لا أدري ما الذي يدور في جمجمة الانتحاري الذي قذف بنفسه وقتل ظلما وعدوانا مجموعة من السياح الأبرياء، ومرافقوهم من اليمنيين، بالقرب من معبد ملكة سبأ في مأرب.. لكن الذي أنا مقتنع به، هو أن هذا القاتل هو نتاج المدرسة العربية التي مجدت أمثاله من الانتحاريين الذين انتشروا في بقاع الأرض، بعد أن حصلوا على شهادات دخول الجنة من الفقهاء والإعلام العربي..
حذرنا كثيرا، من أن خريجي هذه المدرسة التي لا تؤمن إلا بالموت قتلا، سيعودون الى أوطانهم، بعد أن تلقوا تدريبات ميدانية في أرض العراق الذي صار معهدا لتأهيلهم وتمكينهم من وسائل الموت الجماعي.
الإعلام العربي الذي يفاخر بهؤلاء الأبطال ويطلق عليهم كل مفردات الشجاعة والفروسية، ويصفهم بالمقاومة، هو الذي يتحمل مسئولية نحر الأبرياء المسالمين الذين قدموا الى ديارنا للراحة والاستجمام، وهم لا يعلمون أن إنتحاريا ينتظرهم ليأخذهم الى حتفهم، ويذهب قرير العين الى الجنة التي وعده بها الإعلام العربي، وفقهاء الفضائيات، وعلماء السلطة.
العالم العربي مقبل على مرحلة يسيطر فيها الجنون، والعنف، والقتل، لأن ما زرعه الإعلام والقائمون على أمر التعليم في مدارسنا، لا يمكن أن تكون مخرجاته سوية، وصحية.. كيف ننتظر أن يتحول طالب صغير ملأ فقيه أبله جمجمته الغضة بقصص الجهاد ضد الكفرة والملحدين، الى إنسان مسالم يبحث عن دور في الحياة، ولا يتوقف تفكيره عند حدود البحث عن طريقة سريعة لدخول الجنة!!
عندما وقعت تفجيرات الرياض والخبر، ثم القاهرة، وتونس، والمغرب، واليمن، صرخ الجميع، وذرفوا الدموع، وادانوا وشجبوا.. وبعد ايام انتهى الأمر، ونسى الإعلام الرسمي دوره الحقيقي في التوعية من مخاطر هؤلاء الحمقى.. وعاد صحفيو الحكومات العربية الى دورهم المعتاد في الخطاب الدعائي المكرر والممجوج.. لم نسمع أحدا يتحدث عن جذور هؤلاء القتلة، ولا من يقف وراءهم، ولا من الذي منحهم الحماية، وصك لهم فتاوى التأمين ضد جهنم!!
قبل يومين فقط، قادت الصدفة الى انقاذ مدينة لندن من تفجيرات كادت تؤدي بحياة المئات من الإبرياء.. فإذ بعدد من إعلاميي العالم العربي، يشككون في حقيقة الأمر.. بل ويسخرون من العملية برمتها، ويحيلون الأمر الى الحقد البريطاني على المسلمين، والعرب.. ويقذفون الحكومات الغربية التي فتحت أبوابها أمام أبواب الهاربين من البطالة والفقر في بلدانهم، بالكفر والاستغلال.. لم نسمع بإدانة عربية واحدة، ولو من باب المجاملة.. وأعلم أن هناك من يبتسم لوقوع انفجار في أي عاصمة غربية، ويستمع الى فتاوى تفسر الأمر، وتبسطه، وتؤكد للعامة بأنه رد فعل طبيعي لم يوقعه الغرب بنا..
يا سادتي، التعليم الذي يقوم على أمره من لا يعلم مكوناته وأسسه التربوية،.. والإعلام الذي يقض مضاجعنا حديثا عن الخرافات، وينشر السموم في أدمغة الناشئة، وتنفق الحكومات لتشغيله أكثر من مصروفاتها على الصحة والتعليم.. والمؤسسات التعليمية الدينية، التي لا رقيب عليها ولا حسيب، بل وتقوي الدول شوكتها على حساب المؤسسات الثقافية المتنورة، وتدعمها بالمال العام، وتغض الظرف عن أهدافها البعيدة والقريبة.. هذه هي الآفة التي ستدفع الأجيال القادمة ثمنها، ولن ينجو أحد منها في مدينة أو قرية.
نعم، هم مسلمون الذين يقتلون أبناءنا وأحلامهم..
نعم، هي مسلمة الحكومات العربية، التي استخدمتهم غير مرة لأغراضها الخاصة..
نعم، السلطات العربية المسلمة استخدمتهم، في أكثر من قطر عربي هؤلاء القتلة، وتناست أفعالهم، ومنحتهم صكوك الغفران..
نعم، كلنا نعلم من يقف وراءهم، ويدعمهم، ويتستر على إرهابهم..
لا يجدي حوار مع هؤلاء، ولا تهاون،.. معتقل جوانتاناموا هو المكان الذي يجب أن ينتهي اليه هؤلاء، ويقضون فيه ما تبقى لهم من سنوات، يحرمون فيها من الانتحار وقتل أحلام أبنائنا.
فهل نتوقع أن تمنح الحكومات العربية لمخالفي الفكر المتطرف، مساحة حرية مساوية لما أعطته لهؤلاء.. وهل نرى يوما أن صاحب فكر حر مستنير، يمكنه الحديث الى المواطنين عبر أجهزة الإعلام الرسمية!!.. وهل سيأتي يوم قريب، يكون فيه التعليم مفضيا الى حرية في التفكير، والتعبير..
عندما يحدث كل ذلك، سيكون العالم العربي مؤمنا ضد الإرهاب، ولن نسمع حينها عن انتحاري يبحث عن ضحايا يقتنصهم، ويقتص منهم، لفعل لم يرتكبوه ولم يشاركوا في صنعه.

مصطفى احمد النعمان سياسي يمنى