لم تعد مشروعية الحقوق الكردية غير مفهومة عالميا إلا لدى غلاة العنصريين داخل البلدان التي تتوزع عليها الأمة الكردية. إن الأمة الكردية تزيد عن الـ 30 مليونا عدا، وإن لها من الخصائص القومية والإقليمية والثقافية والتاريخية ما يعطيها حتى حق تشكيل دولة كردية موحدة. وفي الوقت ذاته، فقد شخصت القوى الوطنية والديمقراطية الكردية أن مصيرها مرتبط أولا بالشعوب التي تعيش معها في دولة واحدة. وهكذا رفعت الحركة الوطنية الكردية في العراق شعارات الأخوة العربية ـ الكردية، والحكم الذاتي لكردستان والديمقراطية للعراق، ثم، وبعد انسحاب النظام الصدامي من إقليم كردستان عام 1992، تحول المطلب الكردي إلى الفيدرالية في إطار عراق واحد، وهو المبدأ الذي أقر رسميا في عراق ما بعد صدام. وقد لعبت الحركة القومية الكردية في العراق دورا مجيدا في كل محطات النضال الوطني العراقي، ووثبات شعبنا وثوراته. ومثل هذه أيضا كانت مواقف الحركة الكردية في إيران بقيادة الحزب الديمقراطي الكردستاني في إيران، وهو نهج عززه وثبته أكثر فأكثر زعيم الحزب الشهيد عبد الرحمن قاسملو الذي اغتالته المخابرات الإيرانية بكل خسة وغدر في فينا في أواخر الثمانينات الماضية.
إن هذه الحركات لم تقترف يوما في تاريخها الطويل أعمالا إرهابية ضد المدنيين من فرس وعرب وغيرهم، ولم تعتد على السياح الأجانب وتفجّرهم، كما يحدث هذه الأيام في تركيا باسم القضية الكردية.
أجل، القضية الكردية في تركيا عادلة ولابد من تلبية الحقوق القومية والثقافية لأكراد تركيا. وهذا أولا واجب حكام تركيا وأحزابها السياسية. ومن الجهة الأخرى، فإن على الحركة الكردية التركية اتباع أساليب سلمية وصبورة لتحقيق الهدف القومي المشروع. وكان عبد الله أوجلان عند اعتقاله قد دعا لمثل هذا النهج، معترفا بخطأ اللجوء لعمليات لا يمكن وصفها بغير كونها إرهابية.
إن المخلصين للقضية الكردية، والواعين حقا للنهج السليم، لا يمكن أن يقترفوا عمليات دموية كالتي اقترفت في تركيا مؤخرا، وإن أية قضية وطنية عادلة لا تبرر استهداف المدنيين العزل. أما إذا كان الذين تبنوا هذه العمليات الإرهابية يريدون تخريب الاقتصاد التركي وتعطيل السياحة فإن الضرر سيصيب أيضا الشعب الكردي نفسه، وهو الشعب الذي يعاني الكثير جدا من فقر وجهل وحرمان قومي. وإضافة لما مر، فإن العمليات الإرهابية باسم النضال القومي الكردي سوف يلحق الأذى بسمعة جميع الأكراد على الصعيد الدولي، وخصوصا سمعة الشعب الكردي في تركيا. إن الرأي العام الدولي والدول الغربية لن تصنف هذه العمليات بغير إرهاب دموي يخالف أبسط قواعد العمل السياسي وحقوق الإنسان، أي المدنيين العزل والسياح الذين جاءوا مع عائلاتهم للراحة والاستجمام فإذا النتيجة هي الموت والجروح الخطيرة والآلام التي لن يمضي أثرها سريعا.
نعم للنضال القومي من أجل الحقوق المشروعة، وألف لا لتفجير المدنيين ومحاولات تدمير الاقتصاد السياحي أو سواه.