لقد أدى مقتل حوالي الستين من المدنيين الأبرياء معظمهم من الأطفال في مجزرة قانا الثانية على يد الطيران الإسرائيلي الى موجة غضب وإستنكارعارمة في العالم أجمع ولكن بالأخص عند العرب وفضائياتهم. وبالطبع فإن الغضب والإستنكار في مواجهة إنتهاكات بشعة مثل ما حدث في قانا هو أمر طبيعي ومفهوم ولكن ما يصعب فهمه هو موقف العرب والمسلمين عموماَ من إنتهاكات مروعة تحدث يومياَ على أيدي quot;المجاهدينquot; أو على أيدي بعض الأنظمة العربية يروح ضحيتها العشرات أو حتى المئات دون أن يعيروا لها إهتماماَ يذكر.

ففي خلال الأسابيع الثلاثة من الحرب في لبنان كان معدل ضحايا الإرهاب الأبرياء في بغداد لوحدها هو ضعف ضحايا العدوان الإسرائيلي. وعلى عكس ما يحدث في لبنان ومهما يكون رأينا في طبيعة الدولة العبرية (التوسعية، العدائية للعرب عموماَ) فإن مما لا يقبل الشك أن إسرائيل قد أعطت إنذارات متكررة للمدنيين بإخلاء مناطق القصف و سمحت لفرق الإنقاذ والمنظمات الإنسنية على الأقل بإستعمال بعض الطرق ألآمنة أو إعطاء مهلة زمنية لإخلاء المدنيين. ومهما كان رأينا في أهداف العدوان على لبنان أو حتى في شرعية الدولة العبرية ذاتها فإن هذه الإجراءات تشير الى إلتزام معين بقواعد الحرب و الى أن أهداف العمليات الحربية الإسرائيلية هي أهداف عسكرية بالدرجة الأولى وليست حرب إبادة بشرية لشعب لبنان. ولو أرادت إسرائيل أن ترتكب مجازر إبادة ضد اللبنانيين فما عليها الا أن تقصف أرتال السيارات المدنية أو مخيمات اللاجئين أو الأسواق العامة عند وقت الذروة.

وهدفي في توضيح هذه النقطة هو ليس في تبرير ما تفعله إسرائيل من إعتداء على البنية التحتية اللبنانية أو في تجميل صورة إسرائيل أمام العالم ولكن هدفي هو في تبيان حقيقة موضوعية وإن كان ذلك لا يعجب القومجية أو الإسلاميين.

ولننظر إذن الى المجازر البشرية الحقيقية التي تحصل يومياَ في العراق أما بإسم المقاومة أو بإسم الإسلام السياسي السني أو الشيعي. وفي البداية أود أن أوضح للقريء الكريم أن مرتكبي هذه المجازر مع الأسف هم من العراقيين وبتخطيط وتنفيذ عراقيين وإن كان ذلك بتشجيع وتمويل من بعض الدول الإقليمية في بعض الحالات. ولا ننسى بالطبع مساعدة الأشقاء العرب والمسلمين في تصدير أعداد كافية من ألإنتحاريين الى العراق حتى أصبح العراق اليوم في المرتبة الأولى للهجمات الإنتحارية في العالم دون منازع. ولكن هؤلاء المجرمون المتلفحون بالإسلام ما كان بإمكانهم أن يرتكبوا جرائمهم البشعة لولا تعاون بعض العراقيين معهم. وقد يكون ما قلت بديهياَ للبعض ولكن هناك قطاع واسع من العرب والعراقيين الذين يلذ لهم أن يضللوا الآخرين وأنفسهم بإتهام الأمريكان والموساد بما يحصل من مجازر في العراق الجريح. وهم بذلك ينفون عن أبطالهم في المقاومة الباسلة تهمة الإجرام وفي نفس الوقت يتيحون لأنفسهم الفرصة لممارسة هوايتهم في التهجم على الغرب (والصهيونية وغير ذلك).

ولنرجع إذن الى مجازر العراق وهي على عدة أشكال وتشمل القتل الجماعي بالسيارات المفخخة والألغام المزروعة في المدن والطرق العامة، عمليات الإختطاف الجماعي ثم التعذيب والقتل وأخيراً الإغتيال. أما أهداف هذه العمليات فتتفاوت ما بين القتل العشوائي للمدنيين على أساس الهوية الطائفية للمنطقة وهدف هكذا عمليات هو، بالأساس، أيقاع أكبر عدد من القتلى من البشر بما فيه الأطفال. وفي هذا السياق أود أن أوضح أن الأطفال قد أصبحوا أحدى الأهداف المفضلة عند الإرهابيين فعلى سبيل المثال قتل أكثر من خمسين طفلاَ في أحد شوارع بغداد الجديدة (ذات الأغلبية الشيعية) عندما إستهدفهم إنتحاري وهم مجتمعون حول بعض الجنود الأمريكان الذين كانوا يوزعون عليهم الحلوى السنة الماضية. وفي هذا الأسبوع زرع الأرهابيون عبوات ناسفة في ساحة لكرة القدم في حي شيعي آخر من بغداد أدى الى مقتل ستة وعشرين طفلاًَ وإصابة العشرات بجروح فظيعة.

أما النوع الآخر من إستهداف المدنيين فهو في تفجير المفخخات في الأسواق ودور العبادة أما بالتفجير عن بعد أو بواسطة التفجير الإنتحاري. وقد تم إستخدام هذه الطريقة من قبل المنظمات الإرهابية الإسلامية السنية والشيعية وهدفها كما هو واضح هو قتل أكبر عدد ممكن من المدنيين.

أما الإغتيال الفردي فقد إستهدف كل من يعمل في وظيفة مهمة في الدولة بما فيه الأكاديميين والمدرسين والمعلمين والتقنيين في كافة الحقول مثل الكهرباء والماء والنفط والغاز وغير ذلك. وقد تم كذلك هدر دم الحلاقين وبائعي الخمور وبائعي الأشرطة الموسيقية. كما أصدرت المنظمات الإرهابية الإسلامية في بعض مناطق بغداد أوامر للنساء بعدم جواز قيادة السيارات وهدر دم أي أمرأة تخل بذلك حتى إن شوارع بغداد قد خلت في معظمها من نساء يقدن السيارات.

وسؤالي هنا هو أين أصوات العرب أو حتى العراقيين من كل هذه المجازر؟ أين ألإعتصامات والأحتجاجات والدعم المادي والمعنوي لضحايا هذا اللإرهاب الأسود؟
من الواضح أن هناك فرق بين ما يحصل في العراق ولبنان. ففي العراق المجازر البشرية هي عمليات متعمدة والإرهابيون الذين يقومون بها هدفهم هو قتل أكبر عدد من المدنيين وبالخصوص الأطفال بينما إسرائيل تتسبب في قتل المدنيين أثناء قيامها بعمليات عسكرية لها أهداف أخرى و الفرق هنا بين القتل العمد مع سبق الإصرار (الإرهابيون في العراق) والقتل بسبب الإهمال أو عن طريق الخطأ (إسرائيل في لبنان).
فلو كان العرب فعلاَ مهتمين بحياة وحقوق ضحايا العنف من العرب فلماذا هذا الإهمال الواضح لضحايا القتل المتعمد والذي يبلغ عددهم أضعاف عدد ضحايا الحرب في لبنان؟ السبب هو أن العرب لا يهتمون بالضحايا أصلاَ وإنما إهتمامهم الوحيد هو في المحتوى السياسي للحدث. فمقتل 26 لاجيء سوداني في شوارع القاهرة بفعل عمليات الشرطة المصرية قبل بضعة شهور لم تعيره الفضائيات أي أهتمام ومقتل آلاف العراقيين بفعل الإرهاب الإسلامي الطائفي يقابل بلا مبالاة تامة. لكن مقتل فلسطيني أو لبناني واحد على يد الإسرائيليين يتصدر الأخبار في كافة الأحوال. وفي رأيي أن هذا الموقف اللاأخلاقي هو جزء من الردة الحضارية التي يعاني منها العرب عموماَ والتي أدت الى إنحطاط قيمة الإنسان الى العدم. إن أحد الأسباب الرئيسية لهذا التقهقر الحضاري العربي هو هيمنة الصحوة الإسلامية الخمينية-البن لادنية على الشارع العربي وعلى العقل العربي والتي أنتجت حركات الإسلام السياسي التي تمكنت من إكتساح الساحة السياسية العربية بالكامل.
إن ضمور الحركات العلمانية العربية هي الكارثة الحضارية الأكثر خطورة على مستقبل المجتمعات العربية وسوف تستمر هذه المجتمعات في الإنزلاق نحو الهمجية وتمجيد العنف طالما بقيت تحت هيمنة الفكرالسياسي الديني.