تري ما جدوى المهرجانات السينمائية العربية بعد تدمير لبنان؟ إن الواجب يدعونا الآن إلي أن نطالب هذه المهرجانات، كما في دبي والقاهرة ومراكش وغيرها من المهرجانات السياحية الاحتفالية، وبدلا من عرض الأفلام التافهة العقيمة العبيطة، كما أوضحت في مقالي في quot;إيلافquot;، وعمل مسابقات بينها، تتحكم فيها العلاقات الشخصية والدبلوماسية، كما حدث في مهرجان البينالي الثامن في باريس، وتدفع بالتالي إلي استبعاد بعض الأعمال السينمائية الجيدة المهمة، لمصلحة أعمال أخري، جد غثة ورديئة، ومعظمها ينتمي إلي جنس الأفلام العائلية البحتة، ولا تصلح إلا لعرضها علي أفراد عائلة كل مخرج فقط، وعيب عرضها علي الجمهور ، كما أنها لا تستحق الدخول في منافسة إلا مع نفسها، ولا ينتظر أحد مثل هذه الأفلام في بلادنا علي أحر من الجمر، لأننا شاهدناها وقيمناها، وخسفنا ببعضها الأرض، وقلنا أنها التفاهة بعينها، وتكريس للهراء العام، وفن السينما منها براء.
الواجب أن تبادر فورا تلك المهرجانات إلي تخصيص ميزانياتها و جوائزها المالية هذا العام، لإعادة اعمار لبنان، وبناء الجسور والكباري والمرافق المهمة التي دمرتها إسرائيل، لتعيد إخوتنا في لبنان إلي عصور الجاهلية والانحطاط وتدمر حياتهم، فتدمي لتلك مأساة قلوب العرب محليين ومغتربين في كل مكان، وتروع لصور الدمار والقتل والمذابح ، ودم أطفال العرب المراق.
أليس من الأجدى والأنفع أن quot;يتعقل quot; العرب موضوع المهرجانات السينمائية هذا الآن، خاصة وأنهم لا يفقهون في أمر تنظيمها واقامتها، باعتمادهم على مجموعة من المعوقين فكريا وعديمي الموهبة والمعرفة لادارتها، في وقت نحتاج فيه إلي كل قرش، لدعم مشروع إعادة اعمار لبنان، وبدلا من دفع عشرات الألاف من الدولارات للأجانب، مثل الغريب الكندي الأجنبي الذي يدير مهرجان دبي، وتابعه المدير الفني العربي، أن يضعوا ميزانياتها، ومرتبات العاملين فيها،والمبالغ المصروفة بسخاء علي حفلاتها، مثل ذلك الاحتفال التهريجي الترويجي الذي أقامه مهرجان دبي في مدينةquot; كان quot; في مايو الماضي، وجلب له الجمال من آخر الدنيا، لتتبختر علي شاطئ كان الرملي، وترقص في الليل ثملة مع مجموعة من الراقصات الساقطات لهز الأرداف والبطون، ولأنها أصلا تحتقر العرب والنقاد العرب وبلاد العرب، لم تدعو إدارة المهرجان الأجنبي عربيا واحدا لحفلتها الصاخبة تحت الخيام، إلا من شلة المدير وتابعه، ربما خوفا من أن يتسلل من ينتقد ويفضح تلك quot;المسخرةquot; من النقاد، الذين لا يحملون المباخر والطبول!
الأفضل أن تستثمر هذه المهرجانات ميزانياتها وفلوسها في صندوق اعمار لبنان، لرفع معنويات أهله المنكوبين، والتضامن معهم، والوقوف إلي جوارهم في محنتهم، وبناء مستشفيات ومرافق جديدة..
إن الحقيقة التي تفقأ العين في تلك المهرجانات، وعلي رأسها مهرجان دبي السينمائي السياحي النموذجي التهريجي، الذي طرد حديثا كل استشاري البرمجة من العرب وتخلص منهم، ومن واقع متابعاتنا لتلك المهرجانات منذ القدم، أنها لا تخدم السينما كفن، بل تأسست تلك المهرجانات الحكومية الرسمية منذ نشأتها، وهي مهرجانات بلا ذاكرة ولا فائدة و لا تاريخ، واتحدي أن يذكر احد لي ماذا حققت، بعد سنوات طويلة من نشأتها. فقد تأسست كواجهة سياحية، لخدمة الموظفين المعينين من قبل الحكومات والأنظمة وحضور حفلاتها، والاستمتاع بها مع أصحابهم وأقربائهم، وأحد لا يحرك ساكنا.

فلتحترق مهرجاناتنا السينمائية العربية إذن بجاز، وعلي رأسها مهرجان دبي، الذي يزعم أصحابه أنه أصبح المهرجان quot;الأولquot;، إذا لم تكرس كل ميزانياتها لإعادة اعمار لبنان، ولتتفتح عشرات المهرجانات السينمائية الجديدة الوليدة، كي تعرض أعمالها علي الجمهور في الهواء الطلق بالمجان.والأمل معقود الآن علي تلك المهرجانات، من تنظيم الجمعيات الفنية الشابة، المستقلة عن الأنظمة والحكومات، والتي نصنعها بأيدينا، ومن دون حاجة إلي حماية ووصاية الخبراء الأجانب.. هؤلاء الذين يضحكون ومازالوا quot;في عبهمquot;، من جهل وبيروقراطية الموظفين العرب وتخلفهم، وسياسات جل حكوماتنا وأنظمتنا المتخاذلة.