قد يسأل بعض قراء إيلاف من العراق لماذا لا تكتب عن المادة خمسين وحقوق الأقليات والجواب هو أن الموضوع مُتفق عليه في العراق والمشكلة، كما يبدو لحد الآن، تقنية سببها ضعف تجربة أعضاء مجلس النواب أو قلة دراية مستشاريهم وحلها بسيط لا يحتاج الى لجنة نيابية، وسيصبح الأمر خطيراً بالطبع إذا تجاوز هذا الحد. وأحاول في هذا المقال التمييز بين الانتخابات كمعركة موقعية أي محددة في الزمان والمكان، مثلها مثل مختلف المعارك السياسية على اختلاف وسائلها وأهدافها من جهة وبين السياسة بصورة عامة، أي كضرورة إنسانية، من جهة أخرى. وليس موضوع النقاش هنا علاقة الدين بالسياسة، فديننا الإسلامي اعتبرها جزء من اهتماماته الكبرى وشكّل الصراع من أجل تحديد السلطة واحداً من أهدافه العليا، وتؤمن شعوبنا عموماً بمكانة الدين في حياتها السياسية وتحترم هذه العلاقة بدرجة أو أخرى. وقد أصبح من مُسلّمات العلوم الاجتماعية تأثير الدين الفعلي في السياسة والاقتصاد (ماكس فيبر)، إضافة الى أنه واقع اجتماعي (إيميل دوركهايم) وجزء مؤسس في الثقافة السياسية السائدة في مجتمع ما. لذلك لا يتبنى الكثير من العلمانيين فكرة الفصل التبسيطي بين الدين والسياسة وهم يستندون في ذلك أيضاً الى التجارب الغربية القائمة على العلمانية وتتضمن في ذات الوقت تنظيمات سياسية ونشاطات اجتماعية تنتسب (أو تدعي الانتساب) الى الكاثوليكية أو البروتستانتية. وفيما يخص الانتخابات في العراق، يستند المدافعون عن إقحام المراجع الدينية فيها إلى حجة أنها شكلت رموزهم أيام النضال ضد الطغيان الصدامي وهي اليوم رمزهم السياسي. ولكنهم يوافقون في نفس الوقت على أن هذه المراجع هي فخر العراقيين جميعاً لذلك نذكرهم بأن النضال السياسي لعموم الشعب العراقي من أجل حريته وكرامته يقابله اليوم معركته من أجل تثبيت الديمقراطية والعدالة الاجتماعية والاعمار، ويعني ذلك تثبيت أسس سليمة للمعركة الانتخابية ككل، باعتبارها ضرورة عراقية وتقف المراجع الدينية بكل وضوح مع هذه القضية الوطنية. ورغم تعلق الأمر بالتجربة الديمقراطية في العراق فان الموضوع يتصف بأهمية عامة لا تخفى على أحد.
الإضرار بالمرجعيات والمؤسسات الدينية
في الحقيقة، يصعب حصر ما يمكن أن تسببه ممارسة إقحام الرموز الدينية في المعارك السياسية والحملات الانتخابية من أضرار بالغة بمكانة المرجعيات والمؤسسات الدينية وبمكانة الدين ومستقبل البلد، ولا يدخل في ذلك دور أئمة المساجد في التوعية العامة بأهمية المشاركة في الحياة السياسية (ومنها الانتخابات). وبالنظر للتحولات الاجتماعية المتوقعة، يمكن تلخيص أهم أضرار هذه الممارسة كما يلي: 1- تحويل مراجع الدين إلى جزء من وسائل تسويق الأحزاب المختلفة لبضاعتها السياسية ولطموحاتها الانتخابية. فمن جهة، ستؤدي مع الوقت إلى تبني الأحزاب الإسلامية لمرجعيات مختلفة مع صور المرجع المعني إلى جانب هذا القائد السياسي أو ذاك. علماً بأن مرجعية النجف تتمثل حالياً في أربعة علماء كبار وأكثرهم شهرة في الوقت الحالي هو السيد علي السيستاني، ويؤكد جميعهم على الوقوف مع شعب العراق بكافة أديانه وقومياته ومع مصالح العراق كوطن. من جهة أخرى، يمكن أن تؤدي هذه الممارسة المغرية، لو استمرت، إلى تبنيها لاحقاً من قبل أحزاب أخرى، علمانية الطابع، وسترفع صور الرموز الدينية في اجتماعاتها السياسية وفي مراكزها الانتخابية محتجة بأن بين أنصارها من هم مخلصون لهذه الرموز الدينية، ملك جميع العراقيين، وأن العلمانية لا تعني تجاهل الدين ومكانته. 2- إن إقحام الجوامع بما فيها من مصلين ومتعبدين في الدعوة للتصويت لهذه القائمة (دون تلك) استفادة من مواقع أنصارها في هذه الجوامع، قد يؤدي الى اقتسامها حتى في إطار الحي الواحد، بين هذا الفريق وذاك بل وحتى تخندق مرتاديها أو من يسيطر عليهم مقابل أنصار القوائم الأخرى، كلٌ منهم مع صور رموزهم... بينما تشكل الجوامع والمراكز الدينية ملكاً للجميع، أي حتى لمن لا يرتادها، بدليل أن الجميع مسؤول عن الحفاظ عليها وحمايتها وإنما تقوم الدولة بذلك نيابة عن أبناء البلد بمختلف انتماءاتهم. 3- إن اتخاذ دور العبادة مكاناً لنشر دعايات انتخابية يفترض وجود المستمعين من آراء مختلفة وقابلية الحضور على النقاش مع المرشحين وأنصارهم، فهل سيسمح للمعارضين بمناقشة إمام المسجد حول صحة خياراته السياسية أم هل سيُسمح لهم بدخول المسجد أصلاً، علماً بأن الدستور (المادة 43- ثانياً) ضمن حرية ارتياد دور العبادة للجميع دون اعتبار الانتماءات السياسية وغيرها وكلف الدولة بكفالة ذلك. 4- إن استخدام الإسلام في الانتخابات سيجرنا بداهة، في المدى القريب أو البعيد، إلى استخدام السياسيين من بقية الأديان (مسيحيين وصابئة مندائيين ويزيديين وشبك) لرموزهم الدينية وأماكن عبادتهم في الحملات الانتخابية ومن هنا جاء استخدام مفردة الدين في عنوان المقال (وليس الإسلام تخصيصاً)، إذ لا أتصور أن الآخرين سيظلون مكتوفي الأيدي عن استخدام رموزهم وأماكن عبادتهم عندما تتكرر هذه الممارسة ونتائجها المغرية (سياسياً) على يد القوائم الإسلامية. إن مجرد التفكير بما تعنيه كل هذه الأضرار من امتهان لجميع الأديان ينبغي أن يدفعنا الى الامتناع عن استخدام الإسلام (رموزاً أو أماكن عبادة) في المعارك الانتخابية البعيدة بالتأكيد عن شمولية الدين وإنسانية رسالته.
[email protected]
في الحقيقة، يصعب حصر ما يمكن أن تسببه ممارسة إقحام الرموز الدينية في المعارك السياسية والحملات الانتخابية من أضرار بالغة بمكانة المرجعيات والمؤسسات الدينية وبمكانة الدين ومستقبل البلد، ولا يدخل في ذلك دور أئمة المساجد في التوعية العامة بأهمية المشاركة في الحياة السياسية (ومنها الانتخابات). وبالنظر للتحولات الاجتماعية المتوقعة، يمكن تلخيص أهم أضرار هذه الممارسة كما يلي: 1- تحويل مراجع الدين إلى جزء من وسائل تسويق الأحزاب المختلفة لبضاعتها السياسية ولطموحاتها الانتخابية. فمن جهة، ستؤدي مع الوقت إلى تبني الأحزاب الإسلامية لمرجعيات مختلفة مع صور المرجع المعني إلى جانب هذا القائد السياسي أو ذاك. علماً بأن مرجعية النجف تتمثل حالياً في أربعة علماء كبار وأكثرهم شهرة في الوقت الحالي هو السيد علي السيستاني، ويؤكد جميعهم على الوقوف مع شعب العراق بكافة أديانه وقومياته ومع مصالح العراق كوطن. من جهة أخرى، يمكن أن تؤدي هذه الممارسة المغرية، لو استمرت، إلى تبنيها لاحقاً من قبل أحزاب أخرى، علمانية الطابع، وسترفع صور الرموز الدينية في اجتماعاتها السياسية وفي مراكزها الانتخابية محتجة بأن بين أنصارها من هم مخلصون لهذه الرموز الدينية، ملك جميع العراقيين، وأن العلمانية لا تعني تجاهل الدين ومكانته. 2- إن إقحام الجوامع بما فيها من مصلين ومتعبدين في الدعوة للتصويت لهذه القائمة (دون تلك) استفادة من مواقع أنصارها في هذه الجوامع، قد يؤدي الى اقتسامها حتى في إطار الحي الواحد، بين هذا الفريق وذاك بل وحتى تخندق مرتاديها أو من يسيطر عليهم مقابل أنصار القوائم الأخرى، كلٌ منهم مع صور رموزهم... بينما تشكل الجوامع والمراكز الدينية ملكاً للجميع، أي حتى لمن لا يرتادها، بدليل أن الجميع مسؤول عن الحفاظ عليها وحمايتها وإنما تقوم الدولة بذلك نيابة عن أبناء البلد بمختلف انتماءاتهم. 3- إن اتخاذ دور العبادة مكاناً لنشر دعايات انتخابية يفترض وجود المستمعين من آراء مختلفة وقابلية الحضور على النقاش مع المرشحين وأنصارهم، فهل سيسمح للمعارضين بمناقشة إمام المسجد حول صحة خياراته السياسية أم هل سيُسمح لهم بدخول المسجد أصلاً، علماً بأن الدستور (المادة 43- ثانياً) ضمن حرية ارتياد دور العبادة للجميع دون اعتبار الانتماءات السياسية وغيرها وكلف الدولة بكفالة ذلك. 4- إن استخدام الإسلام في الانتخابات سيجرنا بداهة، في المدى القريب أو البعيد، إلى استخدام السياسيين من بقية الأديان (مسيحيين وصابئة مندائيين ويزيديين وشبك) لرموزهم الدينية وأماكن عبادتهم في الحملات الانتخابية ومن هنا جاء استخدام مفردة الدين في عنوان المقال (وليس الإسلام تخصيصاً)، إذ لا أتصور أن الآخرين سيظلون مكتوفي الأيدي عن استخدام رموزهم وأماكن عبادتهم عندما تتكرر هذه الممارسة ونتائجها المغرية (سياسياً) على يد القوائم الإسلامية. إن مجرد التفكير بما تعنيه كل هذه الأضرار من امتهان لجميع الأديان ينبغي أن يدفعنا الى الامتناع عن استخدام الإسلام (رموزاً أو أماكن عبادة) في المعارك الانتخابية البعيدة بالتأكيد عن شمولية الدين وإنسانية رسالته.
[email protected]
التعليقات