السيد (و) والسيدة (م) زوجان شابان يحمل كل منهما شهادة جامعية مرموقة، بعد عقد قرانهما الميمون يمما شطر إحدى الدول التي أنعم الله عليها بفائض من الذهب الأسود بغية جمع ما تيسر من القرش الأبيض كي يعودا به إلى الوطن فيبتاعا دارا وما يلزمها من دثار.
الذي حصل أنه على الرغم من التكافؤ الاجتماعي والثقافي والمهني لدى الزوجين إلا أن الزوجة قد أصيبت بخيبة أمل مريرة بزوجها إذ كان لا ينفق إلا وهو كاره ولا يعطيها إلا الفتات.
صبرت الزوجة على التقتير وضيق العيش واعتمدت على ما تكسبه هي من رزق ولكن السيد (و) كان ذا مزاج غريب أيضا إذ كان يغضب كثيرا ولأسباب تافهة وإذا غضب انسحب وعبس وبسر وصمت لبضع أيام دون تفسير.
جهدت الزوجة على أن تصبر وتحتمل التقتير في المال والشح في العواطف حتى طارت ذات يوم وحطت في الوطن بين أبويها وذويها ولم تعد.
أقامت السيدة (م) دعوى على الزوج السيد (و) للحصول على مؤخر الصداق ونفقة لطفلها واستجارت بمحام لامع حاذق ماهر، ولكن السيد (و) ما لبث أن استجار بمحام أشد لمعانا وأكثر حذقا وأعظم مهارة، وقدم اعتراضا أن الزوجة لا تستحق مؤخر الصداق لأنها هي من طلب الطلاق، كما أن الزوج ليس بمقدوره الإنفاق على طفله سوى دراهم معدودة لضيق ذات اليد، وهكذا استدعت المحكمة اثنان من أقرباء الزوج للشهادة له أو عليه.
أحد الشاهدين كان الحاج (أ) وهو عم الزوج، والحاج (أ) لم يأخذ لقبه عبثا فقد حج للديار المقدسة عشرات المرات بين حج وعمرة كما أنه صائم قائم لا يدخر وسعا في إسداء المواعظ والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر...
وقف الحاج (أ) أمام هيأة المحكمة الموقرة شاهدا أن ابن أخيه ليس بوسعه الإنفاق على طفله سوى مبلغ زهيد على الرغم من علمه أنه كان يتقاضى عشرة آلاف قطعة نقدية.
كان أبو أحمد يدلي بتفاصيل شهادته المقنعة ببراعة فائقة كبراعة الترزي الماهر الذي يحيك لباسا متقنا وهكذا خرج الاثنان من المحكمة وقد تسربل السيد (و) بلباس المظلوم أما الحاج (أ) فقد شاء لنفسه أن يتخذ لبوس الظالم.
الذين آمنوا ولم يلبسوا إيمانهم بظلم أولئك لهم الأمن وهم مهتدون* الأنعام *82
والوعد هنا بالأمن وعد عظيم يبهج النفس ويثلج الصدر من الله الذي لا يخلف الميعاد
وإذا كان الله قد وعد المؤمنين بالأمن يوم الوعيد إلا أن الإيمان شرط لازم ولكن غير كاف لأن لباس الإيمان قد يتسخ أو قد يتشح بوشاح الظلم وعندها لن يكون مصير الحاج( أ) إلا مصير الظالمين.الضالين.
قصة أخرى عن السيدة (ك) التي كان يمكن تصنيفها أيضا من المؤمنات لولا أن شاءت أن تلبس ذات الثوب الذي ارتداه الحاج (أ) فهي كذلك صائمة متعبدة كثيرة الإنفاق على المساكين والضعفاء ولكن عندما طلق ابنها زوجته شهدت ليس أمام المحكمة ولكن بين الأصدقاء والأقارب بأن زوجة ابنها متكبرة ومغرورة لما كان يبدو عليها من علامات الكآبة مع أنها كانت على علم وثيق أن ابنها كان ليس له رغبة في النساء لسبب ما!!!!
لقد اختارت السيدة (ك) الظلم لباس عندما أعرضت عن الامتثال لأوامر الله: وإذا قلتم فاعدلوا ولو كان ذا قربى.
وهكذا فكل إنسان يرتدي لبوسا من صنع يديه وما ربك بظلام للعبيد.
ليس الأفراد فحسب من يختارون لباسهم. فالقرآن يشرح لباس الأمم أيضا
والله قد يستبدل لباس الأمم فتتسربل بدثار الجوع والخوف عوضا عن لباس الرغد والعيش الهنيء وأسوأ لباس يمكن أن تتخذه الأمم عندما تسعى لحتفها بالحروب الأهلية والخلافات الطائفية ويقتل الانسان أخيه للاسم أو للمذهب.
وضرب الله مثلا كانت آمنة مطمئنة يأتيها رزقها رغدا من كل مكان فكفرت بأنعم الله فأذاقها الله لباس الجوع والخوف بما كانوا يصنعون * النحل *112
و من اللقطات الرائعة في هذا المجال- اللباس- حسب الوصف القرآني تشبيه الزواج باللباس و أحلى ما يميزه أن يكون مناسبا لصاحبه إن كان قصيرا أو طويلا أو بدينا أو نحيفا فعنوان الجودة هنا لا يقررها الجمال المطلق للباس بل تلبية الحاجة وهذا ما أقره القرآن.
*أنتم لباس لهن وهن لباس لكم* وتعبير لباس تعني أنه يؤدي الغرض ويوفي الحاجة بغض النظر عن السلبيات بل لعل سلبيات أحد الزوجين تتفق وسلبيات الطرف الآخر لأن التوافق الزوجي نسبي وليس مطلقا.
واللباس في المنظور الإسلامي يعكس سريرة الإنسان وعمله وانتماءه ومذهبه فالجندي له لباس والعامل له لباس وكذلك فأهل التقوى لهم لباسهم.
يا بني آدم قد أنزلنا عليكم لباسا يواري سوآتكم وريشا ولباس التقوى ذلك خير
وكما أن اللباس أحيانا جزاء وعطاء من الله وهوية لأهل النعيم.
يحلون فيها من أساور من ذهب ولباسهم فيها حرير* كذلك اللباس قد يكون عقابا وعذابا لأولئك الموصوفين أن: سرابيلهم من قطران
وإذا استعاض الحاج(أ) والسيدة (ك) بلباس الحرير آخر من قطران فإن ذلك بما كسبت أيديهم ونسجت وكما يقرأ الانسان كتابه بنفسه لتكون عليه حسيبا فإن لباسه سوف يشهد عليه ما اقترفت يداه.