ما إن نشرت إيلاف التنوير مقالي السابق (التعذيب في التاريخ الإسلامي) وأنا ما زلت في الهامش، ولم أدخل إلى المتن بعد. حتى سارعت بعض الأقلام والمنتديات والميكيافليين الذين يستغلون جهل العامة، ويمتهنون التكتم والتستر على الأحداث والأفعال والتاريخ، ويتبعون سياسة النعامة، ويحترفون التجهيل. ويستخدمون الدين غطاء ووسيلة لتحقيق أغراضهم الدنيوية: السياسية والشخصية. أقول حتى انبرت هذه الأقلام نقدا واستهجانا، ودفاعا وتبريرا، واتهاما ببلبلة الأمة، والفت من عضدها، وإثارة الشكوك بتاريخها وسيرة خلفائها، لإضعاف إيمان أبنائها.
إن هؤلاء يجترون ردا ودفاعا ممجوجا ومكررا دائما. فإن قلت الرق والاسترقاق، أجابوك إن اليهود والنصارى استرقوا. وإن قلت الغزو والسبي والاستعمار، أجابوك إن اليهود والنصارى غزوا وسبوا واستعمروا. وإن قلت ممارسة التعذيب، أجابوك: اليهود والنصارى عذبوا. وإن قلت اضطهاد المخالفين في الدين، أجابوك إن اليهود اضطهدوا، ونصارى الرومان في مصر قبل ألفي عام اضطهدوا. وإن قلت حرية الضمير واختيار الدين، أجابوك إن محاكم التفتيش قبل ثمانمائة عام لم تترك للمرء حرية الضمير في اختيار الدين. وإن قلت الغش والكراهية والطائفية والفساد. قالوا القول نفسه. ثم يسألونك السؤال ذاته في كل مرة: لماذا لا تكتب عن أحوالهم، وتكتب عن أحوالنا؟ لماذا لا تكتب عن تاريخهم، وتكتب عن تاريخنا؟ إنه سؤال وجواب واحد مكرر يوحي أن هؤلاء الناس لديهم عقدة نقص تسمى اليهود والنصارى.
إننا نقول لهؤلاء القوم: إن ما يعنينا هو واقعنا المزري وأوضاعنا، وما آلت إليه أحوال شعوبنا، من فقر وجهل وبؤس واستلاب وخرافات. وإن إصلاح أحوالنا وأمورنا، يقتضي منا إعادة قراءة تاريخنا الذي نتغنى به ونمجده، دون أن نعرفه. لاكتشاف أخطائنا التي أودت بنا، كي نتلافاها ونتجنبها. وإعادة النظر في صلاحية بعض المقاييس التي ما زلنا نقيس بها. وباختصار لمعرفة سبب تخلفنا وسقطتنا في حفرتنا.
كما نقول لهؤلاء: إذا كان الغرب واليهود والنصارى و (عباد البقر والحجر) قد غزوا وسبوا واستعمروا، واسترقوا الشعوب الأخرى، ومارسوا التعذيب ضد مواطنيهم، وقمعوا أبناءهم وقتلوهم، فإن أفعالهم ليست مبررا لنا، ولا عذرا مقبولا، ولا تعطينا أية شرعية كي نمارس ما مارسوا، ونفعل ما فعلوا! خاصة وإن تلك الشعوب والأمم قد اكتشفت أخطاءها، وتجاوزت تاريخها وأفعالها الماضية، وأقامت العدل على أراضيها، وشرعة حقوق الإنسان بين مواطنيها. حتى صار المضطهدين دينيا وسياسيا وإنسانيا، والفقراء من أبنائنا ومواطنينا، وأبناء الأمم الأخرى وخاصة المسلمة، يركبون الأهوال كي يلجأوا إليهم، ويستظلوا بقوانينهم وشرعتهم وحمايتهم، وينعموا بخيراتهم ومساعداتهم، وعدلهم وأمنهم، ومدارسهم ومستشفياتهم.
ونقول لهؤلاء أيضا: إنكم تسمون هذه الشعوب كفارا ومشركين، ولا ذمة لهم ولا دين، وأحفاد القردة والخنازير، وعباد البقر والحجر... ألخ. فهل يجوز لنا شرعا أن نقارن أنفسنا معهم، ونقلدهم، ونتشبه بهم؟ ألم ينهنا شيوخنا عن ذلك؟ فإذا استعمروا الشعوب هل نستعمرها؟ وإذا استرقوا الآخرين هل نسترقهم؟ وإذا عذبوا، وجهّلوا مواطنيهم وقمعوهم، هل نعذب، ونجهّل مواطنينا ونقمعهم؟ وإذا اضطهدوا نساءهم واحتقروهن وعاملوهن كعورة وجنس، هل نضطهد نسائنا ونحتقرهن، وننظر إليهن كعورة وجنس، فنضعهن في كيس أسود نحكم إغلاقه عليهن؟ وإذا آمنوا بالخرافات، هل نؤمن بها، اقتداء بهم؟
أي فضل لنا إن كنا مثلهم؟ ألسنا أمة متميزة عنهم، بل خير أمة؟ ثم لماذا لا نتشبه بهم، ونقلدهم في صدق القول وحب العمل، وفي حب العلم والمعرفة؟ وفي الاختراع والوصول للقمر؟ وفي إقامة العدل على أراضينا، كما أقاموه على أراضيهم؟ وفي المساواة بين مواطنينا بغض النظر عن حسبهم ونسبهم ومذهبهم ودينهم، كما ساووا بين مواطنيهم؟ أم إننا لو فعلنا ذلك نتخلى عن هويتنا وثوابتنا؟ ولا يعود العالم قادرا أن يتعرف علينا؟ ... ولنا عودة إلى التعذيب.
[email protected]
إن هؤلاء يجترون ردا ودفاعا ممجوجا ومكررا دائما. فإن قلت الرق والاسترقاق، أجابوك إن اليهود والنصارى استرقوا. وإن قلت الغزو والسبي والاستعمار، أجابوك إن اليهود والنصارى غزوا وسبوا واستعمروا. وإن قلت ممارسة التعذيب، أجابوك: اليهود والنصارى عذبوا. وإن قلت اضطهاد المخالفين في الدين، أجابوك إن اليهود اضطهدوا، ونصارى الرومان في مصر قبل ألفي عام اضطهدوا. وإن قلت حرية الضمير واختيار الدين، أجابوك إن محاكم التفتيش قبل ثمانمائة عام لم تترك للمرء حرية الضمير في اختيار الدين. وإن قلت الغش والكراهية والطائفية والفساد. قالوا القول نفسه. ثم يسألونك السؤال ذاته في كل مرة: لماذا لا تكتب عن أحوالهم، وتكتب عن أحوالنا؟ لماذا لا تكتب عن تاريخهم، وتكتب عن تاريخنا؟ إنه سؤال وجواب واحد مكرر يوحي أن هؤلاء الناس لديهم عقدة نقص تسمى اليهود والنصارى.
إننا نقول لهؤلاء القوم: إن ما يعنينا هو واقعنا المزري وأوضاعنا، وما آلت إليه أحوال شعوبنا، من فقر وجهل وبؤس واستلاب وخرافات. وإن إصلاح أحوالنا وأمورنا، يقتضي منا إعادة قراءة تاريخنا الذي نتغنى به ونمجده، دون أن نعرفه. لاكتشاف أخطائنا التي أودت بنا، كي نتلافاها ونتجنبها. وإعادة النظر في صلاحية بعض المقاييس التي ما زلنا نقيس بها. وباختصار لمعرفة سبب تخلفنا وسقطتنا في حفرتنا.
كما نقول لهؤلاء: إذا كان الغرب واليهود والنصارى و (عباد البقر والحجر) قد غزوا وسبوا واستعمروا، واسترقوا الشعوب الأخرى، ومارسوا التعذيب ضد مواطنيهم، وقمعوا أبناءهم وقتلوهم، فإن أفعالهم ليست مبررا لنا، ولا عذرا مقبولا، ولا تعطينا أية شرعية كي نمارس ما مارسوا، ونفعل ما فعلوا! خاصة وإن تلك الشعوب والأمم قد اكتشفت أخطاءها، وتجاوزت تاريخها وأفعالها الماضية، وأقامت العدل على أراضيها، وشرعة حقوق الإنسان بين مواطنيها. حتى صار المضطهدين دينيا وسياسيا وإنسانيا، والفقراء من أبنائنا ومواطنينا، وأبناء الأمم الأخرى وخاصة المسلمة، يركبون الأهوال كي يلجأوا إليهم، ويستظلوا بقوانينهم وشرعتهم وحمايتهم، وينعموا بخيراتهم ومساعداتهم، وعدلهم وأمنهم، ومدارسهم ومستشفياتهم.
ونقول لهؤلاء أيضا: إنكم تسمون هذه الشعوب كفارا ومشركين، ولا ذمة لهم ولا دين، وأحفاد القردة والخنازير، وعباد البقر والحجر... ألخ. فهل يجوز لنا شرعا أن نقارن أنفسنا معهم، ونقلدهم، ونتشبه بهم؟ ألم ينهنا شيوخنا عن ذلك؟ فإذا استعمروا الشعوب هل نستعمرها؟ وإذا استرقوا الآخرين هل نسترقهم؟ وإذا عذبوا، وجهّلوا مواطنيهم وقمعوهم، هل نعذب، ونجهّل مواطنينا ونقمعهم؟ وإذا اضطهدوا نساءهم واحتقروهن وعاملوهن كعورة وجنس، هل نضطهد نسائنا ونحتقرهن، وننظر إليهن كعورة وجنس، فنضعهن في كيس أسود نحكم إغلاقه عليهن؟ وإذا آمنوا بالخرافات، هل نؤمن بها، اقتداء بهم؟
أي فضل لنا إن كنا مثلهم؟ ألسنا أمة متميزة عنهم، بل خير أمة؟ ثم لماذا لا نتشبه بهم، ونقلدهم في صدق القول وحب العمل، وفي حب العلم والمعرفة؟ وفي الاختراع والوصول للقمر؟ وفي إقامة العدل على أراضينا، كما أقاموه على أراضيهم؟ وفي المساواة بين مواطنينا بغض النظر عن حسبهم ونسبهم ومذهبهم ودينهم، كما ساووا بين مواطنيهم؟ أم إننا لو فعلنا ذلك نتخلى عن هويتنا وثوابتنا؟ ولا يعود العالم قادرا أن يتعرف علينا؟ ... ولنا عودة إلى التعذيب.
[email protected]
التعليقات