لا أقول أن الوحدة أهم من العبادة فللمؤمن بأي دين تقدير ذلك حسب قناعاته، ولكن وحدة البشر أهم بكثير من شكليات العبادة (هل نؤديها بهذا الشكل أو ذاك)، وتسمى شكلية بالمقارنة مع جوهر العبادة ومعانيها الأصيلة، وعموماً يمثل الانغماس بالشكليات نتيجة للتكلس الفكري والتخلف الاجتماعي. ومن جهة أخرى أذكّر بأن الوحدة، حسب النظرة الشاملة لآيات القرآن، تقوم على أساس القيم الإنسانية وليس بمعنى التخندق إزاء الآخرين من أبناء الأديان الأخرى. أما جوهر الموضوع فيتمثل في أننا نحتفل كل عام بالعيد ونأسف في ذات الوقت لتفرق المسلمين فيه، وقد توزعت بداية العيد هذه السنة على مدى ثلاثة أيام، إذ أعلنت غالبية دول الشرق الأوسط والخليج عيد الفطر الثلاثاء بينما قررت دول مثل مصر وسوريا وعُمان العيد يوم الأربعاء ومراجع أخرى أعلنته الخميس. وهكذا يحزن المسلمون مع فرحة عيد الفطر لما يشهدونه من اختلافات حتى في إطار البلد الواحد حول تحديد رؤية الهلال، ويشهد العالم أجمع على تمزق وتخلف هذه الأمة في أبسط مظاهر وجودها. وقد استنكر أمين عام منظمة المؤتمر الإسلامي هذا التشتت ونتمنى أن تنتقل المنظمة الى المساهمة الفاعلة في وضع وتنفيذ الحل المعقول لهذه الظاهرة المؤسفة. وإذا كان شعار الأمة العربية الواحدة (من المحيط الى الخليج) قد وُلد غريباً عن واقع البلدان العربية من المغرب وموريتانيا الى العراق والكويت، فان مصطلح الأمة الإسلامية التاريخي أصبح أيضاً بعيداً عن الواقع على الأقل في مثل هذه المناسبات، موضوع المقال. وبينما تجمع الثقافة شعوب البلاد الإسلامية بفضل الدين وعوامل أخرى، تفرّق السياسة وقرارات المراجع والسلطات الدينية أو الحكومية هذه الشعوب عندما تمنع ممارساتها من الاتفاق على آليات قرار موحّد وعقلاني لتحديد بدايات الشهور والأعياد. وتصرف الحكومات الإسلامية مبالغ طائلة على نشاطات ومؤتمرات قمة واجتماعات وزارية وعلى منظمات إقليمية إسلامية دون الاتفاق على مثل هذه الآليات. بينما تعجز عن إيجاد حل يتمثل ببساطة في أمور منها دراسة الموضوع من جميع جوانبه وتشكيل لجنة مشتركة من مختلف المذاهب لتتفق على شروط الرؤية سواء اعتمدت على العين المجردة أو على التلسكوب والحسابات الفلكية..
نعم للنظارات، لا للتلسكوب ! مع مرور الوقت بدأ بعض العلماء بتقبل اعتماد الحسابات الفلكية لتحديد يوم الهلال، أما بالنسبة للتلسكوب، لا زال الكثير من العلماء (والمؤسسات الدينية) معترضين على استخدامه في رؤية الهلال، مع موافقتهم على استخدام النظارات الطبية، ونلاحظ هنا مدى سيطرة التفكير الشكلي إذ ما الفرق بين استخدام الوسيلتين وهل يُرفض التلسكوب بسبب تقنيته العالية مقارنة بالنظارات ؟ أم إننا نحتاج دوماً الى مرور الزمن للتعود على التقنيات الجديدة وتقبل استخدامها. وعموماً يمكن اعتبار إشكالية رؤية الهلال مثلاً على سيطرة الوعي الأسطوري في بلداننا مقابل القرآن الكريم الذي تبنى النهج العقلاني ورفض الاعتماد على الشكليات في مناسبات عديدة (مثلاً: البقرة 177 و224-225، النساء 114، التوبة 19-22). فبالنسبة إلى رؤية الهلال، تطرق إليها في مواقع محدودة بصيغة الشرط وبأسلوب تقريري (فمن شهد منكم الشهر فليصمه- البقرة 185) وأكد الرسول (ص) على ذلك بقوله (صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته) دون تحديد الكيفية، بينما تطرق القرآن في العديد من المرات إلى أهمية الوحدة وعدم التشتت وبصياغات تعبر عن خطورة الموضوع (على سبيل المثال: آل عمران 103-105، الأنعام 159 الروم 30). ورغم تأكيد الجميع، حكاماً وعلماء ومثقفين، على خطاب التمسك بالوحدة مستشهدين بالآيات القرآنية العديدة، يُشدد الكثير من علمائهم اليوم على الجوانب الشكلية لروية الهلال ولو أدى ذلك إلى تفريق الأمة والمساهمة في تمزيقها بمناسبة الأعياد مثلاً، مما يؤدي مع مرور الوقت إلى تفريغ هذه الآيات القرآنية من معانيها السامية.
لقد استُخدمت في العقود الأخيرة شعارات الوحدة العربية من قبل هذه الدولة أو هذا الحزب أو هذا الزعيم بدعوى أن الوحدة تفرض اتباع هذا القائد أو ذاك ونعرف أين أوصلتنا هذه النزعة، واليوم تُطرح شعارات الوحدة الإسلامية والآيات القرآنية بنفس الطريقة (أي أن على المسلمين التوحد خلف هذا الطرف (مذهب أو قائد أو حزب) أو ذاك quot;تطبيقاً لهذه الآياتquot; !!) وبالتالي يساهم هذا النوع من التفكير المتجاهل للواقع في تقوية ظاهرة التخندق إزاء الآخرين وتكريس أوضاع التمزق والانشطار. وقد نجد مثل هذه الظاهرة في مجتمعات أخرى عديدة، إلا أنها تأخذ بعداً مأساوياً في المجتمعات العربية التي لا زالت تعيش عصبياتها القبلية وتُسبغ صفة القدسية على انتماءاتها وتأخذ ظاهرة التمزق فيها طابعاً ذاتياً (نفسياً) وحساسية عالية الخطورة، ومن هنا يأتي رفض quot;أسيادquot; هذه الأمة لأي مراجعة حقيقية لواقع هذه العصبية وتشخيص آثارهما على فهمنا وتصوراتنا الحالية كما تمنع مراجعة تاريخنا وفكرنا الديني. وينم تبرير هذا المنع بضرورة الحفاظ على الوحدة ومواجهة مؤامرات الأعداء ؟؟؟ بينما تمثل هذه المراجعة، حسب النظر العلمي وكذلك الفهم القرآني (الرعد 11)، جسراً لابد من عبوره للوصول تدريجياً إلى تغيير واقعنا المتدهور وبناء المجتمع الحيوي العادل والإنسان الحر المتوازن...
لقد استُخدمت في العقود الأخيرة شعارات الوحدة العربية من قبل هذه الدولة أو هذا الحزب أو هذا الزعيم بدعوى أن الوحدة تفرض اتباع هذا القائد أو ذاك ونعرف أين أوصلتنا هذه النزعة، واليوم تُطرح شعارات الوحدة الإسلامية والآيات القرآنية بنفس الطريقة (أي أن على المسلمين التوحد خلف هذا الطرف (مذهب أو قائد أو حزب) أو ذاك quot;تطبيقاً لهذه الآياتquot; !!) وبالتالي يساهم هذا النوع من التفكير المتجاهل للواقع في تقوية ظاهرة التخندق إزاء الآخرين وتكريس أوضاع التمزق والانشطار. وقد نجد مثل هذه الظاهرة في مجتمعات أخرى عديدة، إلا أنها تأخذ بعداً مأساوياً في المجتمعات العربية التي لا زالت تعيش عصبياتها القبلية وتُسبغ صفة القدسية على انتماءاتها وتأخذ ظاهرة التمزق فيها طابعاً ذاتياً (نفسياً) وحساسية عالية الخطورة، ومن هنا يأتي رفض quot;أسيادquot; هذه الأمة لأي مراجعة حقيقية لواقع هذه العصبية وتشخيص آثارهما على فهمنا وتصوراتنا الحالية كما تمنع مراجعة تاريخنا وفكرنا الديني. وينم تبرير هذا المنع بضرورة الحفاظ على الوحدة ومواجهة مؤامرات الأعداء ؟؟؟ بينما تمثل هذه المراجعة، حسب النظر العلمي وكذلك الفهم القرآني (الرعد 11)، جسراً لابد من عبوره للوصول تدريجياً إلى تغيير واقعنا المتدهور وبناء المجتمع الحيوي العادل والإنسان الحر المتوازن...
التعليقات