أمام لبنان، أسبوع آخر على الأقل، من الخراب والتدمير، قبل أن تبدأ مساعي وقف إطلاق النار الجدية، لإيقاف هذه الحرب الظالمة. ورغم أن وزيرة الخارجية الأمريكية، رايس، ستصل إلى المنطقة، يوم الأحد، فإنها، على الأغلب، وكما رشحَ من عدة مصادر في واشنطون وتل أبيب، فإنها سوف تدرس الأمور مع رئيس الوزراء الإسرائيلي أولمرت، ثم بعدها تقرر، يقرران معاً، ما ينبغي اتخاذه من قرارات. والأرجح، أنهما سيقرران مواصلة الحرب، وبوتيرة متسارعة وأشد عنفاً، لفرض ما يريدانه من شروط، على حزب الله وعلى الدولة اللبنانية، في أسرع وقت ممكن، دون أن يطيلا أمد المواجهة، إلى مدى زمني بعيد. والتقديرات تشير، إلى أن المدى الزمني، سيكون ما بين أسبوع قادم وعدة أسابيع لا تتجاوز شهراً في الحد الأقصى. في المقابل، يبدو النشاط الأوروبي، باهتاً وغير جديّ بالمرة. فأوروبا تركّز إلى الآن، على فتح ممرات آمنة لإرسال المساعدات الإنسانية، وتوفير حد معقول من مستوى الحياة، للنازحين والمهجّرين. وليس ثمة من خطوة أبعد. أي إن أوروبا الموحدة، تركت لأمريكا، الجهدَ السياسي الحقيقي، سواء باستمرار الحرب أو إيقافها، وانشغلت بالجانب الإنساني غير السياسي . أما الأمم المتحدة، فمشغولة أيضاً، بالجانب الإنساني من الموضوع، بعد أن ترسّخ عجزها الفاضح، في الحضور والتأثير، غير مرة، في غير مكان، من هذا العالم. وعليه، فلبنان ومصير لبنان متروكان، عملياً، تحت رحمة أو نقمة إسرائيل وأمريكا، بعدما خلت الساحة تماماً من أي فاعل سياسي آخر. ولأنّ لدى إسرائيل، رزمة من الأهداف، أبعد كثيراً من كذبة تحرير الأسيريْن، فإنها سوف تصعّد من هجماتها الجوية، وستبدأ في هجوم بري وشيك بالدبابات داخل الأراضي اللبنانية. فهي استدعت خمسة آلاف جندي احتياط لهذه المهمة، وليس مستبعداً، أن تبدأ في الاستنفار العام لجميع أفرع قواتها المسلحة، إذا رأت أنّ هذه الخطوة تخدمها، وتساهم في تحقيق مراميها القريبة والبعيدة. ولقد وضحَ حتى هذه اللحظة، أنها تودّ إعادة ترتيب الأوضاع في المنطقة برمتها، بحيث تكون لها الكلمة الفصل، فيما يحدث، ليس فقط على حدودها الشمالية، وداخل دول الجوار، وإنما على كامل المنطقة العربية برمتها. وكما هو واضح للعيان، فإن الدعم الأمريكي المطلق، لا يعوزها أبداً. بل لعله لولا هذا الدعم، لما وصلت الأمور إلى ما وصلت إليه. ولكانت إسرائيل، أنهت المشكلة، في بواكيرها. من هنا، كان غضبنا المشروع على حزب الله، حين ارتكب حماقته بأسر الجنديين، لأن هذا الحزب، لم يفكّر جيداً، وخانته جميع حساباته. لقد اعتقد أنها مجرد أزمة بسيطة، وستنتهي كما انتهت أزمات أخرى سابقة مشابهة، ولم يخطر بباله، أنّ إسرائيل، وفي هذا الظرف الدولي المواتي جداً، ستنتهزها فرصةً، فتشعلها حرباً واسعة، وستدمّر البنى التحتية للدولة اللبنانية، بكل هذا العنف الوحشي غير المسبوق، لتُنهي، لا دور حزب الله فقط، بل دور كل القوى العربية، المناهضة للمشروع الإسرائيلي في المنطقة. لقد فشل حزب الله ومن يقف وراءه في تقدير مدى رد فعل إسرائيل. وأظن أنهم لو كانوا يتوقعون هذا الرد وبهذا الحجم، لما كانوا ارتكبوا تلك الحماقة. صحيح أن إسرائيل وشعبها يتألمان ويألمان، وأنهما معاً في حال فريدة لم يتعوداها من قبل، لكن الصحيح أيضاً، أن لدى إسرائيل من القدرات والدعم الأمريكي اللامحدود، ما يمكّنها، من أن تكون سيدة الموقف في نهاية المطاف. ومنذ الآن، نحن نرى، للأسف الشديد، أنّ قرار الحرب أو إيقافها، هو في يد أولمرت، أولاً وآخراً. لذا، لا يراودنا وهم بأن الأمور تسير في صالحنا كعرب، فقد حُسمت المعركة، على الأقل نظرياً، منذ اتخذت إسرائيل قرارها بإشعال الحرب. والمحللون العرب، الذين يتسابقون على الفضائيات العربية، الآن، لبثّ الأمل الكاذب في نفوس مشاهديهم، بتحقيق نصر ما لحزب الله، هم أول الناس الذين يعرفون بأنهم كاذبون. وبأنهم فقط يضللون المشاهدين المساكين، فيعطونهم من البضاعة التي يشتهيها هؤلاء، دون مراعاة التجرد المهني، ودون مراعاة الحقيقة، في حدها الأدنى، أولاً قبل أخيراً. إنها نفس الاسطوانة المشروخة التي سمعناها في الحرب على العراق، والاسطوانة ذاتها التي سمعناها في حروب سابقة عدة. تأميل بالنصر القريب، ثم صدمةٌ وذهول من الهزيمة الأقرب ! حال مؤسفة هي ولا شك. ولكنّ عرب الديماغوجيا لا يتعلّمون. أما لبنان، فليس أمامه سوى الصبر، بعد أن فُرضت هذه الحرب عليه، دون استشارته ودون علمه. أسبوع طويل، في أقل تقدير، أمام هذا البلد الطيب، لكي تدمّر فيه إسرائيل، ما لم يُدمّر بعد. أسبوع وكأنه سنة ضوئية، على من يعيش تحت النار : على من يعاني ويلات الحرب، وصمتَ وتخاذل العالم من حوله عن نجدته. صمت وتخاذل العالم كله، عن وضع حد، لحرب مجنونة، أشعلها للأسف الشديد، رجل منا، فأعطى إسرائيل الذريعة، كيما تحقق كل ما كانت تتمناه. إنها الحرب التي لا ترحم، شأنها شأن أية حرب، وإنه العدو الذي لا يرحم، شأنه شأن أي عدو، وإنه الأخ الذي ساءت تقديراته، فانقلبت وبالاً ونكالاً على شعبه، ودفع وما يزال وسيدفع الشعب اللبناني كله، ثمنها الأبهظ، من موت وتقتيل للناس بالأسلحة المحرمة دولياً، إلى تهجير مئات ألوف المدنيين الأبرياء، وتدمير كل مرافق ومؤسسات الدولة، حتى وصل ثمن ما خسرته لبنان إلى ما قبل يومين، إلى عشرات المليارات من الدولارات. فهل أسر جنديين إسرائيليين، يستحقان هذا الثمن المخيف على دولة صغيرة وهشة مثل لبنان ؟ إنه الجنون بعينه. جنون حسن نصر الله، ومن قبله ومن بعده، جنون إسرائيل القادرة الفاجرة، التي لا حدود لجنونها، ولا مدى، ولا كوابح، وبالبداهة، لا أخلاق، ولا ذرة من أخلاق!