وأخيرا.. أعلنها زعيم حزب الله اللبناني السيد حسن نصر الله وأطلقها واضحة صريحة بعد أن ذهبت السكرة والنشوة وحلت الفكرة وتجسد الواقع الحي بكل مآسيه المرتسمة على الجسد اللبناني الجميل المقطع الأوصال بفعل الضربات الهمجية للآلة العسكرية الإسرائيلية التي مارست أفعالا إنتقامية مريعة يقول (السيد) إنه وقيادته في الحزب لم يكونوا يتوقعونها؟ ولو توقعوها ما حصل الذي حصل، ولما تمت عملية أسر الجنديين الإسرائيليين!! هل نفهم من هذا الكلام الواضح والصريح وبالعربي الفصيح البعيد كل البعد عن العجمة الفارسية بأن السيد يتراجع عن كل إدعاءات النصر الساحق على العدو الصهيوني؟ وهل نفهم ولا يمكننا إلا أن نفهم من أن المراجعة الحقيقية للموقف الميداني تؤكد أن الندم ولربما الحسرة هو الموقف الحقيقي (للسيد) بعيدا عن رأي طهران المأزومة أو الشارع العربي الغوغائي؟ أو المنظمات الجماهيرية الشعبية إياها؟ أو تخرصات وأوهام جماعة المؤتمر القومي العربي من المتكرشين وبقايا الأنظمة والأحزاب الفاشية الديناصورية المنقرضة؟ وهل نفهم من كلام (السيد) بأن كل الجعجعة السابقة لم تكن إلا حملة إعلامية تحاول التضليل وإخفاء الجراح والرقص على جثث الشهداء والحقائق المرتسمة والمتجسدة ميدانيا؟ لا يسعنا إلا أن نقر ونعترف بجرأة وشجاعة (السيد) وهو يعلن ما أعلنه ليضع النقاط على الحروف وليؤكد بالدليل الملموس بأن ما قالته بعض الأطراف العربية حول المغامرة غير المدروسة لحزب الله كان هو النموذج الأصح للسياسات الحكيمة، وكان هو الموقف الصحيح الوحيد والمسؤول وسط فوضى الزعيق الشعبي العربي من طنجة حتى البحرين!! كما أن كلمات (السيد) الواضحة والصريحة هي بمثابة لطمة على أفواه بعض الفضائيات المنافقة الزاعقة والممجدة للإرهاب وراعية أفضل العلاقات السرية والعملية مع إسرائيل كالجزيرة وأخواتها بكل معلقيها من ديناصورات الأمة وزعماء النفاق والحقد والدس والتحريض من أمثال عطوان ورهطه وحواريه في الشرق والغرب؟.
لقد كان (الإعتراف) المفاجيء للسيد حسن نصر الله يصب واقعيا في مجرى الإعتراف الضمني بحجم ودرجة الطيش والتهور بل والصبيانية المفرطة التي تعالج بها أدق الملفات الستراتيجية في المنطقة خطورة وحساسية؟ كما كانت برهانا عمليا مؤكدا على أن غياب دور الدولة اللبنانية المفجع لايمكن أن يسد فراغه أي حزب مهما بلغ قادته من درجة المفهومية والنقاء والقدسية ولربما العصمة!! ومن أن عمائم (السادة والفقهاء) لا يمكن أن تكون بديلا عن الشخصية المعنوية والإعتبارية للدولة التي لا تمثل طائفة بعينها بل تمثل الشعب بكل طوائفه وملله ونحله! وبهذا الإعتراف المعجزة يعترف السيد ضمنيا بمسؤوليته الشخصية و مسؤولية حزبه ومن يقف خلفه فيما حصل؟ ولكن الشيء الذي لم يعترف به (سماحة السيد) حتى اللحظة هو حجم التوريط الإيراني في الموضوع ومن كونه وحزبه قد وقعا ضحية الدس والخبث الإيراني المعهود الذي سبق أن مارسته القيادات الثورية الإيرانية مع الأحزاب الشيعية العراقية في الثمانينيات حينما إستغلت الأجهزة الإيرانية تلكم الأحزاب في عملياتها السرية ثم تخلت عنهم فيما بعد وتركتهم فريسة للتشتت والصراعات والإنشقاقات والهروب الشامل نحو (الغرب الكافر) !! قبل أن تتكفل حماقات وجرائم نظام صدام البائد بتغيير المعادلة؟ ولعل عملية الغدر الإيرانية بالشهيد الراحل (السيد محمد باقر الصدر) الذي أعدمته سلطات نظام صدام في نيسان 1980 هو المسلسل الأكبر في (الغدر الإيراني)! ومن أن النظام الإيراني الإسلامي الطلاء القومي النزعة ليس حريصا سوى على مصالحه الخاصة والخاصة جدا، لذلك لم تكن غريبة نبرة رئيسه (نجاد) التي أكد خلالها من أن برنامجهم النووي:(لا يشكل خطرا على النظام الصهيوني)!!!. الرجاء ترجمة معاني التصريح السابق؟.
السيد حسن نصر الله يعلم علم اليقين من أنهم في ورطة قاتلة وأن الشتاء اللبناني قادم على الأبواب؟ وإن إيواء المشردين عملية معقدة وصعبة؟ كما أن (خيشات الدولارات الإيرانية المقدسة المباركة) ستتوقف لا محالة ! لأن مهمته قد إنتهت؟ ولأن التنازلات الإيرانية القادمة لدول الغرب ستفرض هذه الحقيقة المؤكدة، ونظام دمشق كما هو معلوم يقبض ولا يدفع!! فكيف السبيل؟ وهل هذا هو النصر الستراتيجي الذي طبل له البعض ورقص وغنى؟.
جميل جدا أن يعترف (السيد) بأخطائه القاتلة ! وهي قمة التسامي والجود، ولكن السؤال المرتسم ببلاهة من يملك الجرأة على محاسبة (السيد)؟ ومن يقوم أخطائه؟ ومن يحاسبه على تحقيق كل أهداف إسرائيل الستراتيجية والتي باتت تحظى بحماية دولية لأول مرة في تاريخها؟ والتي ضمنت سكون جبهتها الشمالية بعد تعهد (السيد) بعدم العودة للشقاوة؟؟، وهنالك آلاف الأسئلة الحائرة التي ترسخ نظرية الراحلة السيدة (أم كلثوم) والتي تقول: (حسيبك للزمن...)...

فعلا من يحاسب السيد؟... ذلك هو السؤال الأعظم.