من مفكرة سفير عربي في اليابان

لفت نظري لموضوع المينا مقال قرأته في مجلة الايكونوميست البريطانية المؤرخة في 17 مارس 2007 بعنوان، نحن فقط أصدقاء- صدقني، يناقش الاتفاق الأخير بين اليابان وأستراليا على خطة أستراتيجية أمنية واقتصادية، توازي الخطة المشتركة بين اليابان والولايات المتحدة بعد الحرب العالمية الثانية. واندهشت حينما أكتشفت بأن استطاعت اليابان أن تبني خطط استراتيجية مصيرية مع هذه البلد التي تبعد عنها أكثر من ثمانية الف كيلومتر مربع، وتختلف عنها ثقافة ودين، بل وقد حاولت غزوها في الحرب العالمية الثانية، ونحن كدول عربية لم نستطع حتى الان أن نطور علاقاتنا مع جيراننا الذين يجمعنا بهم التاريخ والدين والثقافة والجوار.
المينا هو مصطلح غربي استخدمه البنك الدولي ليصف به مجموعة دول الشرق الأوسط وشمال أفريقيا وهي أساسا الدول العربية وإيران وتركيا وأفغانستان. وتعتبر هذه الدول ذات صفات اقتصادية معينة، وقد تكون مهيأة للمشاركة في أسواق اقتصادية مستقبلية. فقد يصل قريبا عدد سكان هذه المنطقة لحوالي النصف مليار، وبها خيرات طبيعية متعددة، وتاريخ ودين وحضارة مشتركه، وذات موقع استراتيجي، وفيها أعلى احتياطي عالمي من الطاقة. والسؤال الملح هل الظروف الحالية مناسبة للاستفادة من هذا التجمع المقترح؟ وهل سنبدأ العمل من خلال هذا الأقتراح الغربي، لنوجد سوق مشتركة؟ ألم يستعمل شعب اليابان هذه السياسة، فتحمل قوانين وأنظمة واقتراحات المحتل الأجنبي، وعمل من خلال جسوره وكسب ثقته، ونقل على نفس هذه الجسور التكنولوجيا والعلوم الغربية لبلده وطورها.
يعتقد البعض بأن هناك محاولات لزرع شرخا بين الشعب العربي بتقسيمه لعدة مذاهب، وعدة أجناس، وعدة دويلات، وعدة فرق ذات مصالح اقتصادية محدودة وضيقة، بل وتحاول أن تفتت البلد الواحد لعدة دويلات صغيرة ضعيفة، فهل سننتبه لذلك؟ وهل سنعي لهذه الخطط ونستفيد منها كفرصة لتوحيد صفوفنا. فهل من مصلحتنا أن نجمع الدول العربية وتركيا وايران، وربما في المستقبل افغانستان -البوابة الهامة لسوق أسيا- في سوق مشتركه؟ لقد بدأت تتفهم تركيا بأن مصالحها ترتبط بالشراكة مع دول تجمعها بها تاريخ ودين وثقافة. كما وعى الشعب الايراني بأن مستقبله الاقتصادي مرتبط بمستقبل جيرانه، وليس أمامه خيار في عالم العولمة الجديد إلا المشاركة.
والسؤال الهام هل سنبداء العمل لخلق سوق مشتركة لدول المينا؟ ألن تقربنا هذه السوق للعمل معا وتبعدنا عن شبح الحرب والدمار؟ وهل سنستفيذ من موارد الطاقة الموجودة لنقوي رباطنا واقتصادنا؟ فمن المعروف بأن تجتمع منطقة المينا في أهميتها الأستراتيجية بانتاج الطاقة، ومن الممكن الاستفادة من ذلك لوضع إستراتيجية موحدة للطاقة وبالأخص مع اليابان. حيث تستورد اليابان حوالي 90% من النفط والغاز الطبيعي من منطقة المينا، كما أن 65% من احتياطي النفط و 45% من احتياطي الغاز الطبيعي العالمي موجود في هذه المنطقة. ويعتمد اقتصاديات الكثير من هذه الدول على موارد الطاقة، ومن المتوقع وحسب الدراسات العلمية بأن تنتهي هذه الموارد بحلول عام 2100. فما سيكون مصير هذه الدول بعد ذلك؟ فهل من واجبنا أن نحافظ على هذه الثروة التي أنعم الله علينا بها، وأن نستفيد مهنا بأفضل الطرق الممكنة؟
حينما نستعمل النفط والغاز في عملية الاحتراق لإنتاج الطاقة، يستهلك أكسجين الهواء ويزيد غاز ثاني أكسيد الكربون. فباستهلاك هذا النوع من الطاقة نزيد من حرارة الأرض، فيذوب الجليد القطبي، ويرتفع مستوى الماء في البحار والمحيطات، ويؤدي ذلك للسيول والفيضانات، وزيادة الرياح الحارة والطوفان، ويترافق بجفاف شديد في الغابات واحتراقها. فهل من الممكن أن نتوقف عن حرق النفط؟ وما هو البديل؟ فما فائدة النفط أن لم نستهلكه ونبعه؟ عزيزي القارئ، النرويج ثالث دولة مصدرة للنفط في العالم، وأكثر من 70% من حاجتها للطاقة تنتجها من التربينات الهيدروليكية التي تعمل بتيار مياه الأنهار والبحار والرياح. وتصدر النفط، وتستعمله في صناعات تحولية تزيد من سعر النفط أضعاف مضاعفة. ولأعطي عزيزي القارئ مثلا ألياف الكربون، فمادة النفط مليئة بذرات الكربون، ويمكن تحويل هذه الذرات إلى ألياف كربونية. ومن الممكن الاستفادة من ألياف الكربون في جميع الصناعات من أجسام الطائرات والسيارات إلى الأجهزة الكترونية ومحطات الكهرباء النووية، وربما في المستقبل في البناء. وهي مادة أقوى من الحديد ولكنها خفيفة جدا، ويمكن تشيكلها كما نشاء وبقليل من استهلاك للطاقة.
وقد تتساءل عزيزي القارئ وكيف سنولد الطاقة؟ وهنا ممكن الاستفادة من التجربة اليابانية بشكل جميل. فإستراتيجية الطاقة في اليابان تعتمد على قلة الصرف، وتكرار الاستعمال، وإعادة دورة النفايات. فلا يمكن أن يكون مصباحا مضيئا ان لم يؤدي وظيفته. فمن الأخلاقيات المجتمعية الأساسية أن نطفئ المصباح إذا لم نحتاج اليه. وفي الأماكن العامة يضيء المصباح بالعين السحرية الالكتروني وينطفئ. وقد وضعت قوانين لضبط صرف الطاقة، فمثلا صدر قرار من مجلس الوزراء الياباني بأنه يجب على الموظفين في الصيف أن لا يلبسوا المعطف وربطة العنق، وبذلك القرار رفعوا درجة حرارة المكاتب درجتين فرنهايت، مما أدى لتخفيض الاستهلاك بشكل كبير. وأما عن أعادة الاستهلاك، فقد أوجد اليابانيون نظام يجمعوا من خلاله كل الزيوت الباقية من القلي في المطاعم، وتحويلها إلى زيوت لاستعمال الطاقة. فمن المعروف بأن شعب اليابان يحب أكلة التمبورا. وهي أكلة يقلى فيها الخضار والأغذية البحرية بعد تغطيتها بطبقة من الطحين وإضافاتها. ويستهلك شعب اليابان كمية هائلة من الزيت لهذه الطبخة، ولا يكررون استعمال الزيت للحذر من احتواءه على مواد مسببه للسرطان بعد تكرار حرق الزيت بالقلي، وبذلك يستفيدون من كمية كبيرة من الزيوت، التي كانت تلقى في النفايات سابقا، لإنتاج الطاقة. كما تساعد الأنظمة اليابانية القطاع الخاص لإعادة تصنيع أية مادة من النفايات، كل شيء الورق والبلاستك والزجاج والأخشاب والكربون وكل شيء يمكن أن تتصوره.
لقد أستعمل ألإنسان قديما، الشمس والرياح والماء والبحر والخشب لتوليد الطاقة. ومع اكتشاف الفحم الحجري والنفط والغاز الطبيعي تحولت هذه المواد لعناصر أساسية لإنتاج الطاقة. وبسب الإمطار الحمضية وارتفاع درجة حرارة الكرة الأرضية بدأ العلماء يؤكدون على ضرورة الرجوع للقديم والاستفادة من الطاقة الشمسية الماء والهواء والنباتات في أنتاج الطاقة المستقبلية. ولن يترافق استهلاك الطاقات البديلة الشمسية والمائية والهوائية بمخلفات ملوثة للبيئة ولا لرفع حرارة الكرة الأرضية. والاستفادة من النباتات سيساعد على تطوير الزراعة ومن المعروف بأن النباتات والأشجار تستهلك ثاني أكسيد الكربون وتقلل نسبته في الهواء، كما تنتج كمية كبيرة من غاز الأكسيجين الذي يضاف لطبقة الهواء الجوي.
وتصرف اليابان أكثر من ثلاثة ملايين دولار سنويا في الأبحاث المتعلقة بالطاقة وتعادلها في ذلك الولايات المتحدة، أما الدول الأوربية فتصرف اقل بعشرات المرات في هذا المجال. ولذلك تطورت التكنولوجية اليابانية في تقليل صرف الطاقة. فمثلا تستهلك الولايات المتحدة 2.9 وحدة طاقة لتنتج وحدة واحدة من الإنتاج ألإجمالي المحلي. بينما تستهلك اليابان وحدة واحدة من الطاقة لتنتج وحدة واحدة من الإنتاج المحلي ألأجمالي، بمعنى أن الولايات المتحدة تستهلك ثلاثة أضعاف ما تستهلكه اليابان لتنتج نفس الكمية من الإنتاج المحلية. تواجه التكنولوجيا اليابانية قوانين صارمة لانتاج أجهزة تستهلك كمية قليلة من الطاقة النظيفة. والتكنولوجية اليابانية متطورة في الاستفادة من طاقة الشمس والرياح والماء. فقد أدخلت التكنولوجية اليابانية العدسات لتركيز كمية كبيرة من أشعة الشمس والاستفادة منها، كما يمكن توجيهه هذه الأشعة المركزة على لوحات السيلكون لتحويلها إلى طاقة كهربائية واستهلاكها أو تخزينها في بطاريات متطورة. والكثير من المنازل في القرى والمدن الصغيرة تعتمد على الطاقة الشمسية لتوليد الكهرباء. وتكنولوجيا الاستفادة من الرياح متقدمة أيضا، وهناك محطات كهربائية موزعة على مختلف مناطق اليابان تعتمد على طاقة الرياح. وبدأت الأبحاث في تطوير محطات مولدة للكهرباء تعتمد على أمواج البحار، أما الطاقة الهيدروليكية النهرية فهي متطورة ومنتجة للكهرباء منذ زمن. وتمتلك اليابان تكنولوجية متقدمة في أنتاج الطاقة الكهربائية من المفاعلات النووية.
أما عن أنتاج الطاقة من النباتات والأشجار فقد حققت البرازيل خطوات متقدمة في الاستفادة من قصب السكر في أنتاج كحول الاثينول لاستعماله لإنتاج الطاقة. كما طورت الولايات المتحدة صناعة أنتاج كحول الأثينول من الذرة، وذلك بطحن الذرة ومزجه مع الماء وتخميره لتتحول مادة السكر إلى كحول الأثينول. ومن الجدير بالذكر بأن الذرة تحتاج إلى وحدة واحدة من الطاقة لإنتاج وحدة وثلث من الطاقة، بينما يستهلك قصب السكر وحدة واحدة من الطاقة لينتج ثمان وحدات طاقة ، ويستهلك خشب الأشجار وحدة واحدة من الطاقة لانتاج ستة عشرة وحدة. أي أن خشب الأشجار يمكن أن ينتج ضعف ما ينتجه قصب السكر، واثنى عشر ضعفا عما تنتجه الذرة. وقد قام علماء الهندسة الوراثية بدراسة أفضل الأشجار المنتجة للطاقة. وتجري الأبحاث في الجامعات اليابانية لأكتشاف جينات نمو يستطيعوا العلماء من خلالها أنتاج أنواع من الأشجار الجديدة التي تنمو بسرعة وتنتج كمية كبيرة من الطاقة. وتقوم المصانع اليابانية حاليا بجمع نفايات الأخشاب وتفتتها، وتضيف عليها مواد تسمى بالإنزيمات تؤدي لتحلل نشارة الخشب لأجزاء صغيرة جدا من السيليلوز ومن ثم تحولها للكحول الاثيلي وهي المادة السائلة المنتجة للطاقة. واستهلاك الأشجار في توليد مواد الطاقة سيشجع زراعة الطاقة التي ستساعد لتقليل ثاني أكسيد الكربون في الهواء باستهلاك هذه الأشجار لهذا الغاز وإنتاج كميات كبيرة من الأكسيجين للهواء. ولنتعرف أخيرا على شبكة الكهرباء الجديدة المسمى بالألكترانت. فالألكترانت شبكة كهربية توزع الكهرباء على مجموعة كبيرة من المباني والبيوت، وتغديها محطات الطاقة البديلة الشمسية والهوائية والنهرية وغيرها. ومن المتوقع أن تكون لها دور مماثل لدور الأنترنت ويكون تطورا مهما في مجال الطاقة المستقبلية.
فهل سنتدارس السوق المشتركة للمينا واستراتيجية للطاقة مع اليابان؟ تستورد فيها اليابان النفط والغاز ونحن نستورد المعلومة للحفاظ على الطاقة، والتكنولوجيا المنتجة للطاقة النظفية ونطورها حسب بئيتنا الحارة. وتصور عزيزي القارئ لو توفر الألكترانت والأنترنت للجميع، ولو طورنا التعليم لحل المعضلات، ألن نلحق بسباق التقدم الحضاري الأنساني ونساهم فيه.

سفير مملكة البحرين في اليابان