من يريد مشاهدة أحدث العروض الطبيعية لما تفعله الفاشية الدينية والطائفية في المجتمعات البشرية من نتائج كارثية فعليه بزيارة العراق (الحر) والتجول بين أطلاله، وتمتيع النفس بمشاهدة العمائم الملونة بالأبيض والأسود وهي تمارس خلاصة ما أبتدعه الفكر التدميري من خراب وهمجية ووحشية !، فبعد (هوجة) ومعارك الديوانية المخجلة التي ذهب ضحيتها عشرات الأرواح الإنسانية البريئة لا لهدف مقدس سوى رغبة العصابات الطائفية في السيطرة والتحكم وهي نفس العصابات التي كانت تشكل وإلى وقت قريب مضى سرايا (الجيش الشعبي) البعثي البائد أو فيالق (جيش القدس) المهزلة ! أو بقايا تنظيمات (فدائيو صدام) المنقرضة والتي تحولت لجيوش (المهدي) و (الطائفة المنصورة) و (جيش الصحابة)!! وفيالق البطيخ الأحمر..إلخ..!، بعد تلك الهوجة والتي سبقتها هوجات جاءت فضيحة المجزرة الشعبية في الديوانية نفسها على إثر الإنفجار في الأنبوب النفطي وحيث كان يتجمع المواطنون لأخذ النفط من الأنبوب المثقوب!! في مشهد خرافي وفظيع لا يحدث حتى في أكثر المجتمعات البشرية تخلفا!! تصوروا إلى أين وصلت حالة الشعب العراقي الباحث عن قطرة نفط معفرة بالدم والتراب وفي وطن يطفو على بحيرات نفطية ويعج باللصوص والعشائر والعيارين والشطار والأخطر من هؤلاء جميعا (مافيات) الدين والطائفية المذهبية المتخلفة التي باتت تمارس اليوم أفعالا شائنة سوداء ستطرز سجلاتها المجللة بالعار والخيبة وكل معاني التخلف وصيغه بعد أن وجدت تلكم الجماعات الطائفية التي لا تتقن شيئا من فنون الحياة سوى فنون الدجل والنصب على الفقراء واللطم وكل صور الشعائر البدائية المتخلفة المعبرة عن عصور وقيم موغلة في التخلف والبدائية، فلقد إنفرط الوضع مرة أخرى وبشكل منهجي ومخطط في مدينة (الناصرية) الجنوبية التي كانت ذات يوم مصدرا لكل الأفكار الحداثية والتقدمية ومصنعا للفن العراقي الراقي والملتزم الملتصق بهموم الناس ومعاناتهم لتتحول اليوم كما تحول العراق بأسره للطمية كبرى ولسرادقات عزاء لا تنتهي وليتحول الوطن بأسره لمقبرة جماعية كبرى تهدد روائحها النتنة لا الباقين على قيد الحياة فقط بل حتى المحيط المجاور!! وهنا تحققت نبوءة الفاشية البعثية التي سبق وأن أطلقها البائد (صدام) عام 1980 بقولته الشهيرة والموثقة : (من يفكر بأخذ العراق منا.. عليه أن يأخذه أرضا بدون شعب)!! وها هي وقائع الأحداث اليومية الدامية في الشارع العراقي تثبت مصداقية ذلك القول الأخرق الصادر عن عقلية ونفسية مريضة، ولكنه قد تحقق على أية حال؟

فرجال الدين من كلا الطائفتين قد أضحى دورهم دورا تدميريا يتعدى بكثير الأدوار الروحية المفترضة، والأحزاب الطائفية التي تسللت للسلطة لعوامل معروفة أهمها النصب والإحتيال وإستغلال أمية الشارع العراقي السياسية عبر الشعارات الطائفية التدليسية المريضة والمرتبطة بحالة النفاق المجتمعي العراقية الشهيرة باتت تمارس أدوارا تمزيقية للعراق، فهذه الأحزاب الدينية بفروعها ودكاكينها تقف اليوم عارية بالكامل أمام حقيقة قيادة الشارع العراقي فهي لا تمتلك الفكر أو البرنامج السياسي المستقبلي أبدا! فجل ما تمتلكه هو كثير من (اللطميات) مع كثير من النصب والإحتيال وإشغال الناس بروايات الماضي السحيق والتدثر خلف مظلومية (أهل البيت)! والتمترس خلف الشعارات الطائفية ووفق فوضوية عدمية مطلقة أعادت المجتمع العراقي لعصور الظلام، وكرست وإلى الأبد واقع الكراهية بين الناس، ورسخت الأسس العامة لحوار الدم بدلا من حوار الأفكار، يضاف لذلك كله مشاريع مشبوهة تحاول تلك الجماعات تمريرها من أجل خلق عوائل مقدسة تتحكم في فقراء العراق تحت عباءة المرجعية الدينية أو المذهبية كما يفعل عبد العزيز الحكيم وولده وشركاهم في مشروع (الفيدرالية الشيعية الجنوبية) والذي هو مشروع تقسيمي إيراني يكون بمثابة خط الدفاع الأول لجمهورية ولاية الفقيه السائرة في طريق الإضمحلال والتلاشي ! وما يحصل في الجنوب العراقي اليوم من أحداث دموية مرعبه هو مقدمة موضوعية لمحاولة فرض تلك الفيدرالية عبر إثبات فشل الحكومة المركزية في حماية الناس!! وهو مخطط رهيب وخبيث واسع المدى والأبعاد يضع حكومة السيد المالكي أمام خيارات مؤلمة، كما يضع قوات التحالف الدولي وخصوصا الإدارة الأمريكية أمام مسؤوليات وخيارات صعبة لعل أهمها الإعلان الواضح لفشل العملية الديمقراطية في العراق وإنهاء اللعبة السياسية التي فشلت بالكامل ولم تبن شيئا من الخراب بل العكس هو الصحيح تماما، والدعوة لتشكيل حكومة إنقاذ عسكرية عراقية صرفة قد تحقق التهدئة وتطفيء نيران الحرب الأهلية المستعرة... فهل العراق بحاجة (لفرانكو) جديد قد يمهد الطريق ل(خوان كارلوس) عراقي جديد!!، أم أن أحزاب العمائم الخربة والعقول الصدئة ستصر على اللطم حتى ظهور المهدي؟... كل الخيارات مفتوحة أمام مافيات الدين والطائفية والتخلف....

[email protected]