بوضوح صادم نقول: لقد نجحت استراتيجية الارهاب في العراق فيما يقابلها فشل ذريع للمشاريع الحكومية وغير الحكومية في ايقاف شلال الدم الذي تعلو موجاته يوماً بعد يوم ... نجحت تلك الاستراتيجية المقيتة في نقاط عديدة، منها:

bull;جعلت خبر الدم العراقي ثانوياً للغاية في نشرات الأخبار العراقية!!! والعربية والاسلامية والدولية... فسقوط ما يقارب الخمسين مواطناً في اليوم الواحد لم يعد خبراً يثير القلق، ومحرروا الأخبار ينتظرون ارتفاع الرقم إلى أضعافه لكي يولونه قليل اهتمام أما من حسنت نياته منهم فلقد مل من توصيفات من قبيل: السبت الدامي، الأحد الدامي، الأثنين الدامي ألخ... حين جعل الارهاب أسبوع العراق دامياً بمجمله. كما نجح الارهاب في جعل الموضوع العراقي موضوعاً مملاً، تماماً كما نجح المتصارعون في الشرق الأوسط من جعل الموضوع الفلسطيني موضوعاً مملاً بالرغم من وجوده في نشرات الأخبار اليومي.

bull;كما أن ما يشاع هنا وهناك عن لا حرب أهلية في العراق هو كذب بين، كل ما في الأمر أن شكل هذه الحرب قد اختلف عن الموروث، فالحرب الأهلية في العراق مستمرة ولكنها غير مقرة رسمياً، وذلك عائد لنجاح الارهاب في خلق مواجهة طائفية مستمرة بين الشيعة والسنة في العراق، ليس من المعقول أن يسقط عشرات الضحايا يومياً في منطقة شعبية معينة مغلقة طائفياً إذا لم يكن ثمة من ساعد من أبناء الطائفة الأخرى على اختراقها وتأمين مهاجمتها، والأمثلة على ذلك أكثر من أن تحصى، يكفي أن نشير إلى الهجمات المتزامنة التي شهدتها أحياء بغداد الشرقية في الأسبوع الأخير من شهر آب الماضي. ولا يحتاج منظر الجثث الملقاة في الشوارع أي تعليق على بشاعة هذه الحرب.

bull;وقبل هذا وذاك نجح الارهاب في تأسيس حاضنات عديدة ثابتة ومتنقلة في مدن مختلفة من العراق، وهذا بالضرورة ينفي أي حديث عن عدم وجود حرب أهلية في العراق.

bull;ولقد نجح الارهاب في تكميم أفواه المثقف العراقي الحر عندما قام بنحر العشرات من أبناء هذه الثقافة، وما جريمة تفخيخ وحرق منزل الناقد الألمعي صالح زامل التي راح ضحيتها عائلة بأكملها(الزوجة وولدين وبنت صغيرة فيما يرقد رب الأسرة في المستشفى بين الحياة والموت) إلا آخر نماذج تلك الجرائم البشعة... لقد أرادوا أن يعزلوا المثقف الحر يساندهم في ذلك حفنة من كتبة المقاومة (حرض واحد من هؤلاء مرات ضد العاملين في العراق، خاصة في الصحافة، وعلى أخص الخصوص العاملين في جريدة الصباح شبه الحكومية واستجابت مقاومته للتحريض أكثر من مرة كان آخرها قبل أيام في تفجير انتحاري كبير استهدف الجريدة والعاملين فيها وراح ضحية هذه المقاومة عدد من الأبرياء شهداء وجرحى)..

bull;وأخيراً نجحت استراتيجية الارهاب في جعل التفكير في مستقبل العراق ضرباً من التنجيم بعد أن كان واضحاً قبيل سقوط الديكتاتورية... كان الحلم بوطن ديمقراطي يسع الجميع يراود العراقيين ولكننا اليوم نشهد عجز أكبر التحليلات في فهم ما يجري.
أما المشاريع الحكومية وغير الحكومية فلقد فشلت أمام الارهاب فشلاً غير معقول وذلك لأسباب عديدة أهمها، ما خص المشاريع الحكومية، مبدأ المحاصصة الذي كان يراد له أن يكون عامل اجماع فصار عامل تشتيت، ثم عزلة هذه المشاريع عن النخب الوطنية، ومن المؤسف جداً أن تصاغ العديد من المشاريع بعيداً عن هذه النخب، وخاصة الثقافية منها، ولعل مرد ذلك إلى النظرة الموروثة من أيام الديكتاتورية ومعارضته معاً إلى المثقف باعتباره مجرد اعلامي يجمل الواجهات ليس إلا... ولعل مشروع المصالحة المطروح حالياً هو أبرز المشاريع المتداولة لوقف نزيف الدم العراقي، وقبل التعليق هنا نستدرك بالقول أننا مع أي مشروع يضمن سلامة المواطن العراقي، ولكن الرجوع إلى تفاصيل اللقاء الموسع الذي جمع شيوخ العشائر العراقيين يكشف عن تباين هائل في وجهات النظر، بل أن ثمة مجموعة قدمت شروطاً للمصالحة؟؟؟؟ من بينها نسف العملية السياسية بالكامل(وقف العمل بالدستور كان أبرز طلباتها).
وكانت مشكلة المشاريع غير الحكومية، ولا تزال، في محدودية أثرها، فهي مشاريع أصحابها سواء أكانت طموحة أو مقبولة فقط ما جعل منها أحبار على ورق.
المذابح العراقية مستمرة والمشهد يشي بأن ليس هنالك من يمتلك البرنامج الواضح والمقبول لإيقافها فما العمل؟؟؟
اليائسون، وهم الأغلبية، لجأوا إلى الغيب ومشتقاته للقضاء على بلواهم ومرارتهم، والقلة المتمسكة بالأمل لا تجد في الأفق سوى المزيد من الدم... فأي بلوى هذه؟؟

عبد الخالق كيطان: شاعر عراقي مقيم في أستراليا
www.abdalkalikkaten.com