تمثل قضية فصل الموظفات السعوديات العاملات سابقاً في معارض quot;قزازquot; من قبل هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ممارسة أخرى من ممارسات الوصاية الفجة وغير المعقولة على تصرفات وسلوك وحركة المرأة في المجتمع السعودي. كما يمثل استفراد الهيئة بقرار الفصل وتنفيذه مباشرة في الحال من دون العودة إلى القرارات الوزارية ووزارة العمل استخفافاً بتلك القرارات بعيداً عن إتباع القنوات الرسمية في تنفيذ القرارات. فهل يقع فصل الموظفات السعوديات سواء كن محتشمات أو شبه محتشمات أو غير محتشمات ضمن اختصاصات هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر؟ لا أعتقد ذلك، لذا من المهم هنا التوضيح أننا ما دمنا نعمل ضمن مؤسسات رسمية ومدنية وزعت الحكومة مهماتها ومسؤوليتها، يجب أن تنبع قراراتنا ضمن أطر تلك المؤسسات وعدم السماح للهيئة أو غيرها بفرد عضلاتها على مؤسسات و وزارات أخرى بذريعة تقديم نفسها بأنها الحاضن الأمين للعفة والفضيلة وصمام تنظيم علاقات المجتمع على كافة الأصعدة. لنغادر عاطفتنا قليلاً، ونتعامل مع الأمر بكثير من الشفافية والمباشرة. لقد تم توظيف تلك الفتيات من خلال قنوات رسمية مقرة من قبل الدولة وبأخذ التصاريح اللازمة لذلك، لذا من المفترض تسريحهم أو الاستغناء عنهم من خلال تلك القنوات الرسمية المختصة. لذا، أجدها فرصة سانحة لتلك الفتيات المفصولات من العمل رفع قضية تظلم على الهيئة والاقتصاص منها بسبب قطع حبل أرزاقهم ومعاقبتهم جماعيا بجريرة وضع واحدة أو أثنتين منهن لمسات خفيفة من المكياج على وجوه بعضهن. وحتى في حالة عدم قبول الدعوى أو الفوز بحكم شرعي ينصفهم، يكفيهم تسجيل موقفا رسمياً لربما يسهم في المستقبل في تقليل مثل تلك الممارسات المهدرة لحقوق المرأة في السعودية. كما يساعد ذلك في جعل قرارات وتصرفات الهيئة تلبس صفة الرسمية المنطقية التي تحاكي الواقع المعاش المتغير وتبتعد عن دائرة القناعات الشخصية الضيقة والمنغلقة. وما دفعني للتأكيد على تلك النقطة هو أن بعض المنتمين لهيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر يحاول فرض رؤاه وتصوراته وقناعاته الشخصية بالنسبة لعمل المرأة السعودية وشكلها وتصرفاتها وأسلوب حياتها من خلال عمله في الهيئة، بمعنى آخر يبحث عن قناة رسمية أو شبه رسمية يتسلل من خلالها لجلد شرائح المجتمع بتلك القناعات القطعية المصادرة لحقوق الآخرين. نحن نريد من مؤسسات المجتمع الرسمية والمدنية جهوداً تنموية تقرب من فئات المجتمع وتتناغم معه لا تتنافر معه على طول الخط. نريد لمؤسساتنا ووزارتنا ومؤسساتنا المدنية عموماً العمل سوياً بشكل تكاملي على تنمية الموارد البشرية السعودية من النساء والرجال. ولكن ما نراه في قضية المفصولات في كل من معارض quot; قزازquot; ومختبرات الخرج والمطعم في القطيف أن وزارة العمل تحاول دمج المرأة في أنشطة المجتمع الاقتصادية، لتأتي الهيئة بعدد من سيارات quot;الجمسquot; لتقف حجرة عثرة في وجه تلك الجهود البناءة.

الدولة والقطاع الخاص يقومان في الوقت الحالي بتنفيذ مشاريع تنموية وتطويرية تجارية عملاقة على مستوى المنطقة بسبب ما ينعم به الاقتصاد السعودي من مداخيل بترولية مالية ضخمة وعودة لرؤوس الأموال من الدول الغربية بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر. لذا من المهم استفادة المواطن والمواطنة من ذوي الدخل المحدود من تلك المشاريع وتحسين مستوى معيشتهم وذلك بإتاحة الفرصة لهم كاملة بشغل فرص التوظيف الناتجة من تلك المشاريع. مرة أخرى، لسان الواقع يقول غير ذلك، فحتى قرار تأنيث العمل في محلات بيع المستلزمات النسائية quot; اللانجريquot; تعثر ولم يتم تطبيقه، فكيف نتوقع للمهندسة السعودية والمصممة المعمارية ومهندسة التكاليف والفنية في نظم المعلومات الاستفادة من تلك المشاريع في بناء خبرتها وبالتالي المساهمة في بناء وطنها بجانب شقها الآخر؟

سنبقى ندور في حلقة مفرغة في كيفية الاستفادة من تلك المشاريع ما لم نتخذ قرارات حاسمة وعاجلة ليس فقط بالنسبة لتوظيف الشباب السعودي، وإنما الحرص أيضا على أن تشمل الفائدة الفتاة السعودية. لقد تم مؤخراً تعيين أربع مستشارات في مجلس الشورى السعودي، فلماذا على سبيل المثال لا تتبنى تلك المستشارات قضية تسهيل عمل المرأة في مؤسسات المجتمع المختلفة وطرحها بقوة في أروقة المجلس علها تجد الأذن الصاغية. ولربما تبني هذا المشروع من الآن والنجاح مستقبلاً في رؤيته على أرض الواقع يكون سبباً قوياً في دخول المرأة السعودية كعضوة كاملة الحقوق في مجلس الشورى لا مستشارة حسب الرغبة. قد يتطلب ذلك التضحية وتحمل سهام التفسيق والتجهيل والتحجيم وبقية قائمة التهم الجاهزة ولكن في نهاية المطاف دعوة صادقة من امرأة أو شابة ضمنت مصدر رزق كريم يكفيها مشقة الذل والمهانة سيجعلها تنسى آثار تلك السهام المسمومة. وأخيراً، فان العلاقة ما بين أفراد المجتمع ومؤسساته من جهة وبين آلية عمل الهيئة مرشحة للتنافر بشكل أكبر أذا لم يستوعب القائمون على الهيئة التغيرات المتسارعة التي يشهدها المجتمع على كافة الأصعدة الاجتماعية والثقافية والإعلامية والتجاوب معها بشكل عملي. لذا، من المستحسن تثقيف العاملين في الهيئة ليس فقط في الأمور الشرعية، وإنما إتاحة الفرصة لهم لحضور الدورات التدريبية المختلفة المتعلقة بالتعامل مع الجمهور سواء داخل المملكة أو خارجها. ويا حبذا لو تم تكثيف الدورات التدريبية خارج المملكة ليتسنى لأكبر قدر ممكن من موظفي الهيئة الاطلاع على ثقافات وعادات الشعوب الأخرى وأسلوب معيشتهم لتمكينهم من أخذ أحكام وتصرفات أكثر وسطية عند العودة إلى أرض الوطن.
[email protected]