ما أن تطفأ أزمة وتخبو نيرانها الممتدة حتى تشتعل أزمات أمر وأدهى وأكثر إشتعالا وحساسية وتوهجا! فبعد نهاية حروب الجيش العراقي مع المتمردين من العصابات الطائفية الصدرية في مدينتي (الديوانية) و (الناصرية) والفظائع التي حدثت خلالها وتوجت بإعدام الأسرى من أبناء الجيش العراقي وما تبعها من حملات تفجير وتفخيخ طائفية مجرمة إستهدفت فقراء الشيعة، حتى إنتقل المشهد المتفجر بكل تداعياته وإشكالياته ومصائبه نحو الشمال العراقي هذه المرة وحيث تقف القيادة الكردية المنقسمة أصلا وهي تشاهد وتتابع مراحل وخطوات إنقسام وتشظي العراق التدريجية في حربه الأهلية الميدانية وغير المعلنة رغم كل وحشيتها وهمجيتها!، ولتتحول الأنظار هذه المرة صوب الإتفاق السني / الشيعي على معارضة قرار رئيس (دولة كردستان) السيد مسعود البارزاني بمنع رفع العلم العراقي بنجومه الثلاث وبألوان (الثورة العربية)! وبخط (صدام حسين) الذي كتب عبارة (الله أكبر) تدليسا ونفاقا بعد غزوه لدولة الكويت!! ! وهنا ثارت الثائرة وإجتمع القوم من أجل قرار لم تتمكن الحكومات العراقية المتعاقبة للأسف بعد أكثر من ثلاثة أعوام ونيف على سقوط نظام البعث من الإتفاق على رسم وإعتماد (علم عراقي) جديد أو حتى العودة للأعلام السابقة لمرحلة الحكم البعثي منذ عام 1963 وحتى العلم البسيط الذي صممه الفنان (الجادرجي) أيام مجلس الحكم السابق عام 2004 قامت ضده القيامة وتحركت المرجعيات الدينية والسياسية والصحفية وكل من له قلب وقلم ولسان ليقول أن ذلك العلم ما هو إلا نسخة مشابهة للعلم الإسرائيلي!! بألوانه الزرقاء والبيضاء!! رغم أن الفنان كان يقصد شيء آخر تماما له علاقة بالسلام والوئام والمحبة بين الطوائف والملل والنحل العراقية!! إلا أن كل تلك المعاني قد تبخرت أمام الإصرار على (فوبيا) ألوان العلم الإسرائيلي!! رغم أن العلم الإرجنتيني يحمل نفس الألوان..!، ثم تم تناسي الموضوع ولم يفكر أحد من فناني العراق في الداخل والخارج بقضية العلم بعد دخول طوائف العراق في العملية السياسية المتعثرة وبعد إستعار الحروب الطائفية وبناء الميليشيات المريضة ثم الدخول في حلبة صراعات (الزرقاوي) والفلوجة وجيوش الصحابة والمهدي ورايات البطيخ السوداء..إلخ؟ إلى أن حرك أخونا مسعود البارزاني الملف من جديد بمنعه الشهير لرفع العلم في كردستان لتتفق ضده هذه المرة جميع الأطياف المكهربة بدءا من السيد المالكي وليس إنتهاءا بالسيد صالح المطلق وتهديداته العنترية حول : ما أخذ بالقوة لا يسترد إلا بها !!!!، وهي تعبيرات تذكرنا حقيقة بتهديدات البعثيين ومن لف لفهم من المسعورين والتافهين ؟ فهل يقصد المطلق إعادة الجيوش العراقية المشتتة لغزو وإستباحة كردستان مرة أخرى ؟ ثم لا ينسى المطلق أن يدعو القيادة الكردية لسحب وزرائها من الحكومة العراقية!! ونفس الشيء سيقال عن النشيد الوطني الذي لم يتغير منذ عام 1982 على ما أتذكر؟ فقد كان النشيد الوطني السابق هو النشيد المصري الشهير (والله زمان ياسلاحي) للسيدة أم كلثوم! ثم حوله صدام لنشيد جديد من كلمات الشاعر البعثي الراحل الذي سممه صدام في المعتقل فيما بعد (شفيق عبد الجبار الكمالي)! وألحان اللبناني (وليد غلميه)!! وهو بعنوان: وطن مد على الأفق جناحه وأرتدى مجد الحضارات وشاحه بوركت أرض الفراتين وطن عبقري المجد عزما وسماحة....

وقد حاول صدام حسين في أخريات أيامه تغيير النشيد الوطني وقد جمع الشعراء حول ذلك الهدف إلا أن المشروع لم ير النور بسبب التداعيات التي حصلت وإنتهت بسقوط نظامه، أما القيادات العراقية التي جاءت بعد الحرب فهي لم تكن في العير ولا في النفير ولم تهتم لا بالبناء ولا بتغيير أي شيء ! بل إهتمت بالشفط والنهب والهمبكة فهذا الوزير يشفط ملايين وذاك الوزير يلهط ملايين أخرى ثم (يخلع) صوب لندن! وذاك المدير يمصمص العظام !! لنراه بعد ذلك في (عمان أو دمشق)!! وهلم جرا، ولم يتم الإلتفات لهذه المسائل الرمزية والخطيرة بآن بل إنشغل القوم في صراعاتهم وفي الإيغال في طقوس الدم والخرافة حتى جاء الرئيس مسعود البارزاني ليهزهم ويفيقهم من سباتهم الطويل والمدمر، من حق القيادة الكردية رفض العلم العراقي القديم لكونه أولا لا يمت بأي صلة للعراق، ولكونه ثانيا يعيد ذكريات النظام البائد الذي لن يعود ! والعيب ليس في القرار الكردي بل في القيادات الفاعلة في الدولة العراقية التي لم تحسن الإلتفات لهذا الجانب المعنوي الخطير، فهل عجز الفنانون عن تصميم علم جديد ؟ أم أن المسألة تخضع أيضا لمزاجات المرجعيات السياسية والدينية وتحتاج لفتوى خاصة من الولي الفقيه أو شيوخ الإسلام ؟ وماذا يفعل البرلمان العراقي ؟ الذي لم نسمع له همسا ولا صوتا سوى ساعة قبض الرواتب والمخصصات الخرافية ؟ وماذا تفعل الفيالق الصدرية والبدرية والصحابية والجهادية والبطيخية ؟ الكل يتصارع تحت راية البعث النافق ؟ والكل ينام في العسل وحدها القيادة الكردية من إستطاع أن يهز الموقف ! وأعتقد أن قضية النشيد الوطني ستثير الحساسيات وجولات أخرى من الصراع، فالشيعة قد يريدون من النشيد أن يكون (لطمية) تستعمل فيها السواطير والسلاسل كخلفية موسيقية!! بينما السنة يريدونه أن يكون على شاكلة المدائح النبوية أو (الجالغي البغدادي)!! مع السدارة الفيصلية!!، أما أنا وكحل وسط قد يرضي جميع الأطراف فأقترح إعتماد أنشودة الرفيق المناضل الفريق (أحمد عدوية) المعنونة : (سلامتها أم حسن من العين والحسد)! لتكون النشيد الوطني العراقي الجديد لإحتواء النشيد على مسميات تتنفق مع جميع الطوائف العراقية!! أما النشيد البديل في حالة عدم الإتفاق فأقترح أيضا نشيد الرفيقة المناضلة (نانسي عجرم) القائل :(أخاصمك آه.. أسيبك لا)!! لتوافقه مع الحالة الأمنية في العراق ؟.. نتمنى الإلتفات لرأينا... فليستعد القوم من اليوم لحرب النشيد الوطني ؟.. ألم نقل لكم سابقا من أن العراقيين يتعاركون حتى على البامية.. فهل هي أكلة شيعية أم سنية ؟.. وختاما نقول.. والله حالة.. والله طرطرة..
[email protected]