شهد الاسبوع الماضي تصعيداً سياسياً وعسكرياً كبيراً وخطيراً بين العراق وتركيا نتيجة لهجمات 'حزب العمال الكُردستاني'، وتصويت البرلمان التركي على السماح للجيش بشن هجمات على معاقل الثوار الكُرد في كُردستان العراق. وتحذير أمريكا لتركيا من شنِّ أية هجمات عسكرية على شمال العراق، رغم أن وزير الخارجية العراقي هوشيار زيباري استبعد أن يقوم الجيش التركي بهجمات عسكرية برية، وتوقعه بأن تقتصر الهجمات على ضربات جوية على مواقع 'حزب العمال الكُردستاني' المشتبه بها في شمال العراق. وقد كتب كثير من المحللين السياسيين لأحداث الأسبوع الماضي يؤيدون هذا الرأي، ويرجّحون قيام تركيا بعملية ردع نفسية لثوار 'حزب العمال الكُردستاني'، أكثر من قيامها بعملية غزو برية نتيجة لصعوبة الطبيعة الجغرافية الوعرة لمنطقة كُردستان العراق.
حزب العمال الكُردستاني
لا شك أن لحز
ب العمال الكُردستاني الحق السياسي والتاريخي لخوض معركته ضد تركيا من أجل الحصول على الحقوق المشروعة للشعب الكُردي في تركيا، كما تمَّ الأمر مع كُرد العراق وكفاحهم اعبدالله أوجلان
عسكري والسياسي الطويل والمرير إلى أن حصلوا على حقوقهم السياسية المتمثلة الآن في إقليم كُردستان العراق وحكومته.
حزب العمال الكُردستاني تأسس في 1978، بلغ تعداده في التسعينات عشرة آلاف مقاتل، بقيادة المناضل عبد الله أوجلان.
وهو حزب ثوري يساري ماركسي ndash; لينيني. مما جعل أمريكا وأوروبا الغربية بعض الدول العربية أن تعتبره حزباً إرهابياً، ليس بسبب عدائه لتركيا ومطالبته بحقوق الكُرد في تركيا بالكفاح المسلح، ولكن بسبب أيديولوجيته الشيوعية. وفي 1980 غادر أوجلان تركيا إلى سوريا ثم إلى لبنان، حيث استقر في سهل البقاع الذي كانت سوريا تسيطر عليه، وبدأ هناك تدريباته العسكرية الميدانية، واتصالاته بالنخب العربية اليسارية التي دعمته سياسياً، وبدأت تكتب عن أهدافه ونشاطاته العسكرية والسياسية.
لم يكن الخيار العسكري لحزب العمال الكُردستاني هو الخيار الوحيد. فقد ظلَّ هذا الحزب يحاول محاورة السلطات التركية سياسياً بالتي هي أحسن طيلة 18 عاماً مضت (1980- 1998) ولكن الحكومة التركية كانت ترفض أي حوار سياسي مع حزب العمال الكُردستاني بخصوص المسألة الكُردية في تركيا.
ونجحت تركيا في عام 1998 في الضغط على سوريا سياسياً وعسكرياً، في إبعاد أوجلان عن سوريا، مما اضطر أوجلان إلى الرحيل إلى أوروبا والدعوة للقضية الكُردية، إلى أن تمَّ القبض على الزعيم أوجلان عام 1999 في نيروبي، وذلك بعد عام واحد من خروجه من بلاد الشام.
مقاتل من حزب العمال الكردستاني |
كانت أسباب سعي سوريا إلى إخراجه من سوريا ومساعدة تركيا في القبض عليه كثيرة، منها:
1- خوف سوريا من أي اعتداء عسكري تركي، بعد أن تلقت سوريا تهديداً جدياً بذلك. وخوف سوريا كذلك من تهديدات تركيا بحجز جزء كبير من مياه الفرات، مما يهدد الاقتصاد السوري تهديداً كبيراً.
2- خوف سوريا من نجاح أوجلان في إرغام تركيا على إعطاء بعض الحقوق المدنية والسياسية للكُرد، واضطرار سوريا للتنازل للكُرد واعطائهم بعض الحقوق المدنية والسياسية، وهم الذين يشكون من الظلم نفسه، والاضطهاد نفسه، والحرمان نفسه، الذي يقاسي منه الكُرد في تركيا، وكذلك الكُرد في إيران.
3- تخلّص سوريا من الشيوعيين المتشددين، والتخفيف من وطأة وأهمية الحزب الشيوعي السوري في الشارع السوري. فيما لو علمنا أن نظام الحكم السوري في نهاية التسعينات من القرن العشرين كان قام باعتقال معظم قادة الحزب الشيوعي السوري المعارضين لخط خالد بكداش المتحالف مع نظام حافظ الأسد الاستبدادي، وعلى رأسهم رياض الترك الذي سُجن 18 عاماً (1980-1998) وإلياس مرقص، وياسين الحافظ وغيرهم في حين لم يتم اعتقال خالد بكداش المتحالف مع النظام الاستبدادي.
4- استرضاء رجال الدين والشارع الديني السوري، خاصة بعد تنكيل النظام بالإخوان المسلمين في حماة 1982، وسجنهم وتعذيبهم. وكان النظام السوري يعتقد بأن طرد مجموعات مسلحة شيوعية كحزب العمال الكُردستاني من سوريا سوف يُرضي رجال الدين والشارع الديني السوري المليء حقداً على النظام السوري.
ومن هنا، كان الموقف الجديد للنظام السوري إلى جانب تركيا في قرارها بشن هجمات عسكرية على كُردستان العراق لضرب عناصر حزب العمال الكُردستاني، والذي أُعلن في زيارة بشار الأسد الأخيرة لتركيا.
هلال عسكري ضد كُردستان الكبرىالأكراد مقسمون سياسيا وجغرافيا
ليس من المستبعد أن تشير سوريا على تركيا، أو تشير تركيا على سوريا بتكوين حلف ثلاثي على شكل هلال عسكري (تركيا وإيران وسوريا)، يتصدى للقضية الكُردية، ويتكون من تركيا (الحاضنة لأكبر عدد من السكان الكُرد) ومن إيران (الحاضنة لثاني أكبر عدد من السكان الكُرد) والتي قامت في عهد أحمدي نجاد بالتدخل العسكري ضد مواقع المتمردين الأكراد الحصينة في كُردستان العراق.
والتي تخشى من حركات تحرير كُردية مسلحة مستقبلاً، داخل المناطق الكُردية الإيرانية تنطلق من كُردستان العراق، مما يجعل وضع كُردستان العراق وضعاً صعباً يضعه بين المطرقة التركية والسندان الإيراني، ومن سوريا التي تضم أقل عدد من السكان الكُرد.
دواعي قيام حلف عسكري ثلاثي ضد كُردستان الكبرى
الحلف الثلاثي العسكري على شكل هلال، من المحتمل جداً أن يُكتب له القيام والتقدم لأسباب كثيرة منها:
1- أن سوريا سوف تقوم بإقناع حليفتها إيران بضرورة وأهمية هذا الحلف الذي من شأنه أن يزيد من متاعب أمريكا في العراق وفي منطقة الشرق الأوسط. وهدف سوريا في هذا هو التضييق على أمريكا في العراق ومنطقة الشرق الأوسط، ووضعها على صفيح سياسي ساخن. وهو هدف مهم بالنسبة لإيران كذلك.
2- أن تركيا يمكن أن تقتنع بهذا الحلف، الذي يسعى إلى إخماد حركة الاستقلال الكُردية بشكل عام، لأنه يُشرك في معركتها ضد الكُرد دولاً مثل إيران وسوريا، ذات قوة عسكرية وإستخباراتية وثروة مالية.
3- وهذا الحلف - فيما لو قام - فإنه سوف يبريء تركيا أمام الرأي العام العالمي والرأي العام الاتحادي الأوروبي بوجه خاص من أنها هي وحدها التي تقمع الكُرد، وتقف ضد مطالبهم في المواطنة الح
قَّة والاستقلال. وإن لم يبريء الرأي العام العالمي تماماً تركيا من قمعها واضطهادها للكُرد فهو سوف يخفف من نقده لتركيا حيال ذلك لوجود أكثر من دول كإيران وسوريا تقوم بذلك.أردوغان
4- سوف تُبعد تركيا عن نفسها تهمة الاضطهاد العرقي التركي للكُرد في تركيا، وسيكون هذا الحلف ضد ما تسميهم تركيا وسوريا وإيران بـ 'الانفصاليين' الكُرد. فلا القومية التركية، أو العربية، أو الإيرانية ضدهم. ولكن لأنهم 'إرهابيون' و 'انفصاليون'، كما يدّعي إعلام هذه الدول الثلاث. وبذا، يضيع دم الكُرد بين هذه القبائل الثلاث.
5- سترحب تركيا بهذا الحلف لأنه سيظهرها بأنها ليست وحدها صاحبة المشكلة مع الكُرد، ولكن هناك دولاً في المنطقة لها المشكلة نفسها مع الكُرد.
ولكن رغم هذا كله ستبقى شعلة كفاح الكُرد في الشرق الأوسط عموماً مشتعلة إلى أن يتحقق قيام كردستان الكبرى التي يكافح الكُرد من أجلها منذ عشرات السنين.
أية إعادة نشر من دون ذكر المصدر إيلاف تسبب ملاحقة قانونية
التعليقات