* جريدة وزارة الثقافة تتهم نزار قبانى بالإفراط الجنسى وكثرة القذف المنوى الذى أدى إلى سرطان البروستاتا!
* سيرة حياة نزار الصريحة وخريطة عشقه نقرأها فى الدواوين وليست فى تحاليل مزرعة البروستاتا.
* كيف عرفت جريدة القاهرة أن نزار قبانى أصابه العجز الجنسى فى نهاية حياته؟
*أحدث نظريات النقد الأدبى هى التفسير التناسلى للأدب.
*هل نستطيع أن نناقش بروستاتة الحكام بصراحة كما نناقش بروستاتة الشعراء؟!

من الطبيعى أن تقرأ موضوعاً عن البروستاتا فى مجلة طبيبك الخاص، ولكن أن تقرأه فى جريدة وزارة الثقافة فهذا مثير للدهشة ويدعو لطرح علامات الإستفهام، وأنا لست ضد مناقشة الموضوعات الطبية كنوع من نشر الثقافة العلمية، ولست أيضاً ضد الكتابة فى الثقافة الجنسية وأستطيع أن اقول بثقة أن أحداً لايستطيع المزايدة على العبد لله فى هذا المجال فلست ممن يحرمون الكتابة فى الثقافة الجنسية بل دائماً اكتب أن الثقافة الجنسية حماية وليست غواية، وكنت أول من ساند وزير الثقافة الفنان فاروق حسنى فى دعوته لتدريس الثقافة الجنسية فى المدارس ووقفت ضد منتقديه فى مجلس الشعب الذين هاجموه بشدة نتيجة هذه الدعوة، ولكن هل ماكتبه عبد الهادى بكار فى جريدة القاهرة الناطقة بلسان وزارة الثقافة فى عدد 8 أغسطس الماضى ينتمى إلى الثقافة الجنسية التى نادى بها الوزير؟، أعتقد أنه لاينتمى إلى أى ثقافة من أى نوع إلا إذا كانت نميمة الحوارى الرخيصة وغرز الدخان الأزرق من الثقافة!، فالأستاذ بكار حفظ الله بروستاته وكل أجهزته قد كتب عن بروستاتة نزار قبانى وكيف أصابها الإلتهاب والسرطان نتيجة إفراطه الجنسى؟، وفضلاً عن أن هذا الكلام جهل وتخريف ولاعلاقة له بالعلم فإن هذه النظرية النقدية البروستاتيه التناسلية لاعلاقة لها بكشف وتحليل وتناول قصائد نزار قبانى بل لها علاقة بكشف منطقة الحوض وبتحليل السائل المنوى وبتناول أقراص الفياجرا.

وقبل أن نخوض فى الموضوع من واجبنا على القارئ التعريف بكاتب المقال وصاحب النظرية اللوذعية البروستاتيه عبد الهادى البكار الذى يجهله الكثيرون من القراء ويحسبونه بكار الكارتون الذى هو من قلبه وروحه مصرى والنيل جواه بيسرى، وهذا البكار يحتل مساحة صفحة شبه إسبوعية من جرنال الوزارة، ولنعرف ماذا كتب أيضاً؟.
البكار كاتب سورى من مواليد 1934 وحاصل على ليسانس الفنون من موسكو وعمل مستشاراً إعلامياً لدولة الإمارات فى مصر ومذيعاً فى سوريا والعراق ومصر، بإختصار كل هذه مؤهلات عظيمة تؤهله للحديث عن فن التصوير او فن الإعلام ولكن لاتؤهله مطلقاً للحديث عن تدليك البروستاتا!، أما ماذا كتب فهذه هى الكارثة الكبرى والجريمة العظمى التى تمت على صفحات جريدة وزارة الثقافة.

المقال الذى كتبه الأستاذ بكار كان أساساً عن عدم تطابق مسلسل نزار مع حياته التى شوهها المسلسل، ولكن المقال للأسف تحدث عن الأستاذ بكار اكثر مما تحدث عن نزار نفسه، وعانت كتابته من الترهل والرداءة وعدم الترابط، فأخذ يتحدث عن حماته الجميلة، وحماه الذى كان لابد لمخرج المسلسل أن يستعين بمكتبته، ونصيحته لطبيبه أن يظل فى بريطانيا ولايعود لسوريا، إلى آخر هذه الحكايات التى تنفع لبرنامج ربات البيوت وليس لجريدة محترمة تنتمى إلى وزارة الثقافة المصرية، عليها أن تهتم بنزار قبانى الشاعر لا بمجاملة كاتب صديق على حساب بروستاتة نزار، والسؤال الذى لابد من طرحه هل الحديث عن الإفراط الجنسى لنزار قبانى وبروستاتة نزار قبانى هو من القضايا الثقافية التى تفرد لها جريدة القاهرة صفحة كاملة بل أهم صفحة وهى الصفحة الأخيرة الملونة!، الإجابة بعد الفاصل أو بالأصح بعد قراءة ماكتبه بكار.
كتب الأستاذ بكار لافض فوه بعد وصف حالة قلب نزار وهشاشة عظامه quot; إلا أن ماوضع النهاية لحياة نزار لم يكن ذا صلة وحسب بهشاشة العظام ولا بالقلب العليل بل كان ذا صلة بورم سرطانى أصاب غدة البروستاتا ثم سرعان ماإنتشر فيما حولها على نحو لم يعد معه ممكناً إنقاذ حياته بخاصة أن ثمة علاقة مباشرة بين احوال غدة البروستاتا واحوال العمود الفقرى فى الظهر بخاصة الفقرات العظمية القطنية والعصعصية فإذا ماإعتل أحدهما تسبب بإعتلال الآخر، وحسب بعض الأطباء العرب والأوربيين فإن إلتهاب غدة البروستاتا غالباً مايكون نتيجة للإفراط بالقذف المنوى عند المريض الذكر أى الإفراط بممارسة العملية الجنسية وقد كانت رومانسية الصديق الراحل نزار مختلطة بقدر عال من الشهوانية الجسدية وقد إنطفأت كما أعلم فى سنواته الأخيرة quot;.

لن أناقش كيف عرف الأستاذ بكار بالعجز الجنسى الذى أصاب نزار قبانى فى سنواته الأخيرة؟، ولن أناقش عبارة الإفراط بالقذف المنوى عند المريض الذكر فهو إصطلاح علمى إعجازى جديد من نحت الأستاذ بكار الخاص ولاأستطيع فهمه بقصور عقلى المحدود؟، ولكن ماسأناقشه هو المعلومات المغلوطة الجاهلة المجهلة التى أتحفنا بها بكار والتى تتحدث عن الإفراط وعلاقته بسرطان البروستاتا وإلتهابها، وقد سألت أستاذى د.شوقى الحجار أستاذ التناسلية وصديقى د.حامد عبد الله أستاذ نفس التخصص عن هذه المعلومة مفترضاً أنه من الجائز أن يكون قد أطلع عليها بكار فى أحدث الدوريات العلمية، ولكن للأسف إتضح أن الدوريات العلمية التى يطلع عليها سيادته هى مجلة ميكى وتان تان!، أخبرنى د.الحجار ود.حامد أن هذا الكلام تخريف، ولايوجد شئ إسمه إفراط أساساً وهذه مسألة قدرات جنسية مختلفة، وقال لى بالعكس عدم ممارسة الجنس هى التى تؤدى إلى عدم تصريف سائل البروستاتا وركوده وبالتالى سهولة تراكم البكتيريا، وقال أنه كثيراً ما ينصح مرضاه بأن يزيدوا من عدد لقاءاتهم الجنسية مع زوجاتهم كطريقة للعلاج، وأن إلتهاب البروستاتا أصلاً لاعلاقة له بسرطان البروستاتا ولايتحول إليها لأن هذه عملية باثولوجية تختلف عن تلك تماماً.

إنتهى الكلام العلمى ولكن كلام النميمة واللت والعجن والثرثرة واللغو الفارغ لم ينتهى بعد، وهى بالفعل نميمة لاتنفع ولاتنبت إلا فى تربة توهان وغيبوبة، ولاتصلح إلا مع كأس خمر أو لفة سيجارة محشوة، والسؤال الذى يفرض نفسه هنا هل الأستاذ بكار كان قادراً وجريئاً مع بروستاتة الملك حسين التى أصابها السرطان مثلما كان جريئاً مع بروستاتة نزار قبانى؟، أم أن جسد وسمعة الشعراء والمبدعين هو المستباح وجسد الحاكم هو المحاط بسياج الإحترام والتقديس؟؟؟، أعتقد أن نهش الصديق بكار لجثة نزار هو فعل أقل مايقال عنه أنه فعل خسيس صحفياً، ومتدنى فنياً، ومغلوط علمياً، وأنا لست ضد الخوض فى سيرة الفنان الشخصية على الإطلاق فالفنان ملك جمهوره منذ أن وقع معهم هذا العقد اللامرئى الذى من أهم بنوده أنا أبدع وأحصل على النجومية فى مقابل أن أصبح ملككم بكل تفاصيلى، فلايصح أن يأخذ المبدع من النجومية جانبها المضئ البراق ويتجاهل الجوانب الأخرى، وفى رأيى الشخصى أجمل ماكتبه المبدعون الأجانب بالذات هى سير حياتهم الشخصية المليئة بكل التفاصيل حتى المهين منها، ولكن إعتراضى على تفاصيل الحياة التى لاعلاقة لها بإبداع الفنان، فمن الممكن أن يكون شذوذ أندريه جيد له علاقة بفهم فنه، ومن الطبيعى أن دراسة طفولة مارلين مونرو وسعاد حسنى المفككة المعذبة ستفيدنا فى فهم نهايتهما المفجعة....إلى آخر هذه الإضاءات فى تفسير وتحليل إبداعات الفنانين، ولكن ماعلاقة بروستاتة نزار وإفراط القذف المنوى عنده فى فهم شعره؟، إن سيرة حياة نزار وعلاقاته النسائية كتبها بكل صراحة فى شعره ولم يخجل، بل أستطيع أن أقول أنه أشجع وأجرأ شاعر عربى حديث تعرى أمام قرائه نفسياً بهذه الطريقة المدهشة، لم يهتم برصد أسماء صديقاته لأنها تفاصيل لاتهم القارئ بل تهم الشهر العقارى، ولكنه إهتم برصد تفاصيل علاقاته معهن وكيف أثر فى وتأثر بهن؟، وبرغم كل الهجوم الذى تلقاه نزار بسبب صراحته إلا أنه ظل أكثر الشعراء إنتشاراً وإكتساحاً فى الوطن العربى، وظلت دواوينه هى قبلة العشاق وحائط مبكاهم.

خرائط أجساد قبيلة نزار النسائية تستطيع أن تشاهدها بالتفصيل فى قصائده، أطلعنا عليها بكل تضاريسها على الورق، ودفع الثمن الذى يدفعه كل مبدع خارج عن النص، وكل فنان يغرد خارج السرب، وكان الثمن فادحاً من التهديد بالقتل فى حياته والعيش فى المنفى ومنعه من دخول بعض الدول العربية وتعرضه لبطش وغضب بعض الحكام، إلى رفض الصلاة على جثمانه إمتثالاً لأوامر التيار المتطرف الذى فضح شعر نزار هشاشة نفاقه وشكلية إلتزامه وزيف ضميره، وبرغم هذه الحرب الشرسة إلا أن نزار مازال يتربع على عرش قلوب العشاق العرب، ومازال قاموسه الشعرى فى الغرام قابل للسطو والسرقة من كل شاعر مازال يحبو فى عالم الشعر، ومازال نزار شاعراً صعب التقليد وأيضاً صعب الفكاك من أسره وتأثيره، والمدهش أن شعر نزار هذا المتمرد quot;الفلتانquot; من وجهة نظر المحافظين المتزمتين أكثر قراءة من أشعار التقليديين وأصحاب الفضيلة ومروجى نظرية الشعر الدينى الأخلاقى، وكان الغريب أن نزار عندما ظهر إكتسح كالإعصار وإلتهم كعصا موسى كثيراً من حيات وثعابين الشعر، وكل هذا حدث من محبيه البسطاء بدون محاكمة أو إدانة، كان حبهم له لأنه ببساطة كان نبضهم وصوتهم الضائع فى دنيا النفاق والصراخ.

تناول السيرة الشخصية للمبدع ليست فضيحة أو تجريساً، ولكن الفضيحة والتجريس أن نؤلف نحن سيرة شخصية على مقاسنا مليئة بالتخاريف ولاتمت بصلة للمبدع ولاتخدم فى فك شفرة عالمه الإبداعى، وماصدمنى حقيقة أن يحدث ذلك فى جرنال ثقافى محترم مثل جريدة القاهرة التى تشرفت بالكتابة فيها عدة مرات، والتى أعرف أن رئيس تحريرها الأستاذ صلاح عيسى لايترك شاردة ولاواردة إلا ويراجعها بنفسه، والأستاذ صلاح عيسى مثقف كبير ساهم فى تشكيل وعينا الثقافى كجيل وأنا شخصياً مدين له بالكثير سواء من خلال اللقاءات الشخصية أو كتبه التى أقتنيها كلها وأكرر قراءتها من حين لآخر، وأظنه لايرضى أن نتناول مبدعاً بحجم وقامة نزار قبانى بمثل هذا الهراء والغثاء الذى تقيأه الأستاذ بكار على صفحات جريدة وزارة الثقافة، وحفاطاً على دور القاهرة التنويرى كنافذة لمناقشة وغربلة المفاهيم التقليدية لابد ألا تتحول إلى جريدة فضائح ونميمة مثلها مثل جريدة النبأ، وأعتقد أن من شوه حياة نزار قبانى كان هو الأستاذ بكار نفسه الذى إتهم مسلسل نزار بأنه شوه قصة حياته لأنه جعله يدخن السجائر بشراهة، وأعتقد أن تدخين السجائر أهون من إتهام مبدع بالعجز الجنسى بعد إفراط جنسى من خلال إستهلاك غدة البروستاتا.

أعتقد أننا لوفتحنا الباب على مصراعيه لنظرية الأستاذ بكار البروستاتيه فى تفسير الفن، لوجدنا فى الأسابيع القادمة مقالات عن كبار كتابنا ومبدعينا بمانشيتات ساخنة ملتهبة مثل quot; العلاقة بين أولاد حارتنا وإحتقان بروستاتة نجيب محفوظ quot;، أو quot; كيف أثر بربخ عباس العقاد فى إبداعات مى زياده quot;، أو quot; هل كتب طه حسين رواية شجرة البؤس أثناء متاعب الدورة الشهرية لزوجته الفرنسية quot;، أو quot; هل أثر الإفراط الجنسى للتفريط فى سيناء وهزيمة 1967quot;!!..... الى آخره من الترهات التى ستنهال علينا من جراء التفسير التناسلى للأدب، وأخيراً أدعو الله أن يحفظ جميع بروستاتتنا وبروستتات مبدعينا فىسلام وأمان من التفريط والتشفيط والتدليك والتسليك...اللهم آمين.
[email protected]