ساحات معروفة للقتالrlm;، وإنما يعتمد علي منظمات غير معرفة الهوية، حتي وان أعلنت هويتها عبر مصافي وسائل الإعلامrlm;، أولها حتي مركز واحد لصنع القرارrlm;، وبالتالي أصبح من الصعب ردعها أو تخويفها والتأثير فيهاrlm;، وهو ما يؤكد أننا أمام مفهوم جديد للحرب يتناقض مع منطق الحرب التقليديrlm;.rlm;
أضف إلي ذلك أن تآكل مفهوم quot; السيادة quot; ذاته، وعلي كل الجهات، أفرز مشكلات دولية جديدة، ستتطلب ترتيبات وتوافقات سياسية وقانونية جديدة . فقد تمثل التحول التاريخي، الذي صاحب ظهور الدولة في شكلها الحديث، أساسا، في تغير مفهوم rlm;(rlm; أومصدر السيادهrlm;)rlm; من الله إلي الانسان في صورته الفردية أو الجماعة أو في صورته الأكثر تجريدا وهي الانسانية.rlm; وهذه السيادة تتأكد في الميدانيين الداخلي والخارجي معا وفي وقت واحدrlm;.rlm;

إن تاريخ نظام الدول الحديث rlm;(rlm; أي تاريخ السيادة)rlm; ما هو إلا تاريخ المحاولات التي بذلت لإيجاد نوع من التوازن أو المساواة السيادية بين الدولrlm;.rlm; ويبدو أن المشكلة تتمثل أساسا فيrlm;(rlm; المطابقة)rlm; بين سيادة الدولة وبين قدرتها علي أن تفعل ما تشاءrlm;.rlm; فالقول بأن الدولة ذات سيادة لا يعني أنها تستطيع أن تفعل ما يحلو لهاrlm;، أو أنها متحررة من تأثير الآخرينrlm;، تستطيع الحصول علي ما تريدrlm;.rlm;

فقد تكون الدولة ذات السيادة مضغوطة من كل الجوانبrlm;، ومضطرة لأن تتصرف بطرق كانت تود أن تتلافاهاrlm;، ولا تستطيع بالكاد أن تفعل أي شيء بالضبط كما تريدrlm;.rlm;
ان سيادة الدولة لا تنطوي مطلقا علي انعزالها عن آثار أفعال الدول الأخريrlm;.rlm; فليس هناك تناقض بين أن تكون الدولة ذات سيادة وأن تعتمد علي الآخرين في الوقت نفسهrlm;.rlm; فنادرا ما تعيش الدولة ذات السيادة حياة حرة سهلة.rlm; أن القول بأن دولة ما ذات سيادة يعني فقط أنها تقرر لنفسها وبنفسها، لا أن يقرر جزء منها أو إحدي جماعاتها وطوائفها، كيف تعالج مشكلاتها الداخلية والخارجية.rlm;

اليوم يعتبر كثير من الباحثين والمنظرين السياسيين أن مبدأ السيادة ليس معاكسا لتطور النظام الدولي فحسبrlm;، بل انه مضلل أيضاrlm;، لأن جميع الدول مخترقة بصورة أو بأخريrlm;، ويجادلون بأن التطورات الاندماجية (rlm; التكامليةrlm;)rlm; مثل الأتحاد الأوروبيrlm;، والعملية برمتها المقترنة بالترابط والتداخل المعقد في ظل الكوكبية، جعلت ممارسة السيادة (rlm; إن لم تكن الفكرةrlm;)rlm; تنطوي علي مفارقة تاريخية أكثر تعقيداrlm;.rlm; أضف إلي ذلك أن المشكلات والأزمات والتحديات الجديدة في العالم تتطلب نظاما لا مركزيا عالميا يرتكز علي دوائر أو مستويات أوسع من حدود وقدرات الدولة القومية ذات السيادة rlm;، بالنسبة إلي بعض الأمورrlm;، وأضيق من هذه الحدود والقدرات في أمور اخريrlm;، أو قل ان الدولة أضحت اليوم أصغر كثيرا من أن تقدر علي الأشياء الكبيرة rlm;، وأكبر كثيرا من أن تقدر علي الأشياء الصغيرة.rlm; ولعل هذا ما دفع هيدلي بول إلي التأكيد علي أن الحل يكمن في العوده الي ما قبل ويست فاليا rlm;1648، ولكن من منظور جديدrlm;.rlm; وفي محاولته لاستكشاف أشكال جديدة من النظام العالميrlm;، الذي أصبحت فيه المدينة، أو جزء من الدولة وليست الدولة هي ميدان المعاركrlm;:rlm; كالفلوجهrlm;، الرماديrlm; rlm;، دارفورrlm;، وغزة وجنوب لبنان وحيفا، يرفض بول في مؤلفه المجتمع الفوضوي فكره حكومة عالمية كبديل محتمل أو مستصوب لنظام الدول الويستفاليrlm;، ويدافع بقوه عن تصور بدا يتردد في الساحة الدولية هو تجسيد لنظام قروسطي جديد من الولايات القضائية المتداخلة وسلطات مجزأة وولاءات متعددةrlm;.rlm;

في هذا النظام مثلاrlm;، من شأن حكومة المملكة المتحدة أن تتقاسم سلطتها مع الإدارات في ويلزrlm;، اسكتلنداrlm;، يوركشايرrlm;، وأماكن أخريrlm;، ومع سلطة أوروبية في بروكسل فضلا عن سلطة عالمية في نيويورك وجنيفrlm;.rlm; وفي هذا السيناريو تكون rlm;(rlm;القوه السلطة)rlm; أفقية وليست رأسيةrlm;، ووفقا لهذا المنطلق تصبح فكرة سلطة سيادية واحدة تقيم في نيويورك من الأفكار العتيقةrlm;، وإذا ساد هذا الوضع علي النطاق العالميrlm;، فإن من شأنه أن يشكل نظاما قروسطيا جديدا خصائصه الأساسية شبكة من الولايات القضائية والولاءات المشتتة وغياب سلطة واحدة تتصرف بطريقة مبالغ فيها وتتمركز اقليمياrlm;.rlm; وحسب بولrlm;:rlm; يمكن تصور أختفاء الدول ذات السيادة وأستبدالها بحكومة عالميةrlm;، بل بمكافئ حديث علماني من نوع المنظمة السياسية العالمية التي كانت موجوده في العالم المسيحي الغربي في القرون الوسطيrlm;.rlm; وهناك خمس سمات للسياسة العالمية المعاصرة تؤيد نوعا ما هذا السيناريو الذي يتسم بالعوده الي المستقبلrlm;:rlm; ظهور التكامل الاقليمي مثل أوروبا الموحدة، rlm; تآكل مفهوم الدولة القوميةrlm;، عودة العنف الدولي الخاصrlm;، نمو المنظمات العابرة للقوميات والحدودrlm;، تسارع وتيرة الكوكبة.rlm; وتمثل جميع هذه الأتجاهات البارزة تحديا لنظرية الدولة التقليدية ومفهوم السيادة الويستفاليrlm;.rlm;

وعلي الرغم من تشكك بول في الأفول المطلق لنظام الدولة أو مفهوم السيادةrlm;، الذي أصبح يشكل نوعا من التبرير إما للحرب الاستباقية أو للتدخل لأسباب انسانية، فإن العديد من المنظرين المعاصرين يرون أن رؤيته لعالم قروسطي جديد في السياسة العالمية هو قيد التحقيق اليومrlm;.
أستاذ الفلسفة في جامعة عين شمس
[email protected]