ظهرت في الاونة الاخيرة مؤشرات على وعي بعض القوى السياسة في العراق بان النظام السياسي القائم على اساس المحاصصة او الطائفة والانتماء المذهبي لم يعد له مستقبل.ان هذ ه النزعة تؤشر الى نوضوج وعي وسط الدوائر العراقية بخطل البنية السياسية التي قامت لحد الان، وانغلاق الافق امامها وتؤسس للبحث عن بدائل ناجعة.
لقد شهد العراق في السنوات الاخيرة العديد من الخطط الامنية التي اعلن كل مرة فيها عن انها ستسفر عن احلال الامن والنظام في البلد. لقد انتهت المهلة الزمنية التي تعهدت الحكومات والتكتلات السياسية خلالها بفرض الامن في العراق وضمان سلامة مواطنيه دون ان تسفر عن نتائج تذكر الجداول. ولم تعط ايضا نتائج ملموسة لحد الاجراءات التي تتخدها امريكا والسلطات العرقية لتعزيز الامن ببغداد واستقرار الوضع في عموم البلد، فالحالة الامنية المتفجرة في عدد من المناطق الحيوية، مازالت تهدد بتقسيم العراق واضمحلاله كدولة. واعمال الابادة الجماعية تتواصل وتتصاعد انشطة الجماعات الارهابية بكل اصنافها، وتطول اماكن مقدسة للمسلمين ولغيرهم من ابناء الاديان الاخرى وتدمر مؤسسات العلم وتفجر شوارعا بسكانها وتحرق مخازن بيع كتب واسواق باعة ورياض اطفال ورياضيين وصحفيين وكتاب، انه الارهاب بابشع اشكاله.ان اعداء المشروع العراقي الوطني، مازالوا يراهنون على احباطه واعادة عجلة التاريخ للوراء اعادة القوى المهزومة لكراسي الحكم. لمنع اطلالة المشروع العراقي الوطني الداعي الى بناء دولة القانون والتعددية.
لقد اثار وصول ممثلي المذهب الشيعي بكثافة لسدة الحكم بعد الاطاحة بالنظام الديكتاتوري، مخاوف اهل السنة التي ضخمتها اكثر القيادات السياسية بما في ذلك عناصر من بقايا النظام البائد، التي استخدمت ورقة السنة لتحقيق اهدافها. ان وصول احزاب شيعية لسدة الحكم في العراق سابقة غير معهودة بالنسبة لتاريخه،رغم انها تمت عن طريق انتخابات عتم على شرعيتها انها جرت في ظل تواجد قوات التحالف الدولي بهيمنة امريكية. وخلق الوضع الهواجس من ان التطورات ستؤدي لتهميش اهل السنة واغماط حقوقهم، وذهبت بعض التيارات منهم للاشارة الى المخاطر الناجمة عن تحالف بعض قوى المذهب الشيعي المتسيسة مع ايران، وانعكاساتها على هوية العراق العربية. ودون شك ان كل تلك المخاوف مشاعر مشروعة وتبتغي ايجاد حلول واقعية وخطوات فعلية لتبديدها. ، بيد ان جهود القوى الشيعية النافذة باعتماد مبدأ التوافق والمحاصصة في تقاسم السلطة، والبرهنة على عدم نيتها احتكارالحكم ورغبتها باشراك مجموعة كبيرة من القيادات التي تزعم تمثيل ابناء المذهب السني في الحكومة ومؤسسات السلطة الاخرى، لم تنجح في تطبيع الوضع السياسي واستتباب الامن.
ان هذا الواقع ناجم عن ان طبيعة تشكيلة السلطة القائمة بالعراق بكافة مؤسساتها لم تنل الدعم الكافي من الشعب العراقي بكافة اطيافه و لم تتحول الى حكومة شعب العراق باكمله. ان الامن يكون مفقودا حينما تشعر ولو بعض شرائح المجتمع بان حقوقها مهضومة وان النظام القائم لايمثلها، وان هناك حالة من الاغتراب بينها وبين السلطة القائمة. ان هذه الشرائح وبغض النظر عن انتمائها ستكون حتما ولغرض الدفاع عن مصالحها، حاضنة للقوى التي تمارس كافة اشكال العنف للاطاحة بالسلطة او عرقلة برامجها. وهذا ما حدث في بلدان عديدة ويحدث الان في العراق، حيث فشلت الحكومة هناك بكسب ثقة مكونات شعب العراق من دون استثناء، والتفاعل معها، ونيل الاعتراف بانها تمثل مصالحها، رغم تاكيد رئيس الوزرء نوري المالكي والرئيس الطالباني وغيرهم رفض الطائفية،وطموحهم لاقامة عراق ديمقراطي وتعددي، وليس ثمة شك بنواياهما.
بيد ان الشعارات السياسية والنوايا لم تكن في يوم من الايام وحدها الكافية لنيل ثقة الراي العام بالحكومة القائمة.
ان ادارك قضية احلال السلام والامن في العراق ووقف طاحونة الموت التي طالت الجميع تمر عبر تغير التركيبة السياسية في العراق. فالمهم ان لايقوم الحكم في العراق على اساس مذهبي ( سني او شيعي او عرقي). ان بقاء انظمة الحكم السابقة في بلاد الرافدين منذ فجر القرن العشرين لفترات طويلة، ورغم ان غالبية قيادتها كانت من ابناء اهل السنة، يعود الى انها لم تعلن عن نفسها بانها انظمة تمثل مذهب بعينه، كما يقوم به ساسة العراق اليوم الذين يؤكدون انتمائهم الشيعي بل ويستثمروه لاغراض سياسية وانما تحركت كقوة سياسية عراقية. فلم نسمع ان مليشيات مثلا مارست باسم المذهب ما في غضون العهود السابقة( السابقة) العنف في المدن اوفرضت عليها نظاما كما تقوم به المليشيات المذهبية اليوم، ولاغراض سياسية طبعا. لقد طرحت القوى التي تسنمت الحكم سابقا( وليس دفاعا عنها وانما تفسير اسلوبها في الحكم ورغم نزعاتها المذهبية/ الطائفية احيانا في التطبيق العملي) نفسها على انها قوى سياسية محضة لاتلتزم بمذهب معين ولاتفرط بحقوق أي من المذاهب طالما انه يتحرك في ظل القانون.
لا اود هنا تبسيط الامور، ولكن التطورات تشهد بوضوح على ان الحل الوحيد في العراق، الحل الذي يمكن ان يضمن وحدة العراق كدولة وشعب، يكمن في عزل الدين عن السياسة، ( مع الاحترام للدين ودوره الاخلاقي والروحاني ) في اناطة تطبيع الوضع للقوى السياسية البعيدة عن الخطاب الديني، وتشريع قانون يحرم تاسيس احزاب او جماعة سياسية على اساس ديني او مذهبي، وعلى رجال الدين الانسحاب للجامع والحث على عمل المعروف والنهي عن المنكر بمفهومه المعاصر، ومراقبة اداء رجل الدولة لمنعه من تجاوز القانون وانتهاك حقوق المواطنين.
ان احتكار قوى شيعية اوسنية الحكم او حتى الاتفاق بينها على المحاصصة او التوافق سيكون طريق مسدود بالنسبة للعراق ومهما كانت النوايا. ان التاريخ البشري برهن على ان المذاهب والاديان لاتتفق بينها ابدا، والافضل لها ان تتعايش بسلام رغم الاختلاف. هذه خبرة التاريخ وان تسنم بعضها السلطة سيثير حتما ضدها الطرف الاخر بغض النظر عن مدى تمسكه بالعدالة وتقاسمه السلطة. الطريق الوحيد ان تكون السلطة في العراق مدنية غير دينية ولامذهبية. ان وعي حزب بكل ذلك ربما يشكل بادرة امل للتطورات المقبلة في العراق. نبذ الارهاب والعنف والطائفية وقيام نظام قائم على احزاب سياسية غير دينية.