لأول مرة تتخذ القمة العربية بإجماع أعضائها قرارا عمليا واقعيا من قضية الصراع العربي الإسرائيلي، وتشكل لجنة لتفعيل هذا القرار، ومتابعته مع الأمم المتحدة والقوى الفاعلة واللجنة الرباعية، لإيجاد حل نهائي، وتكوين دولة فلسطينية مستقلة قابلة للحياة، تفتح أيضا أبواب التنمية في البلدان العربية، وتنهي عذابات الفلسطينيين الذين تحولت حياتهم في السنوات الأخيرة إلى فقر متقع وخوف وجحيم ونار.
كما أنها القمة العربية الأولى التي تدعو لتغيير مناهج التعليم، ونأمل أن يكون تغيرا في العمق، تعليميا وتربويا، منفتحا على الآخر، وعلى كافة العلوم والثقافات، يخدم القضايا الإنسانية والاجتماعية والوطنية، وينشر ثقافة المحبة والتسامح والتعاون والمواطنة، ويلغي ثقافة الكراهية والتخويف والتكفير والعدوان، ويخفف من نسبة الأميين في البلاد العربية.
لكن قضايا عربية عديدة وهامة، تهدد حياة ومعيشة المواطنين، وتقض مضاجع الحكومات العربية والمجتمع الدولي، ما زالت عالقة، ولم تنجح القمة العربية في حلها وإيجاد مخرج لها.
فرغم كل المحاولات والمساعي التي بُذلت لم تستطع القمة العربية إيجاد حل يُخرج لبنان من أزمته المستعصية، وأكاد أقول أنه لن يخرج منها ألا إذا تغيرت موازين القوى. ولذلك تركت القمة هذا الملف على حاله، على أمل حدوث شيء ما، يحلحل الأمور في هذا البلد الذي يتصارع أبناءه على هويته وولاءاته، والذي إن ظل هكذا، فلن يمضي وقت طويل حتى يتوقف لبنان عن التنفس. والخشية أن يكون ما يجري هو تفتيت هذا البلد وتذويبه على نار هادئة.
كما إن القمة العربية لم تنجح في إيقاف الحرب الدامية، التي طال أمدها بين الحكومة اليمنية والحوثيين، تلك الحرب التي حصدت حتى الآن آلاف الأرواح من المواطنين اليمنيين، والحبل ما زال على الجرار.
كما لم تجد قمة العرب حلا للفاجعة الإنسانية التي تحصل وما زالت مستمرة منذ عدة سنوات في دارفور، والتي عدا عن الجرائم الإنسانية التي ارتكبت وترتكب بحق الشيوخ والنساء والأطفال، شردت ملايين السودانيين، وأودت بحياة مئات الآلاف منهم.
وسوى التمنيات والأمنيات لم تقدم القمة العربية للعراق شيئا، ولم تستطع أن تجد مخرجا للحرب الأهلية السنية- الشيعية في هذا البلد العريق، على أمل حدوث شيء ما أيضا يوقف تلك الحرب اللعينة، وإلا فإن رياح الطائفية والمذهبية ستذري النيران الحارقة في كل المناطق العربية والإسلامية.
ولا أظن أن القمة العربية قد تعمدت الابتعاد عن هذه القضايا التي تسيء لسمعتنا وتخرب بلادنا بحجة عدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول العربية، لأن جميع هذه القضايا قد دوّلت، وأصبحت منذ زمن ليس بالقصير على رأس اهتمامات المجتمع الدولي، وجدول أعمال الأمم المتحدة ومجلس الأمن.
قضية أخرى يعاني منها مواطنو البلدان العربية تجاهلتها القمة العربية. ولم تتطرق إليها لا من قريب ولا من بعيد. وهي قضية الديمقراطية، وحقوق الإنسان العربي المستباحة إرادته، والمسحوق معيشيا، والمقموع فكريا وأمنيا ودينيا وأثنياً، رغم ادعاء الحكومات العربية تمثيله ورعايته وخدمة مصالحه.
ولكن لا بد من الاعتراف أن جميع هذه القضايا التي أهملتها القمة العربية، أو فشلت في معالجتها وإيجاد حلول لها، هي أمراض وآفات مستعصية مزمنة لا يمكن للقمة مداواتها. أو لعل الطبيب العربي غير قادر على معالجتها.
[email protected]