quot;الثقافة ليست سلطة، بل شبكة معقدة من الدلالاتquot; (كليفورد غيرتز)
(عش هكذا في علو أيها العلم)، هكذا هتف الزهاوي في الذكرى الأولى لتنصيب فيصل الأول ملكا على العراق.فيما ترقب العراقيون أحوال وأوضاع تبدل العلم، في أعقاب إعلان الجمهورية العراقية الفتية. وخلال منتصف الثمانينات من القرن العشرين، ظل سعدون حمادي يحاول إفهام أعضاء المجلس الوطني، أن النقاش الذي يدور تحت قبة المجلس، لا يتعلق بإقرار علم جديد، بقدر ما يسعى نحو إقرار قانون العلم العراقي، وصولا إلى أحداث مباراة كرة القدم بين العراق وقطر، وإقدام أحد اللاعبين القطريين على تمزيق العلم، فكانت مقالة سعد البزاز التي ألهبت المشاعر، حتى أن التلفزيون الرسمي راح يعيد بثها مرات ومرات، وصلا إلى التصميم الذي اقترحه المعماري العالمي رفعة الجادرجي، للعلم الجديد في أعقاب التغيير، والذي نال ردود فعل غاضبة، باعتبار تطابق ألوانه مع العلم الإسرائيلي.
الرمز وتمثلاته
كيف يمكن ترصد السياق الاجتماعي للتلقي، في البيئة العراقية؟ حيث المتغيرات الجامحة تلك التي تتبدى حاضرة ساخنة، و التي لا تني عن تقديم حزمة من المشاعر الملتهبة، حيث التقاطع والارتباك الحاصل في ردات الفعل، ما بين دفق هائل للجدية والصرامة، و سخرية مرة مكثفة تكشف عن حنق وغضب وشعر باللاجدوى وعدم الاهتمام، علم هو الرمز، لكنه أخضع كما أضعت البلاد والعباد لرغبات الطارئية وحزمات من التغييرات المطاطية، تلك التي كانت تخضع للدستور المؤقت،ى حتى صار العلم عرضة للتأويلات التي تحركها تفاعلات اللحظة الراهنة.
بين (المعنى والمشاعر والتوظيف والاختيار)، تحضر مسؤولية النظر في طريقة التعامل مع موضوع العلم العراقي، لتتناسل المزيد من الرغبات والمقولات والشعارات والرؤى والتصورات حوله. بين رافض لتأويلات النجوم الثلاث، وساع نحو إضافة لون لا عتبارات تتعلق بمحاصصة ما، عرقية كانت أم قومية أم طائفية، لتتوسع دائرة الخلاف، والتي لا ينجم عنها سوى توسيع دائرة الاختلاف، حول مضمون يقوم على التوحيد. تلك هي مرتكز المحنة العراقية، التي يختصرها (علم العراق) اليوم.في زمن الغناء على ليلى، كل حسب طريقته ورغبته، يتلاشى مضمون التوحيد الاندماج الوطني. هذا باعتبار التشظي الذي راح يعاني منه المتلقي، وليس المواطن، فزحمة التقابلات وسيادة ثقافة (أحمر لك، أخضر لي)، يعاني مفهوم المواطنة من الذواء، ليتقدم مضمون المتلقي، الذي بات يعيش لحظات، (تشظيات المعنى، توزعات المشاعر، سوء التوظيف، لا جدوى الاختيار)، هذا بحساب أن سياق التلقي الذي يعيشه العراق، يعاني من إشكالات التقمصات التي تفرضها اللحظة الراهنة، تلك التي تتوزع بين ثقافة الثأر، و الرغبة العارمة بالتسلط، وسيادة الإقصاء والتهميش، والنزوع الحاد نحو تقمص اللحظة السانحة، والفساد والرشوة، غياب قيم الإنسانية، حيث الدم المراق و استباحة أحلام الناس.
في لعبة الألوان
قيض لماكنة الدعاية النازية، أن تمسك بخيوط لعبة الأوان، حتى وظفت الأحمر والأسود والأبيض في سبيل التأثير على الجماهير، وتوقفت الأنظمة الشيوعية عند اللون الأحمر، ذلك الذي جعلت منه فضاء واسعا، يحمل في إحدى زواياه شعار المطرق والمنجل، فيما يبقى الفنان الذي يحاول التصدي لمقترح أو مشروع العلم العراقي، جملة من المعطيات الواقعية تلك التي تخضع، لمستويات؛ (سلطة القرار، وسلوك التلقي)، فعن أي علم يمكن الحديث؟ هل هو قطعة القماش، تلك التي يمكن الحصول عليها من أي محل متخصص. أم عن تزاحم الاتجاهات وتصادمها، أم عن التباينات والفجوات الهائلة، تلك التي راحت تتبدى على مستوى الرأسمال الثقافي.
سود وقائعنا، بيض صنائعنا، حمر مواضينا، بهكذا تفسيرات، كان المعلمون في المدارس العراقية، يفسرون علم الثورة العربية تارة، والعلم العراقي تارات، باعتبار النهل عن قصيدة صفي الدين الحلي (سل الرماح العوالي عن مواضينا)، فعن أي شيء سيسأل الفنان، و ماذا سيستحضر من رموز، حيث المفخخات والأحزمة الناسفة والجدران الكونكريتية، والفصل والتهجير الطائفي والقتل على الهوية، والرعب والتهجير و والكهرباء وإسالة الماء والمجاري، تلك التي أصبحت من المستحيلات. أية لوحة سوريالية مقترحة يمكن أن يصنعها الفنان، وسط حشد التداخلات والتناقضات، هذا باعتبار أن البحث جاد ودقيق ومخلص، حيث المسعى إلى توكيد روح الابتكار للعلم العراقي المقترح، والذي يجب أن يرقى لمستوى وطن يمتلك ثراء وعمقا حضاريا مثل العراق.
العلم بين السلطة والدلالة
من أية زاوية يمكن التعامل مع موضوع العلم العراقي، من لتفاعلات المضمونية المباشرة التي تثيرها مسألة العلم، لذاته، أم من طبيعة سياق التواصل الذي يفرضه الواقع، وجمهور العراقيين المتحفزين، هل ننشغل بالشكل على حساب المضمون، هل العملية برمتها تقوم على إسقاط الفرض، لنعيش حالة من المتواليات الرمزية، باعتبار، أن كل حقبة تسلخ سابقتها، فقد تم اسقاط العهد الملكي على يد الجمهوريين، وجاء البعثيون، ليزيلوا رموز القاسميين، وهكذا دورة لا تنتهي من الاقصاءات واللعب على الألوان والأشكال، أم أن العلم يبقى يقوم على تقديم مدار المسؤولية الوطنية، والدور والموقع لهذا البلد المبتلى بالمشاحنات والاضطرابات والانقلابات والثورات والتصدعات والتشققات. وفي أي حقل يمكن أن يوضع العلم، في السياسي أم الثقافي، هل يمكن ربط العلم ( الرمز الوطني) بالسلوك والتفاعلات الاجتماعية وتداخلات الفعل ورد الفعل، أم أنه يمثل المعنى الذي يتكثف فيه الفعل الاجتماعي، حيث الدلالة الزاخرة والوافرة لتأويل مفهوم الوطن بحسب توصيف الأنثروبولوجي كليفورد غيرتز، لقد وضع لبنان شجرة الأرز، ولم تتردد البرازيل من وضع الكرة، إنه الاستحضار للرموز التاريخية، ببساطة ومن دون تكلف أو محاباة لظرف تاريخي، أو تلويح و مداراة لجهوية بعينها. رمز يقوده الحدس من أجل الكشف عن تفاعلات الحياة العامة، وما أكثر الرموز في هذا البلد المشبع حد التخمة بها، حيث النخلة ودجلة والفرات، وسومر و آشور وبابل والثور المجنح وشريعة حمورابي، ومنارة الملوية والحدباء، وقصر الأخيضر، وباب الطلسم، والقصب والبردي، والناي والربابة، وسيد زاير وملا ضيف الجبوري، والحبوبي والآلوسي ورحم الله عبد السلام عارف حين قال للفلاحة الجنوبية المقيمة على أطراف الهور( يا مسعدة وبيتك على الشط، وقدام بابك يسبح البط، ومنين ما ملتي غرفتي)!!! فاغرف أيها العراقي رعاك الله. وأيدك من نصره.
[email protected]
اية اعادة نشر من دون ذكر المصدر ايلاف تسبب ملاحقه قانونيه
التعليقات