مع كتابة هذه السطور يكون عدد من قتلتهم آلة الحرب الإسرائيلية الهمجية في لبنان قد أقترب من الف شخص، جلهم من الأطفال والنساء الأبرياء، من الذين لاناقة لهم ولاجمل في هذه الحرب المجنونة. إسرائيل ركزّت قصفها العشوائي على كل لبنان، ووسعّت من مدى هذا القصف ليطال مناطق جديدة، كانت قد قفزت فوقها في بداية الهجوم.
ومع إستمرار إنهمار صواريخ منظمة quot;حزب اللهquot; على مناطق العمق الإسرائيلي( لتقتل بدورها مدنيين أبرياء) فإن جنون الجيش الإسرائيلي وتخبط قادته في الرد التدميري العشوائي يصل لمستواه الأبعد والنهائي في إصدار أمر حرق الأخضر واليابس، والضرب في مكان الوجع اللبناني، وعلى طول وعرض الخارطة البنانية...
الأزمة تبدو وانها في طريقها للمزيد من التصعيد. وليس ثمّة من سيناريو تسوية ووقف لإطلاق النار قد تقوم به جهات دولية، وتوافق عليه كل من إسرائيل وquot;حزب اللهquot;. ويبدو ان المهلة التي كانت واشنطن قد حددتها لتمكين تل ابيب من تحطيم سلاح quot;حزب اللهquot; والفتك بمقاتليه قد فشلت تماماً في تحقيق غاياتها، إذ أن الآلة الحربية الإسرائيلية ليس فقط فشلت في سحق سلاح الحزب وقتل مقاتليه كما ظنت لأول وهلة ومنذ أول طلقة في 12/8 لكنها كذلك لم تستطع، ومع حجم هذا التدمير وكل هذه الحمم التي تصبها على المناطق الحدودية، منع quot;حزب اللهquot; من إطلاق صواريخه وبالمئات، على المدن الإسرائيلية الداخلية لتسقط على رؤس المدنيين اليهود والعرب!.
إسرائيل تورطت عندما ردت بكل هذه القسوة على حادثة إختطاف quot;حزب اللهquot; لأثنين من جنودها، وتورطت بشكل أكبر، حينما بدأت بقصف المناطق المدنية وقتل مئات المدنيين العزل. ومع تكبد الجيش الإسرائيلي خسائر فادحة ومقتل العشرات من جنوده على يد مقاتلي quot;حزب اللهquot; فإن الخيارات أصبحت شبه معدومة أمامه، فهو اما ان يستمر في شن حربه هذه وتحمل تبعات اخطائه وجرائمه في قتل المدنيين، ويخسر بذلك الرأي العام الدولي، واما ان يتراجع أمام quot;حزب اللهquot; ويرضخ لشروطه، ليكون الطرف الخاسر في المواجهة التي تحداه فيها زعيم الحزب حسن نصرالله ، ومن ورائه كل من طهران ودمشق.
والظاهر أن الحكومة الإسرائيلية قررت المضي قدماً في الحرب ومحاولة التأثير على قدرة quot;حزب اللهquot; القتالية، عبر قصف المزيد من البنى التحتية اللبنانية، لكن باتخاذ تدابير أكثر إحترازية مما كانت عليه الحال في بداية الحرب، حينما تكبدت القوات الإسرائيلية خسائر فادحة في المواجهات مع مقاتلي quot;حزب اللهquot;، وهو مااتضح الأن في توخي الحذر في التماس المباشر مع مقاتلي الحزب وإبتعاد البوارج الإسرائيلية عن الشواطئ اللبنانية مسافة مناسبة، لتخرج من تحت مرمى نيران وصواريخ quot;حزب اللهquot;. في الحين الذي يعني التراجع، في قراءة أخرى أكثر عمقاً، هزيمة قاسية وغالية الثمن في جولة الحرب الطويلة أمام طهران ودمشق، وهي لاتعني هزيمة تل ابيب وحدها، بل وواشنطن من ورائها ايضاً.
ويحدث هذا في الأثناء التي فشل فيها الرهان على إحداث إنشقاق في السياسة اللبنانية عبر إثارة الطوائف والقوى اللبنانية الأخرى في وجه quot;حزب اللهquot; والذي ورطّ البلاد في مواجهة غير متكافئة، بعد مغامرته الطائشة في قتل وخطف الجنود الإسرائيليين لمقايضة اسراه في السجون الإسرائيلية.
لبنان تكبد خسائر هائلة، بنيته التحتية دٌمرت، حوالي ألف مدني من ابنائه قتلوا. وإسرائيل قررت بعد فشلها في كسب حرب الأسابيع الثلاثة الماضية حرق الأخضر واليابس بغية الأنتقام من البلد الذي أوجد quot;حزب اللهquot; ومن أهله الذين مازالوا مصرين حتى الأن، في عدم الوقوف بوجه هذا الحزب.
الولايات المتحدة الأميركية والدول الأوروبية تناور ببطئ بغية حصر التصعيد وإعادة الهدوء للمنطقة. لكن حتى الأن، فإن المواقف السياسية تصب في صالح تل ابيب، وتساهم الصواريخ المصنعة في طهران، والتي يرسلها مقاتلو quot;حزب اللهquot; لتسقط على رؤوس المدنيين الإسرائيليين في الحفاظ على تلك المواقف.
طهران ودمشق تراقبان عن كثب. تنظران في الدم اللبناني الذي يٌراق ظناً وأملاً في انه يساهم في إطالة عمر نظاميهما بخلق بؤرة توتر في خاصرة إسرائيل لإشغالها ومحاربتها عبر الوكلاء في quot;حزب اللهquot; وبالتالي الحصول على اوراق إضافية في رحلة التفاوض الشاق والطويل مع واشنطن والغرب في موضوعي quot; الملف النووي الإيرانيquot; وquot;ملف التحقيق الدولي في مقتل الحريريquot; وبقاء هذين النظامين قائمين في ظل quot;الشرق الأوسط الكبيرquot; الذي أعادته واشنطن للواجهة من جديد: والذي سيكون إنتصار quot;حزب اللهquot; وبقاءه قائماً، القشة التي تودي به، وإلى إشعار مؤجل وطويل هذه المرة...
- آخر تحديث :
التعليقات