من البديهيات المعروفة لدى العسكر ان قوة اي جيش تكمن في الغطاء الجوي الذي يمتلكه فلايمكن لجيش مهاجم ينوي تحقيق النصر وهزيمة عدوه عدم توفره على غطاء جوي من الطائرات التي تسانده والا فانه سيكون مكشوف للعدو الذي لن يجد اي صعوبة في هزيمته وهذا ما يؤكده تاريخ الحروب ولعل في هزيمة حزيران عام 1967 مثلا لكل ذي بصيرة ولب يوم غارت الطائرات الاسرائيلية على المطارات المصرية وحطمت كل الطائرات الحربية الجاثمة على مدرجاتها فوجد الجيش المصري نفسه مكشوف الظهر وتحت رحمة نيران الطيران الاسرائيلي الذي لم يتوان عن سحقه وهزيمته شر هزيمة.
وفي السياسة كما في الحرب لايمكن لاية عملية سياسية من تحقيق اهدافها من دون غطاء ولا يمكن لسياسي ناجح يطمح في تحقيق سياساته مالم يتوفر هو الاخر على غطاء. وغطاء اية عملية سياسية هو الاعلام ، بكلمة اخرى ان اي عملية سياسية من دون تغطية اعلامية مبرمجة وموجهة ستكون عرضة للفشل وللاختراق. فالاعلام في المعارك السياسية يقوم مقام الطيران في المعارك الحربية. وهذه حقيقة في السياسة بل بديهية من بديهيات العمل السياسي.
دعونا ننتقل من النظرية الى الواقع لنرى الدور الكبير الذي يضطلع به الاعلام في انجاح المشروع السياسي او الاقتصادي او الفكري او اي مشروع يراد له النجاح، وبما اننا نتحدث في هذه الاسطر الى اعضاء الجهاز الاعلامي لدولة رئيس الوزراء باعتباره -اي الجهاز- المسؤول الاول بحكم وظيفته عن تقديم المشورة والنصيحة الاعلامية لشخص رئيس الوزراء نوري المالكي وتنفيذ سياسته الاعلامية ودعم مشروعه السياسي ومن ضمنه الخطة الامنية، وبما ان اعضاء هذا الجهاز من الناحية الفكرية اسلاميو الانتماء فانه من الاجدر بنا الاستشهاد بأمثله من الواقع الاسلامي الذي يدركونه جيدا بأعتبارهم ابناء هذا الواقع. ولنبدأ بالرسول الاكرم محمد صلى الله عليه وآله وسلم وكيف انه اولى الاعلام اهتماما كبيرا يوم كان الشعر آنذاك يمثل الوسيلة الاعلامية الانجع في التبشير للمشروع السياسي والفكري او في الرد على الاعداء او في الاشادة بالمقاتلين ورفع معنوياتهم.
لنستمع لما كان يقوله الرسول لشاعره المعروف حسان بن ثابت: (اهجهم يا حسان وروح القدس معك) بهذه الكلمات كان الرسول يحفز شاعره على الرد على اعدائه وخصومه. حيث كان -ومايزال- الهجاء اشد ما يخشاه العرب. ولطالما دفع الشعراء حياتهم ثمنا لهجائهم الاخرين مثلما فعلها المتنبي مع كافور الاخشيدي يوم هجاه في قصيدة لاتخلو من العنصرية حين قال:
لاتشتري العبد الا والعصى معه ان العبيد لانجاس مناكيد
ويقابل الهجاء في عصرنا الراهن في الدول المتحضرة سياسسا الهجوم النقدي اللاذع الذي يقوم على الحجة والبرهان ضد سياسة حكومة ما في الصحافة والاعلام، لا الذي يقوم على الكذب والافتراء كما تفعله وسائل الاعلام المعادية للحكومة وللشعب العراقي. وفي الغرب تكفي مقالة نقدية واحدة او خبر مسرب فيه حقائق لاسقاط الحكومات كما حصل هذه الايام مع وزير الجيش الامريكي الذي اجبره الاعلام على تقديم استقالته بعد ثبوت تقصيره بحق جرحى الجيش الامريكي.
ومن الرسول محمد ننتقل الى خليفته الامام علي كرم الله وجهه فقد واجه هذا الرجل الماكنة الاعلامية القذرة لعدوه اللدود معاوية بن ابي سفيان والذي حول شتم علي من على اعواد منابر الجمعة الى ُسنة حيث اول شئ يفعله الخطيب هو سب علي وشتمه وقد نجحت هذه السياسة الاعلامية لمعاوية في تشويه صورة الامام علي لدى اهل الشام الذين قادهم معاوية لحرب علي في صفين كما يقاد القطيع بسبب التضليل وغسل الدماغ الذي تعرضوا اليه.
كيف تصدى علي لهذا الاعلام القذر؟ تصدى له بسلاح الخطابة والبلاغة حتى جُمعت اقواله وخطبه فيما بعد على يد الشريف الرضي في (نهج البلاغة) ولولا هذه السياسة الاعلامية من علي بن ابي طالب لظل يُشتم الى هذه الساعة. علما ان الامام علي نهى اصحابه من سب وشتم معاوية واتباعه وامرهم بدلا من ذلك ان يذكروا عيوبهم وأخطائهم ، اي امر اصحابه باتباع اسلوب حضاري وعلمي عند الرد على الاخرين وكما تفعل احزاب المعارضة في النظم الديمقراطية حيث تلجأ الى ملاحقة عيبوب واخطاء الحكومة من دون خلق الافتراءات عليها كما حصل ويحصل دائما من احد البرلمانيين العراقيين من ذوي الاصول البعثية والذي لايجيد من عمله البرلماني سوى الكذب.
هذان مثلان من التاريخ الاسلامي عن دور الاعلام ، والشئ بالشئ يذكر ان نفس الاساليب الاعلامية القديمة التي أ ُستخدمت ضد حكومة الامام علي تستخدم اليوم مع حكومة المالكي بل ذات السياسة التي مُورست مع الامام علي من قبل خصومه والتي قامت على اساس اشغاله بالحروب والفتن من اجل منعه من القيام بالاصلاحات وبناء الدولة المدنية اقول ذات الاساليب والسياسة تُستخدم اليوم مع الحكومة العراقية الحالية او اللاتي سبقنها.
ومعالم هذه السياسة هي اشغال الحكومة بالهاجس الامني ، القتل العشوائي ،استهداف المدنيين كما كان يفعل بسر بن أرطأة بغاراته المتتالية على الانبار واليمن وقتله للعزل المدنيين وكما يفعل الارهابيون اليوم باستهدافهم الاسواق والمدارس والملاعب، التظلم من الحكومة والافتراء عليها كما حصل في حادثة (صابرين الجنابي) ، اثارة الرعب والخوف في نفوس المواطنيين، تشويه الحقائق كما حدث في واقعة (الزركَة وجند السماء)، التجني على المسؤولين وتشويه سمعتهم كما هو الحال في طعنهم في اصولهم فهذا شاهبوري وذاك صولاغي وهكذا ، وقبل كل هذا وذاك اثارة اللغط الاعلامي على كل حركة تقوم بها الحكومة العراقية والافتراء عليها من خلال الاكاذيب الاعلامية والتطبيل لكل ما يثار اعلاميا ضد الحكومة وضد العملية السياسية، وخذ اليك مثلا بدأ الاعلام المغرض يشكك بمشروع قانون استثمار النفط رغم انه لم يعرض على البرلمان بعد.
وفي هذا الاطار بالذات نشط الاعلام المضاد في اختراع العبارات والمصطلحات التي من شئنها الاساءة الى الحكومة والى العملية السياسية برمتها والامثلة على ذلك اكثر من ان تحصى ومنها توظيف بعض المصطلحات التاريخية توظيفا سياسيا كما هو الحال مع مصطلح (الصفويون) الذي راج استخدامه في الاعلام العربي المناؤي للعملية السياسية لوصف رجال الحكم والسلطة في العراق بالتبعية الى ايران وللطعن في عراقية الاكثرية وتعجيمها، وايضا مصطلح (القوى المغيبة) الذي استخدم للطعن بنزاهة الانتخابات ولتبرير عدم مشاركة البعض بها على انه (تغييب) لهم، وكذلك مصطلح (فرق الموت) الذي استخدم ضد مليشيات معينة دون اخرى في محاولة لحصر كل الجرائم بها وتبرير جرائم الطرف الاخر واظهاره بمظهر الضحية.
ومصطلح (حكومة المنطقة الخضراء) للتوهين بالحكومة العراقية والاستهزاء بها، ومصطلح (اغلبية صامته) للايحاء بان مجموعة قليلة من العراقيين راضية بعملية التغيير والاكثرية العراقية رافضة وصامتة او انها مغلوب على امرها كما يريد المصطلح الوصول اليه وهكذا دواليك يستمر مسلسل التدجيل والتضليل الاعلامي ضد التجربة السياسية الواعدة في العراق من دون ان يكون هنالك اداء اعلامي عراقي مواز له الامر الذي جعل العملية السياسية مكشوفة الظهر وبالتالي جعل من الماكي مكشوف الظهر. وبدلا من ان يتجه لقيادة الدولة تجده يدافع عن سياسته ويستهلك يومه في الرد على تخرصات الاخرين. اي ان الاعلام المعادي نجح في وضع الحكومة العراقية موضع المدافع المتهم.
والسؤال هو ماذا اعدت حكومتنا العتيدة لمواجهة كل هذا الاعلام الضال والمضلل؟ كيف تستطيع حكومة السيد المالكي من تحقيق اختراق للاعلام المناوئ ؟ وقبل هذا وذاك كيف تستطيع حماية نفسها وسياستها وشعبها من هذا الاعلام المغرض الذي يتربص بها وبالعراق الدوائر وكيف تحمي ظهرها؟
اعتقد ان خير من يجيب على هذه الاسئلة المالكي ذاته والذي شغل رئاسة تحرير صحيفة (الموقف) يوم كان معارضا في سوريا. المالكي عاش الوسط الاعلامي ويعرف قيمة الاعلام ويدرك جيدا دوره في انجاح العملية السياسية والخطة الامنية الحالية. خصوم المالكي والحكومة والعملية الديمقراطية كثر ويمسكون بناصية الاعلام ورغم اختلافهم فقد اتفقوا على امر واحد هو وأد التجربة الديمقراطية في العراق وقرروا شن حرب اعلامية ضروس ضد ارادة العراقيين حيث بدأت تلك الحرب يوم سقط صنم الطاغية.
لسان حال هذا الاعلام هو كذب كذب كذب حتى يصدقك الاخرون. اقولها وبكل صراحة ان ظهر المالكي بات مكشوفا، لانه بلا غطاء اعلامي كاف ٍ، ومالم يسارع الجهاز الاعلامي للمالكي لاستقطاب الطاقات الاعلامية الصديقة والمؤيدة لحكومته وللعملية السياسية الجارية ويسارع في بناء شبكة اعلامية قوية فانه من الصعب تحقيق اي انتصار يذكر في معركة باتت كل الاسلحة مشروعة فيها.
ومن نافلة القول ان تجربة السنوات الاربعة الماضية اثبتت ان هنالك الكثير من الاعلاميين من العراقيين ومن غيرهم من الداعمين للعملية الديمقراطية والذين لاهم لهم ولاغم سوى الدفاع عن العراق الجديد وعن منجزات العملية السياسية والذين يمكن الاستفادة من طاقاتهم واحتوائها وتجنيدها في المعركة الحالية اذا ما تجردنا من الروح الحزبية الضيقة وقدمنا مصلحة العراق قبل اي مصلحة اخرى. فأعدائنا لايميزون بين عمرو الاعلامي الذي ينتمي لحزب المالكي وبين زيد الاعلامي المستقل او الذي يعمل مع حزب آخر فالكل في نظرهم يستحقون الموت وهذا ما اسمعني اياه نائب عراقي سلفي. اتمنى ان تجد هذه الاسطر أذنا صاغية وعقول واعية لتعييها كي تصحح اخطاء الماضي. اللهم اشهد. اللهم اني بلغت.
- آخر تحديث :
التعليقات