من الواضح أن هذه المقالة مناقشة لما ورد في مقالة الزميل الدكتور سلمان مصالحة المنشورة في إيلاف يوم الجمعة السادس عشر من فبراير الحالي ( لماذا لن أشارك في مؤتمر زيوريخ؟ )، وهي مناقشة من منطلق المودة وحق الاختلاف وبيان ما خفي من حقائق ومعلومات، خاصة عندما يكون النقاش مع الدكتور مصالحة الذي لا أعرفه شخصيا ولكن من خلال تتبعي لكتاباته لا يمكن لأي إنسان موضوعي إلا أن يثمن كتاباته التنويرية التي تؤصل بصدق لأسس الدولة المدنية الديمقراطية، وترفض علانية الاستبداد والديكتاتورية سواء استبداد النظام السياسي أو الاستبداد الذي يحاول توظيف الدين الإسلامي خاصة، وبالتالي لا يمكنني الموافقة على النقد غير الموضوعي الذي ووجهت به المقالة من بعض القراء وكتاب التعليقات، لأنني أثق تماما في براءة الخلفية العامة التي انطلقت منها مقالته، وبالتالي فهي خلفية صادقة لمن يقرأ المقالة بحس الإنسان الذي يريد فعلا العدل والمساواة والديمقراطية للمواطنين جميعا بغض النظر عن أصولهم وقومياتهم وأديانهم. وسوف تنطلق مناقشتي لأفكار المقالة من معرفتي بخلفية المؤتمر القادم ومشاركتي في التخطيط له من خلال اجتماع تمّ في نوفمبر من عام 2006 وفي زيوريخ أيضا.
أولا: إن مفهوم الشرق الأوسط الذي يقصده المخططون للمؤتمر لا علاقة له بمفاهيم سياسية أوربية أو أمريكية طرحت تصورا جديدا للمنطقة كما قيل كي يشمل وجود (دولة إسرائيل)، فسواء قلنا (الشرق الأوسط) أو (الوطن العربي) فهذا ليس محل خلاف، فنحن نقصد المنطقة العربية التي نعيش فيها ونفرح لفرحها ونحزن لحزنها ويعاني الجميع فيها من مصادرة أبسط حقوق الإنسان في ظل سيادة الأنظمة الديكتاتورية الاستبدادية، وعندما أقول الجميع أقصد من كافة القوميات والأصول والديانات، بغض النظر عن نسبة القمع ومصادرة الحقوق إن كانت أقل أو أكثر بالنسبة لقومية أو ديانة، ففي هذه المنطقة (الشرق الأوسط) أو (الوطن العربي)كلنا (في القمع سوا). ومن الناحية السياسية فالاعتراف بوجود دولة إسرائيل لا علاقة له بهم وتفكير منظمو المؤتمر فليس هم من يقررون وجودها أو عدمه ، لأن هذا الموضوع لم يعد موضوع نقاش بعد أن اعترفت كل دول الجامعة العربية (أطال الله عمرها) بالمبادرة العربية منذ عام 2000 تلك المبادرة التي تعترف بدولة إسرائيل وتشحذ منها دولة فلسطينية ضمن حدود عام 1967 فقط لا غير، وبعد ما يزيد على ربع قرن من اعتراف أكبر دولة عربية (مصر) بدولة إسرائيل، وبعد حوالي عشرين عاما من اعتراف المجلس الوطني الفلسطيني ومن بعده منظمة التحرير الفلسطينية بدولة إسرائيل، لذلك فليكن واضحا أن منظمي المؤتمر لا يتوقفون عند التسمية ، فما يؤرقهم ويعملون من أجل الحقوق الديمقراطية للمواطن دون غيرها.
ثانيا: لا خلاف مع الدكتور مصالحة في هذه النقطة، فحقوق الأقليات المضطهدة جزء من الاضطهاد الواقع على الجميع وبالتالي فهو قضية عامة، ولكن التركيز على وضع الأقباط في خصوصية مصر لأنه مرتبط بتشريعات وقوانين مثل المادة الثانية في الدستور التي تغذي التطرف الديني وبالتالي الممارسات غير الديمقراطية ضدهم، التي تطال أن بناء أو ترميم كنيسة يحتاج إلى قرار من المحافظ الآن بعد أن كان يحتاج إلى قرار من رئيس الجمهورية، مع العلم أن العلة في العقلية السائدة وبالتالي لا فرق بين الرجوع للمحافظ أو الرئيس، فمجرد وجود هذا القانون يدل على عنصرية قبيحة، في حين أن من يبني مسجدا فقط عليه أن يبدأ البناء ويضع يافطة عليها (مسجد......) ، ولا يستطيع رئيس الجمهورية أن يوقف البناء أو يهدمه بسبب عدم الحصول على ترخيص ، لأنه في هذه الحالة يكون من غير المؤمنين انطلاقا من قوله تعالى(إنما يعمر مساجد الله من آمن بالله واليوم الآخر...).
ثالثا: أوافق الدكتور مصالحة على أن العديد من التسميات في حد ذاتها تحمل مضامين انعزالية، ولكن في حالة (الأقباط متحدون) يزول هذا اللبس عند الإطلاع على أدبياتها ومضامين مؤتمراتها والكتابات المنشورة في موقعها لكتاب من مختلف الديانات والقوميات والأصول، والكل يكتب عن معاناة قومه والظلم اللاحق بهم، وتكون النتيجة فعلا أننا جميعا نعيش في استبداد وقمع وفساد، من حق أي إنسان أن يعمل من أجل تغييره أيا كانت التسميات طالما الأعمال هادفة والنيات سليمة، وأعتقد أن إحصائية محايدة تثبت أن المشاركين في مؤتمرات منظمة الأقباط هذه، والكتاب الذين يكتبون في موقعها أغلبهم بنسبة ملحوظة من المسلمين، وهذا وحده دليل على حسن النية والمنطلق والهدف، وربما يلمس الجرح ويزيل الشك شعار المنظمة (مصر ليس وطن نعيش فيه، ولكنه وطن يعيش فينا). وانطلاقا من هذا الفهم اتفق المخططون للمؤتمر القادم أن يتم تغيير بنية المنظمة وعملها لتشمل كافة الأقليات المضطهدة، ولما كان الجميع مضطهدين أقليات وأغلبيات، فربما تكون ملاحظة الدكتور مصالحة هذه مهمة عند اختيار اسم التنظيم الجديد كي يكون من أجل ديمقراطية الوطن والمواطن.
رابعا: أوافق الدكتور مصالحة على أن المؤتمر سيكون أكثر فاعلية لو تم عقده في عاصمة عربية، ولكنك تعرف يا صديقي أنه من المستحيل موافقة حاكم عاصمة عربية على عقد هذا المؤتمر في عقر داره، لأن الحديث عن القمع والفساد والاستبداد ومصادرة أبسط حقوق الإنسان، سيشمله وإن لم تسميه مباشرة. وهذا ليس تخمينا فأنا شخصيا قمت بالاتصال بمسؤولين في أربعة عواصم عربية شرق أوسطية لعقد المؤتمر في عاصمتهم، فأجاب ثلاثة منهم بالرفض المطلق وبدون نقاش أو تبريرات ومسؤولو العاصمة الرابعة وافقوا بسرعة ضوئية، بشرط بسيط للغاية وهو أن يصدر بيان ختامي مستقل عن المؤتمر (يشكر حاكم البلاد على استضافته للمؤتمر ورعايته لحقوق الإنسان في بلاده، مما يجعله مثالا يحتذى في كل العالم العربي)، وحاكم البلاد هذه يوجد في سجونه ومعتقلاته أكبر عدد من سجناء الرأي والنشطاء السياسيين في (بلاد العرب أوطاني) كلها.
خامسا: لا خلاف مع الدكتور مصالحة في النقطة الخامسة حول ضرورة (إطلاق مبادرة جامعة تشمل أبناء هذه المنطقة على جميع مللهم ونحلهم يدعون فيها إلى بناء الأوطان على أساس المواطنة المشتركة العابرة للقوميات والطوائف الدينية)، وإلى أن يصبح إطلاق هذه المبادرة على مستوى الأوطان كلها، لا ضير ولا ضرر من أن يعمل كل في المحيط والمستوى الذي يستطيع، وبالتالي فهذه الملاحظة المهمة لا تقلل من أهمية مؤتمر زيوريخ القادم، فهو في المحصلة خطوة على الطريق الذي تم توصيفه.
أما بعد
الفقرة الأخيرة من مقالة الدكتور سلمان مصالحة التي جاءت بعد (أما بعد)، أعتبرها برنامجا سياسيا أخلاقيا، ولإيماني بكل ما ورد فيها سوف أحضر مؤتمر زيوريخ القادم لطرحها نقطة نقطة..وفي النتيجة فلا يمكن الطعن في مقصد الدكتور سلمان مصالحة إلا ممن لا يعرفون مسيرته الكتابية والشعرية التي تؤصل للعديد مما نحتاج إليه في هذه الأوطان، وبالتالي فعدم حضور الدكتور مصالحة لمؤتمر زيوريخ سيكون جسديا فقط ، أما روحه وأفكاره فهي حاضرة معنا، وليثق الجميع أن الحوار الهادىء الموضوعي هو خطوة على طريق الديمقراطية المنشودة، فكيف سيكون مؤمنا بالديمقراطية وساعيا إليها من لا يحتمل رأيا مخالفا لتوجهاته. إننا لا نذهب لمؤتمر زيوريخ للتفرج على معالمها الفاتنة ولا للتزلج على الجليد في جبال الألب، ولكن من أجل اجتهاد من الممكن أن يسهم إيجابيا في مسيرة الديمقراطية والعدالة والمساواة لكافة المضطهدين في أوطاننا التي أصبح شعارها بحكم المفسدين والمتسلطين (بلاد العرب أكفاني)!!.
[email protected]
التعليقات