أصبح واضحا ضمن مسيرة الحراك السياسي للأحزاب العربية في مختلف أقطار العرب، أن هناك علامة تميز مسيرة الأحزاب ذات الخلفية الإسلامية خاصة التي خرجت بشكل رسمي أو خلسة من تجمعات الإخوان المسلمين في مصر، هذه العلامة التي أصبحت ماركة تجارية مسجلة باسمها بامتياز هي التجرؤ على كل الثوابت والبديهيات ، فطالما هذه الأحزاب لها خلفية إسلامية فهي عندهم أن التمسح بالإسلام يعطيهم ( وكالة شرعية ) للتصرف والنطق والحكم باسم الإسلام بشكل لا يخلو من الحقد والتهجم على كل من يخالفهم أو لا يبصم على أجنداتهم التي هي في الغالب ليست وطنية. وهذه المواصفات أكثر ما يمكن لمسها ومعاينتها في مسيرة الإخوان المسلمين في مصر والأردن، وذلك بحكم الجوار الجغرافي بين مصر والأردن من خلال قطاع غزة والضفة الغربية حيث كانت الجماعة في قطاع غزة تحديدا امتدادا رسميا و شرعيا لإخوان مصر. فمثلا رغم أن جماعة الإخوان المسلمين محظورة وغير قانونية في مصر، إلا أنهم يتحركون فوق وضد القانون الذي يسمح لهم بالمشاركة في الانتخابات بالاسم الشخصي للفرد ، وفي الأردن كانت هذه الجماعة قانونية ورسمية منذ عام 1948 وتعمل كجماعة خيرية وليس حزبا سياسيا، وهم يعترفون أنهم نشأوا في ظل العرش الهاشمي ولم يتعرضوا قبل عام 1990 لأي مضايقات أو ممنوعات ، ومع التعدد السياسي والانفتاح الديمقراطي الذي بدأه المرحوم الملك حسين عام 1989 ، أسست هذه الجماعة رسميا حزبها السياسي باسم ( حزب جبهة العمل الإسلامي )، وما إن حصلت الجماعة على الترخيص الرسمي لحزبها تغير سلوكها وممارساتها في الساحة الأردنية، فتميز هذا السلوك بصفتين هما : الأولى هي التعالي على الجميع بما فيهم الحكومات الأردنية المتعاقبة وكافة الأحزاب السياسية الأردنية المرخصة مثلهم، وبدا ذلك واضحا في التصريحات المنفرة خاصة لمن يطلق عليهم المرشد العام وآخرهم زكي بني إرشيد الذي لو نطق بواحد في المئة من هذه التصريحات في الجارة سورية لاختفى من الحياة والوجود منذ سنوات. أما الصفة الثانية فهي اعتقادهم طالما أنهم يتصرفون ويحكمون باسم الإسلام ووكلاء لله تعالى في الأرض، فعلى بقية الأحزاب الأردنية أن تكون جاهزة لأي نداء من حزبهم والاجتماع فورا في مقرهم للتوقيع على ما يريدون باعتبار أن أوامر الله تعالى وتعاليمه لا تناقش ولا تفند وهي للتطبيق الفوري العاجل.
موقف شجاع للمعارضة الأردنية
وضمن هذا السلوك المتعالي وصاحب توكيل الوصاية البشرية والإلهية ما انفك حزب جبهة العمل الإسلامي المرخص أردنيا كحزب أردني ، يتدخل في الشأن الفلسطيني تحديدا الموالي والمناصر بشكل أعمى لحركة حماس الفلسطينية ، وهذا ما يخالف الدستور الأردني وكان سبب أزمة بعض أعضاء قيادة حركة حماس الذين يحملون الجنسية الأردنية منذ سنوات، فخرج منهم من أصرّ على عضويته في حركة حماس، وعاد منهم كمواطن أردني من ترك الحركة وعضويته فيها كما فعل إبراهيم غوشة. وما إن انتهى النصر الإلهي والتحرير الثاني الذي أنجزته حماس في قطاع غزة حتى ظهر تعالي ووصاية حزب جبهة العمل الإسلامي الأردني بشكل لا يخلو من الغرور على الجميع بما فيهم أحزاب المعارضة الأردنية، فقد دعا حزبهم الموكل من الذات الإلهية وبشكل عاجل إلى ما أطلق عليه ( الملتقى الوطني ) quot; لإطلاق مبادرة لحل الأزمة الفلسطينية quot; حسب تعبيرهم وذلك بعد أن أيدوا كافة التصرفات الهمجية والإعدامات والحرق والنهب والتدمير الذي مارسه فرعهم ( حماس ) في قطاع غزة. وإزاء هذا التدخل المنحاز سلفا، قررت أحزاب المعارضة الأردنية مقاطعة هذا الملتقى الوطني اسما فقط ، وذلك ردا على ( عدم حيادية الجماعة وحزب الجبهة كطرف داع و داعم لحركة حماس ومبررة لأعمال القتل والعنف الذي ارتكبته حماس في احتلالها لقطاع غزة وفصله عن الضفة الغربية ) كما جاء في بيان أحزاب المعارضة. وأعلن الدكتور منير حمارنة ( أن أحزاب المعارضة باستثناء حزب الوحدة الشعبية ، قررت مقاطعة الماتقى وأنها اتفقت فيما بينها على هذا القرار )، وقد شدّد قياديون في هذه الأحزاب ( رفضهم المطلق للتبصيم على أي مشروع جديد يحاول الإسلاميون ومن ورائهم حزب جبهة العمل الإسلامي تمريره لتبرير أعمال القتل والإعدام والدمار والإهانة التي ارتكبتها حماس بحق النضال الوطني الفلسطيني ) ، هذا وقد تأكد أن 12 حزبا معارضا ، ( أصرت على تفويت الفرصة على جماعة الإخوان المسلمين وبالأخص ذراعها السياسي حزب جبهة العمل الإسلامي ، الالتفاف على الموقف المشترك والثابت للجنة التنسيقيه إزاء إدانتها الكاملة لما يجري في غزة وتحميلها حركة حماس المسؤولية عن الدمار والقتل والعنف التي ارتكبت باسم تحرير غزة الثاني من أيدي مناضلي ومجاهدي القضية الفلسطينية )، ومن هذا يتضح مراوغة وخداع حزب جبهة العمل الإسلامي في الأردن الذي يحاول الاتفاق العام في لجنة التنسيق لأحزاب المعارضة على أمر ما ثم الالتفاف عليه لدعم فرعه المتمثل في حماس غزة. وقد كان موقف أحزاب المعارضة جريئا للغاية في نفس السياق ، عندما طالبوا الحركة الإسلامية ومن وصفوهم بالانفعاليين فيها ( بعدم المحاولة لنقل ما يجري من صراع في الأراضي الفلسطينية وغزة إلى الساحة الأردنية، مؤكدين التفافهم حول القيادة الهاشمية التي ما توانت للحظة عن تقديم الدعم والمساندة للشعب الفلسطيني وقضيته العادلة وحقوقه المشروعة ) وقد شدّدوا على ( أن الأمن في الأردن خط أحمر لن يسمح لأية جهة أوحزب أو طرف المساس به لخدمة حالة التفهم والتبرير التي يسوقونها ) ، وطالبوا أيضا قيادات الحركة الإسلامية وحزبها السياسي ب ( الكف عن المزايدات على مواقف الدولة الأردنية القومية المتصلة بالقضية الفلسطينية ).
للمرة الأولى تقف أحزاب المعارضة الأردنية هذا الموقف الجرىء الشجاع في وجه قوى التفرد والإلغاء لكل من لا يأتمر بأوامرهم الإلهية، ومن شأن تصعيد مواقف أحزاب المعارضة الأردنية هذه أن يكسبها الاحترام والتقدير والفعالية في الشارع الأردني الذي لا يحتاج لانفعالات تدميرية جديدة، لأن الجوار الأردني الجغرافي مع الضفة الغربية، يستدعي الحكمة و الحيادية وهذا ما تؤكد عليه القيادة الأردنية دوما من حيث دعم الشرعية الفلسطينية، هذه الشرعية هي السلطة الفلسطينية المنتخب رئيسها محمود عباس من قبل الشعب الفلسطيني على برنامج سياسي واضح، لا يحق لأحد بما فيهم حماس الانقلاب عليه. إن التصعيد الكلامي في البيانات شبه اليومية من قبل حزب جبهة العمل الإسلامي في الأردن لا يخدم المسيرة الديمقراطية والتعددية الحزبية في الأردن ، ففي أعرق الدول الأوربية لا يتدخل أي حزب أوربي فيما يجري في دولة أوربية أخرى، والعلاقات الدولية متروكة للحكومات فقط. وفيما يتعلق بشرعية حماس أو عدمها فهذا شان فلسطيني بحت ، إلا إذا أعلنت حماس قيام دولتها الخاصة في قطاع غزة ، عندئذ يترك لكل دولة تحديد موقفها من هذه الدولة ، أما طالما ما يجري في القطاع شأن داخلي فلسطيني فلا يحق لأي تنظيم أردني أو عربي أن يتدخل فيه بالشكل الفوقي الآمر الناهي كما يريد حزب جبهة العمل الإسلامي الأردني.
الدكتور منير حمارنة...أحزاب المعارضة الأردنية...موقف شجاع وجريء من شانه تحجيم هذه القوى التي لا يهمها تعميق المسيرة الديمقراطية في الأردن بقدر حرصها على مكتسباتها الشخصية والتنظيمية ، وليتهم يتعلمون من بعض الدول العربية التي لا يسمح لإخوانهم المسلمين مجرد ذكر أنهم من الإخوان المسلمين. ليس مطلوبا مسايرة النظام أي نظام ، ولكن في الحالة العربية المطلوب ترسيخ الحراك السياسي الذي يوسع آفاق الممارسات الديمقراطية تحت سقف القانون خاصة إذا كان كما هو ممارس في الأردن يسمح بتشكيل الأحزاب وكافة نشاطاتها، أما الهيمنة والتفرد الذي يريد الإخوان المسلمين ممارسته في الأردن وغيرها من الدول العربية، فلا يخدم الديمقراطية ولا يسمح بممارسته في أعرق الديمقراطيات الأوربية، لأن توجه هذه الأحزاب هو التفرد وإلغاء الآخر والتعامل بدون أية نسبة من الديمقراطية مع الغير أفرادا وأحزابا، وهذه صفة لازمة لأية أحزاب دينية تعتقد أنها تحمل وكالة من الله في أرضه ، وقد عانتها الدول الأوربية من الأحزاب التي كانت كنسية قبل قرنين من الزمان.
[email protected]
التعليقات