نحن الكتاب الليبراليين في حالة صراع محتدم وسباق المسافات الطويلة مع دعاة الحروب. وسبب هذا الصراع هو كما قال الصديق الرائع شاكر النابلسي: quot;... لأن الكاتب الليبرالي، ليس هو مطرب الحفل الساهر، ولا يسعى إلى تصفيق الجمهور، وباقات زهورهم، بقدر ما يسعى إلى كشف الحقيقة المُرَّة لهم، حتى ولو رجموه بالحجارة،... وشتموه، ورموه بأقذع الصفات السوقية كما نقرأ في ردود بعض القراء في بعض الأحيان.quot; . ولأننا نكتب للمستقبل الأفضل، بينما خصومنا يركزون على الماضي ويعملون على إعادة مجتمعاتهم إلى الوراء، دون أن يدركوا مغبة أعمالهم ونتائجها الكارثية على شعوبهم. ولكننا واثقون من أن المستقبل القريب، وليس البعيد فقط، سيثبت لهم كم كنا نحن الليبراليين على حق، وكم كانوا هم على خطأ قاتل. أنهم على خطأ لأنهم يطالبون بالمستحيل مثل قولهم (تحرير الأرض من النهر إلى البحر) وتحقيق الأهداف المرجوة بالحرب وحدها وحتى دون أن يمتلكوا القوة العسكرية الكافية لخوضها، بل يريدون خوضها بالربابة والطبلة ـ كما قال المرحوم نزار قباني، ويرفضون الحلول السلمية والركون إلى لغة الحوار لحل هذه المشكلة المزمنة، كما إنهم يؤلهون المستبدين ويحاربون الحداثة والحضارة والديمقراطية، ويضعون شعوبهم في حالة مواجهة انتحارية مع العالم.

أما نحن الليبراليين، فخلاصة ما ندعو إليه هو أن تحل مشاكل الشرق الأوسط وخاصة الصراع العربي ـ الإسرائيلي، بالوسائل السلمية وإقامة أنظمة ديمقراطية والعيش بسلام مع العالم المتحضر والاستفادة مما أنتجته البشرية من حضارة وقيمها الإنسانية النبيلة. أما الحروب الستة التي خاضها العرب مع إسرائيل فكانت نتائجها كارثية عليهم. لذلك فنحن ندعو إلى تحرير العرب من عقلية التدمير أولاً ونبذ العنف ثانياً، لأنه (لا يغيِّر الله ما بقوم حتى يغيِّروا ما بأنفسهم)، ويركنوا إلى الواقع ويدركوا أن السياسة هي فن الممكنات، وإلى تبني الحلول السلمية مع إسرائيل لكي تعيش شعوب المنطقة بسلام وتستثمر طاقاتها للتنمية بدلاً من الحروب ولتلحق بالركب الحضاري السائر دوماً إلى الأمام.
بعد نشر مقالتي (آخر الحروب في الصراع العربي ـ الإسرائيلي ) انهال معارضو الحلول السلمية علي وعلى الكتاب الليبراليين الآخرين بالهجوم وتوجيه كل ما في جعبتهم من اتهامات جاهزة في العمالة للصهيونية والإمبريالية والتأمرك والتصهين...الخ. أما الرسائل الشتائمية التي تصلنا عبر البريد الإلكتروني فحدث عنها ولا حرج بما تحمل من مفردات سوقية بذيئة تعكس المستوى الثقافي والخلقي لهؤلاء. وهذا يعكس أيضاً مدى تأثير وفعالية مقالاتنا ودورها في إيلام هؤلاء. إذ كما يقول المثل الإنكليزي If it doesnrsquo;t hurt, doesnrsquo;t work . ولكننا نتحمل تهجم وبذاءات هؤلاء علينا لأننا واثقون من أن المستقبل لصالح أفكارنا ودعواتنا. فكافة المصلحين في التاريخ تعرضوا إلى أسوأ مما نتعرض إليه، ولكن في نهاية المطاف كان النصر حليفهم والخزي والعار كانا من نصيب خصومهم، وهذا هو منطق التاريخ في كل زمان ومكان.
أجل، التاريخ معنا، لأن بدأ المسؤولون العرب يتحسسون بصدق نوايانا وصحة أفكارنا ووطنية دعواتنا، لذا فقد تبنوا أفكارنا نحن الليبراليين، وليس أفكار ودعوات الذين يدقون على طبول الحرب. فهذا هو رئيس الوزراء اللبناني السيد فؤاد السنيورة أطلق دعوته لمشروع سلام الشجعان عندما أعلن للصحفيين يوم 20 آب الجاري إمكانية التوصل إلى quot;سلام حقيقيquot; قائلاً: (الحرب قد تمهد لسلام حقيقي مع إسرائيل) وقال السنيورة لصحافيين عقب لقائه الوزيرة السويدية المنتدبة للتعاون كارين يمتين quot;اعتقد انه في حال تصرفت اسرائيل بحكمة، ستكون هناك فرصة حقيقيةquot; لتحقيق السلام. وأضاف إن quot;الفرصة هي كيف نحول ما حصل في لبنان، والنكبة التي حلت على لبنان، الى فرصة للتوصل الى سلام حقيقيquot;. وتابع قائلا quot;القوة لا تحل المشاكلquot;، وquot;امن اسرائيل لا يمكن تحقيقه من خلال الاسلحة المتطورة التي تملكهاquot;. واشار الى ان quot;الامن والامان لا يمكن تحقيقهما الا من خلال الطريق التي تؤدي الى السلام العادل والشامل والدائم في هذه المنطقةquot;. واضاف السنيوره quot;نحن دعاة سلامquot;. (أ.ف.ب، إيلاف، 20/8/2006). والجدير بالذكر أن جاء هذا التصريح الشجاع بعد أن نشر الدكتور شاكر النابلسي يوم 15/8/2006 مقالاً بعنوان (لا خلاص للبنان إلا بمعاهدة سلام دائم). وهذا أول الغيث لتبني المسؤولين العرب دعوة الكتاب الليبراليين للحلول السلمية. فالمطلوب من إسرائيل وكما طالبها السنيوره أن تتصرف بحكمة.
ليس هذا فحسب، بل طلعت علينا وكالات الأنباء العالمية بتقرير يفيد أن quot;الجامعة العربية سلمت مجلس الأمن تصور مبادرة عربية لمؤتمر دولي بإشرافه لحل الصراع العربي ndash; الإسرائيليquot; و تقترح مفاوضات مباشرة في إطاره قبل نهاية 2006 بين إسرائيل وسورية ولبنان ومنظمة التحرير ... وأكدت laquo;اللاورقةraquo; التي بعثها الأمين العام لجامعة الدول العربية عمرو موسى الى الأمين العام للأمم المتحدة كوفي أنان ووزيرة خارجية اليونان التي تترأس مجلس الأمن لشهر أيلول (سبتمبر) ثيودورا باكويانيس، أن laquo;العالم العربي مصمم على بذل قصارى جهده من أجل حل سلمي لنزاعه مع إسرائيل، وبهذا يساهم بمسؤولية في السلم والأمن العالميينraquo;. (رغدة درغام، الحياة، 27/8/2006). أليس هذا انتصار لنا نحن الكتاب الليبراليين ودعاة السلم وانتصار لشعوبنا المغلوبة على أمرها، وهزيمة لأفكار دعاة الحروب؟
كما ورحب رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس بدعوة الرئيس الفرنسي جاك شيراك لعقد اجتماع سريع للجنة الرباعية الدولية ( التي تضم الولايات المتحدة وروسيا والاتحاد الاوروبي والامم المتحدة). وقال المتحدث باسم الرئاسة الفلسطينية نبيل ابو ردينة لوكالة فرانس برس quot;يرحب الرئيس عباس بالدعوة الفرنسية لاجتماع سريع للجنة الرباعية ويعتبر ان العودة الى البحث الجدي عن حل دولي للقضية الفلسطينية هو حل لكل قضايا المنطقةquot;. وتابع quot;ان القوة لا توصل الى حل للصراع العربي الاسرائيلي ولا تحقق الامن والاستقرار لشعوب ودول المنطقةquot;. (أ. ف. ب.، إيلاف، 28/8/2006).
كذلك ذكرت في مقالتي الأخيرة (آخر الحروب في الصراع العربي ـ الإسرائيلي ): quot; فمن المؤكد أن قيادة حزب الله نادمة على فعلها في اختطاف الجنديين الإسرائيليين يوم 12 تموز الماضي، العملية التي أشعلت فتيل الحرب المدمرة على لبنان، بدليل أنهم صرحوا بأنهم ما كانوا يتصورون أن يكون رد فعل إسرائيل بهذه القسوة والوحشية، والقوا اللوم على إسرائيل بأن اختطاف جنديين لا ييستحق أن يقود إلى حرب واسعة وبهذه الهمجية. وهذا يعني أن حزب الله نادم على ذلك وأنه سوف لن يكرر هذه المحاولة مرة أخرى.quot;. وبعد يوم واحد فقط من نشر مقالنا هذا، صرح حسن نصر الله الأمين العام لحزب الله اللبناني قائلاً: إنه ما كان ليأمر باحتجاز جنديين إسرائيليين إذا أدرك أن الأمر سيؤدي إلى حرب. وأضاف قائلا في تصريحات لقناة المنار التابعة لحزب الله quot; لو كنا نعتقد، ولو بنسبة واحد بالمئة، أن خطفهما سيؤدي إلى ذلك لم نكن لنقدم بالتأكيد على هذا الفعلquot;. وأشار إلى أن الجانبين لا يسعيان إلى quot;جولة ثانيةquot; من القتال. (
نصر الله quot;يأسفquot; لاشتعال الحرببي بي سي، 27/8/2006).
وماذا بعد، هل سيصر دعاة الحروب على أن يكونوا ملكيين أكثر من الملك؟ فهذا quot;زعيم الأمةquot; نصر الله يعلنها على الأشهاد quot;أن الجانبين لا يسعيان إلى quot;جولة ثانيةquot; من القتالquot;، أي أنه لن يسعى إلى إشعال حرب أخرى مع إسرائيل. فماذا يريد هؤلاء أكثر من ذلك ليتأكدوا من أننا نحن الليبراليين كنا على حق وهم على خطأ؟ فهل سيتهجم هؤلاء على نصر الله بعد أن أكد لهم أنه سوف لن يعيدها ثانية لأنه تعلم الدرس القاسي؟ انظروا إلى مدى الكلفة الباهظة التي دفعها الشعب اللبناني لكي يتعلم نصر الله هذا الدرس؟ أعتقد أن نصر الله وبعد هذه الكارثة قد تعلم الدرس القاسي، وسوف يسير على خطى السادات، أي أنه من الآن فصاعداُ، سينبذ الحروب ويتبنى الحلول السلمية لحل الصراع الإسرائيلي ـ اللبناني، إذا ما تحرر من سيطرة حكام دمشق وطهران وفضل مصلحة وطنه لبنان على مصلحة التحالف الإيراني ـ السوري.
والسؤال الأخير هو، هل سينهال دعاة الحروب إلى شتم الرئيس فؤاد السنيورة وعمرو موسى والجامعة العربية وقادة الدول العربية لأنهم تبنوا دعوة الليبراليين في حل الصراع العربي ـ الإسرائيلي سلمياً بدلاً من الحروب الكارثية؟ أيها السادة، أفيقوا من نومكم، فعصر العنتريات قد ولى إلى الأبد، وعالمنا اليوم ومنه شعوبنا العربية، يريدون العيش بسلام


مقالات وتقارير ذات علاقة بالموضوع:
1- فؤاد السنيورة: الحرب قد تمهد لسلام حقيقي مع إسرائيل
http://www.elaph.com/ElaphWeb/Politics/2006/8/171107.htm
2- د.عبدالخالق حسين: أخر الحروب في الصراع العربي ـ الإسرائيلي
http://www.elaph.com/ElaphWeb/ElaphWriter/2006/8/172329.htm
3- د. شاكر النابلسي: لا خلاص للبنان إلا بمعاهدة سلام دائم
http://www.elaph.com/ElaphWeb/ElaphWriter/2006/8/169832.htm
4- نصر الله quot;يأسفquot; لاشتعال الحرب
http://news.bbc.co.uk/hi/arabic/middle_east_news/newsid_5291000/5291504.stm

5- عباس يرحب بدعوة شيراك لعقد اجتماع للجنة الرباعية
http://www.elaph.com/ElaphWeb/Politics/2006/8/172811.htm