الحمد لله الحكم العدل، أمرنا بالقسط، ونهانا عن الشطط، وحثنا على الإنصاف، وذم الإجحاف، أحمده سبحانه فهو رب الثقلين ورب الأعراف، وأسأله أن يتجاوز عنا الخطأ والإسراف.
وبعد، فقد قال أبو عبدالله قدّس الله سرّه: ومن نكدِ الدُنيا على المرء أن يرى أقواماً لا يعرفون معنىً للإنصاف، فهم أهل للاستخفاف، إذ إنهم يجهلون طريق العدل، وما هم بقوامين بالقسط شهداء، ولا تراهم للبشر كالإسعاف، فما التزموا أخلاق الحجيج، وقد تعالى فيهم الضجيج، وقد هتكنا مقولاتهم، فآراؤهم متهافتة وقولهم خديج!
قيل لأبي عبدالله: نفع الله بعلومكم، هلا أسعفتنا بالمثال؟
قال: لقد تكاثر ذم بعضهم لمجلس التعاون الخليجي، وزاد نقدهم له، حتى لكأن الناس تغضب من زوجاتها، فلا تجرؤ على غير نقد المجلس، وتتحفظ على حكوماتها، فلا تستطيع غير التقليل من مجلس التعاون، وتخسف أسواق المال في دولها، فلا تنتصر لخسائرها بغير تصغير التعاون، وتحقير نتائج أعماله، وما ذاك إلا دلالة على شفافية المجلس، واستعداده غير المحدود لتعمير البيوت، ورأب الصدع في المجتمعات، وقبوله النقد، وقدرته اللامتناهية على سماع وجهات نظر المختلفين معه.
قيل لأبي عبدالله: لا أب لعدوكم، فما مميزات المجلس؟
فرد: ثكلتك أم جيرانكم، مازال علماؤنا وسادتنا وكبراؤنا يرددون علينا: التكامل...التكامل...التكامل...في باب ميزات المجلس، حتى ظننا التكامل أهم من الجار، الذي أوصى النبي بسابعه!
وصمتَ أبو عبدالله، ثم سحبَ نفساً، حتى ظننا أنفاسه قد انقطعت من أهمية ما سيقول، وأضاف غفر الله له ولوالديه: والذي نفسي بيده، ما أحسستُ أن أحداً يصدقُ عليه قول الشاعر، أكثر من مجلس التعاون، إذ قال:
laquo;أقِلوا عليهم لا أبا لأبيكمو
من اللومِ أو سدوا المكان الذي سدواraquo;!
أما وفاطر السموات والأرض، لقد أبعد الناس النجعة، فنسوا التكامل في مجلس التعاون، ولا اكتشفوا له طريقاً، ولا وجدوا شريف معانيه، وعظيم أسراره!
فلما سئل الشيخُ: كيف؟
أجاب: أما قرأتم مقالتي السابقة: laquo;معالي الشعب الكويتيraquo;!
تاللهِ ما كاد حبر laquo;كيبورديraquo; يجف، بما كتبتُه الأسبوع الفارط، وأنا أثني على كثرة التوزير في الكويت والأردن، في دلالة على حرص الكويت وعمّان، على المواطن، وتمكينه من لقب laquo;معاليraquo; بالتوزير، حتى أصدرت الرياض قراراً بالتجديد لمجلس الوزراء السعودي من دون تغيير وزير واحد، مدة أربع سنين جديدة، فما أوشك بعض السعوديين أن يعبروا استياء عن عدم التغيير، حتى انبريت لهم، لأؤكد تميز المجلس، عندما يتكامل، بكون الكويت تعين حكومات مدةً لا تزيد على اثني عشر شهراً، فيتداعى الجسد السعودي من خلال حكومة تستمر اثنتي عشرة سنة، فبين الشهر والسنة يكمن التكامل، وتتحقق التعددية، فلكأنهم يتمثلون نص ما ورد في الأثر: laquo;مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم، كمثل الجسد الواحد، إذا اشتكى منه عضو، تداعى له سائر الجسد، بالحمى والسهرraquo;!
قيل لأبي عبدالله: أفيكون التكامل، بتنفيذ خطط التنمية أم بخطة 4 4 2؟
قال: بل بتقفيل منطقة الدفاع والتركيز على الأجنحة!
فسئل: ولم الأجنحة تحديداً؟
فأجاب: للتشديد على عدم تفشي إنفلونزا الطيور في دول المجلس، وزاد وقد تهدل صوته خشوعاً: أدام علينا تكاملنا، ولا توقفت حناجرنا عن النشيد، خليجنا واحد، وربنا واحد، وتكاملنا واحد، وإنفلونزا طيورنا قليلة، ومنه قولهم بالمحلية: laquo;وش هالطويرات في داركم؟raquo;، تأكيداً على دفع الحسد!

معالي الشعب الكويتي!

الحمد لله الذي شابه دولاً بدول وإن لم تربط بينها حدود، وتتصل بأرض وقبائل وأُسرٍ وجدود. وبعد فقد زار أبو عبدالله الأسبوع الفارط بلاد الأردن، فما شغلته نسماتها الباردة، ولا هزه إقلاب بعض أهلها القاف كافاً، ولا بهرته إعلانات الشوارع، ولا ازدحام المركبات، ولا اقترابنا من القدس حتى لكأنك تشتم رائحتها. قيل لأبي عبدالله: فماذا شدّكم ولفت كريم نظركم غفر الله لكم؟
فأجاب لا أبا لمن لا يحبه: شدني أني وجدتُ بين الكويت وبين الأردن صلة أحسب أن أحداً لم يفطن لها قبلي، وما لاحظها مؤرخ، ولا توقف عندها محرر جريدة، ولا مراسل تلفاز، ولا كاتب عامود، ولا مُخبر مباحث، ولا كاتب تقارير، ولا عازف ألحان، ولا واضع سياسات، ولا متبّع أوامر، ولا مجتنب نواهٍ...
ولما فغر القوم أفواههم استغراباً، واصل الشيخ حديثه وزاد إفاضاته، وسكب شريف علومه فقال: laquo;إعلم أن في الكويت والأردن اتفاقاً على ميزة الانتصار للشعب، وتمييز المواطن، والعناية بالمنتمين إلى جنسية كل بلد منهما، والمنضوين تحت لواء علم كل دولة فيهما، فإن تساءلت عن الكيفية؟ أجبتك بأن الشعبين في الأردن والكويت، يوشكان عن بكرة أبيهما أن يستحقا لقباًَ ما ناله شعب من شعوب المشرق ولا المغرب.
فسئل أبو عبدالله: وما هو هذا اللقب نفع الله بك؟
فأجاب: معالي الشعب!
فقيل: كيف؟
فرد: من كثرة تغيير الوزراء، وتعاقب الشعب على الوزارة، حتى يوشك الشعب عن بكرة أبيه وأمه أن يصبح معالي.
قيل زدنا أيضاحاً...
فزاد: بخٍ...بخ...أما رأيت أن الحكومات في البلدين تتغير أكثر من مدربي كرة القدم في منتخبات دورات الخليج، ولعمري إن في التغيير مزايا لا يدركها إلا ذو الفطنة، فمنها أن الماء الذي لا يتغير مظنة أن يصبح آسناً، وأحسب الشاعر المتقدم إنما قال في تعاقب الحكومات في البلدين:
laquo;إنِّـي رأيتُ وُقُوفَ المــاءِ يُفْسِدُهُ
إنْ سَالَ طَابَ وإنْ لم يَجْرِ لـم يَطِبِ
والشمسُ لَوْ وَقَفَتْ في الْفُلْكِ دائمةً
لَمَلَّهَا النــاسُ مِنْ عُجَمٍ ومِن عَرْبِraquo;.
وإني لأنصح كل وزير أن يضع هذين البيتين نصب عينيه على مكتبه في الوزارة، حتى لا يظنن للحظة أنه مقيمٌ، وعليه أن يقصر صلاته، للتأكيد على معنى الرحيل، وأن يجعل في مكتبه حقيبة سفر، حتى لا يسوده إحساس الحضر.
فسأل بعض التلاميذ: فكيف ينفذ الوزراء خطط التنمية في ظل قِصر فترات وزارتهم يا أبا عبدالله؟
قال أبو عبدالله وقد خشي أن يفهم كلامه خطأً: لا حاجة لخطط التنمية، ويكفيهم أن يطبقوا خطة 4ـ4ـ2!

[email protected]