هنالك مشكلة مروعة في العالم العربي ومنه العراق تتمثل في عبارة: لا أحد يتعظ أو يتعلم من تجارب الماضي ودروسه المرة!! فاللمرة الألف تكرر الحكومة العراقية أخطائها القاتلة؟ وللمرة الألف أيضا تظهر حكومة بغداد أنها لم تتعلم الدروس بعد! وإن الدماء العراقية المستباحة ليست لها أية قدسية ولا إعتبار أو أدنى إهتمام؟ ويوما بعد يوم تظهر الطبقة السياسية الحاكمة الجديدة والقادمة من قاع المعارضة السابقة مدى تخبطها في إدارة المستنقع العراقي، ومدى الفوضوية التي تتحكم في إدارة الصراع ومحاولات الخروج من عنق الزجاجة وجميعها محاولات فاشلة وبائسة للأسف لم تستطع الإرتقاء لصياغة ستراتيجية أمن وطني من شأنها حقن دماء العراقيين أو تخفيف غلواء ومصائب الحرب الأهلية الدائرة بهمة ونشاط منقطع النظير، وقد أضحى واضحا بأن سياسات وإدارة حكومة نوري المالكي هي نفسها سياسات وتحركات وأساليب سلفه وقائده وزعيمه إبراهيم الجعفري، فمنذ عام مضى وإنقضى صحا العراقيون على مجزرة شعبية هائلة بسبب الإفراط في الإنسياق خلف الشعائر والزيارات والنشاطات الدينية والطائفية في وضع شعبي ووطني وإقليمي حساس لا يستدعي تواجد كل هذه الحشود الشعبية في الشوارع دفعة واحدة!! ففي العام الماضي سقط أكثر من ألف صريع وشهيد عراقي في مجزرة (الجسر) المعروفة ووفق مبررات مخجلة ولم تعرف حقائق ما حدث رسميا حتى اليوم!! وبالأمس كررت المأساة نفسها، وكرر الفشل الحكومي ذاته، وتكررت كل عناصر المأساة العراقية الجديدة التي تفوقت في لوعتها على كل مآسي الأساطير والملاحم اليونانية! وسقط عشرات الشهداء من فقراء العراق في الشوارع أيضا مع تكريس كامل هذه المرة لصورة الحرب الأهلية والطائفية المستعرة؟ السؤال الأول الذي يفرض ذاته وسط الركام العراقي هو عن دور خطة المالكي الأمنية في منع ما حصل والتحوط من المصائب وحملات القتل ؟ والسؤال الأبرز يتمثل في تجاهل الحكومة العراقية لأبجديات العمل الأمني والذي يقتضي أول ما يقتضي منع التجمعات الشعبية بموجب حالة الطواريء التي يعيشها العراق منذ سنوات، وهي حالة تتطلب التخفيف قدر الإمكان من الحشود البشرية التي توفر أهدافا سهلة للإرهابيين وللعناصر الساعية لتوسيع حدة الحرب الأهلية القائمة!، وعدم الإنجرار وراء دعم وتشجيع الحساسيات الطائفية وعدم الإفراط والمغالاة في إستعراض الشعائر والمواكب وبما يوفر ذريعة لأهل الإرهاب وللساعين بتعميق الهوة الطائفية بالعمل الحثيث والمباشر! وهي مسألة تجاهلتها الحكومة العراقية وهي بذلك التجاهل الأحمق قد رسخت واقعيا وأكدت على حقيقة الفشل الذريع لخطتها الأمنية، فقد كان واضحا أن الحكومة قد بذلت جهودا جبارة من أجل (منع التجول) وشل البلد بأكمله! لثلاثة أيام من أجل مسيرات ومواكب تمارس فيها حفلات اللطم والندب والعويل والتمثيل المسرحي في ظل غيبة كاملة للخدمات والكهرباء والماء والأمن والحياة الكريمة والإكتفاء باللطم والندب والعويل! لا بل أن الفضيحة المضاعفة قد تأكدت بعد بروز عصابات مقتدى الصدر بأسلحتها وعلنا في الشوارع لحماية المواكب في تهاوي فظيع وتراجع أفظع عن حكاية (تجريد الميليشيات) من سلاحها بموجب تعهد وبيان المالكي والذي أضحى اليوم وأمام واقع الحرب الأهلية والطائفية القائمة مجرد نكتة ثقيلة سوداء!، فالفشل المتراكم قد عبر عن ذاته بوضوح، والهروب بعيدا عن المسؤولية والتعلق بأهداب المواكب المتخلفة وتسخير إمكانيات الدولة لخدمتها هو تعبير عن حالة إفلاس سياسي وفكري مريع بات يؤشر بشكل جدي على أيام عراقية سوداء وقاتمة قادمة فالفشل قد كرر نفسه، والتعهدات لا قيمة لها، والمناسبات الدينية لا تنتهي لأن الدولة قد أضحت طرفا فيها، وتبعا لذلك فإن المذابح والمجازر لن تنتهي هي الأخرى لأن سيناريوهات الحرب الأهلية والطائفية تتطلب الشحن الكامل والوقود القوي والحكومة العراقية توفر كل ذلك الشحن وتنجح في الإنسياق صوب جماعات التخلف والبؤس واللطم دون أن تستطيع حماية الدماء العراقية، فمخدرات الطائفية والطقوس الغريبة قد فرضت نفسها والأحزاب الطائفية التي هي كل المشكلة لا يمكن أن تساهم في إيجاد أية حلول لمشاكل المجتمع العراقي المريض، لقد أوصل الإئتلاف العراقي البلد لحالة الإفلاس التام بعد أن أوصل البعثيون العراق لحالة التكسيح الكامل، وها هي الأحزاب الدينية والطائفية تمارس ساديتها في اللطم وضرب السلاسل والإنسياق خلف قطعان التخلف الموروث... فأساطير الفشل العراقي قد رسمت خارطة للطريق المستقبلي العراقي البائس البئيس..!.
[email protected]