أخيرا للقرآن مُعجَمه
ترجمة وتقديم ناصر بن رجب: هذا الحديث القصير - ككل ما يكتب معزي ولكنه عظيم الفائدة - الذي أجرته ماري لومونييه للمجلةالأسبوعية الفرنسية quot;لونوفيل أبسرفاتورquot; مع مهندس أفضل وأحدث هدية للأمة الإسلامية quot;معجم القرآنquot;. الباحث اللامع محمد علي أمير معزي. هذا الحديث يلقي أضواء كاشفة على الهمّ التاريخي والمعرفي الذي كان سببا من أسباب إصدار quot;معجم القرآنquot; الذي بيع منه في الثلاثة اشهر الأولى من صدوره 170 ألف نسخة وحظي بما يتراوح بـ 25 إلى 30 ألف تعليق في الصحافة الفرنسية والإنجلو ساكسونية وحدها. ولكن لم يصدر عنه بالعربية إلا تعليق واحد وحيد (محمد المزديوي في موقع أوان)... وعلى قدر أهل العزم تأتي العزائم.... طيّبَ الله ثراك يا أبا الطيب... أحد أسباب إصدار quot;معجم القرآنquot; جديد حقّا. إليكم البروفيسور معزي : quot;(...) كان وراء إصدار معجم القرآن أيضا إبراز الدَّيْن الذي يدين به الإسلام للدّيانات السابقة، اليهودية بصورة خاصة، والمسيحية. لكن أيضا الزرادشتية والمانوية. ننسى غالبا أن أربعة من أركان الإسلام الخمسة ذات أصل مانويquot;، أي أن الصلاة والزكاة والصوم والحجّ مأخوذة من الديانة التي أسّسها الفيلسوف الفارسي ماني في القرن الثالث ميلادي (قبل الإسلام بأربعة قرون) ndash; وهو أوّل وآخر فيلسوف يؤسس ديانة ndash; ونسبها المؤرخون إليه فسموها quot;مانويةquot;، وهي قائمة على مبدأين كونيين متساويين ومتناحرين الخير ورمزه quot;النورquot; والشر ورمزه quot;الظلامquot;.
والتاريخ في نظر ماني هو حصيلة الصراع الدائم والدامي بين هذين المبدأين. وحركات الزندقة منذ عصر المأمون إعتمدت على الديانة المانوية وتمّت مقاومتها في الدم. وقد هجا المتنبي المانوية : quot;وكم من يد عندي للظّلام حبيبة / تخبّر أنّ المانوية تكذبquot;. محمد علي أمير معزي ndash; وهو إسم جميل جمع المجد من أطرافه حضارة الفرس ودين العرب كما لم يقله مهيار الديلمي - وهو إلى ذاك إسم على مُسمّى. وما كتبه عن الإسلام والقرآن يفوق أهمية بما لا يقاس ما يثرثر به كثير من المفكرين العرب المعاصرين مثل الجابري، الذين يكثر quot;تفصيلهم ويقلّ تحصيلهمquot; كما قال القدماء في أمثالهم. ويطيب لي هنا الحث على ترجمة كتابيه اللذين يتمتّعان بِراهِنيَّة حارقة وهما La petite Histoire de l'Islam (موجز تاريخ الإسلام) مع Pierre Lory، صادر عن دار Flammarion, 2007، وكتاب Qu'est-ce que le Chi'isme? مع Christian Jambet، صادر عن دار Fayard, 2004.
كما أوجّه نداء لترجمة مأثورته التي ستظل خالدة على مرّ العصور، معجم القرآن (صدرت الترجمة الإيطالية Dizionario del Corano, Mondadori, Milan, 2007, 989 p والترجمة الإنجليزية تصدر هذه السنة عن دار نشر Oxford University Press). فهل يوجد في العالم الإسلامي من يبادر إلى إنجاز هذا المشروع الضخم ويقدمه هدية لأمّتنا الإسلامية التي مازالت تجهل تاريخ قرآنها الكريم بينما جميع الأمم الأخرى تعرف أصل وفصل دياناتها وكتبها المقدسة؟ وهي اليوم بفضل هذا المعجم تعرف أيضا تاريخ وفصل القرآن الذي مازال مجهولا جهلا عميقا من المؤمنين به جمهورا ونخبة. ولمثل ذلك فليعمل العاملون.
والتاريخ في نظر ماني هو حصيلة الصراع الدائم والدامي بين هذين المبدأين. وحركات الزندقة منذ عصر المأمون إعتمدت على الديانة المانوية وتمّت مقاومتها في الدم. وقد هجا المتنبي المانوية : quot;وكم من يد عندي للظّلام حبيبة / تخبّر أنّ المانوية تكذبquot;. محمد علي أمير معزي ndash; وهو إسم جميل جمع المجد من أطرافه حضارة الفرس ودين العرب كما لم يقله مهيار الديلمي - وهو إلى ذاك إسم على مُسمّى. وما كتبه عن الإسلام والقرآن يفوق أهمية بما لا يقاس ما يثرثر به كثير من المفكرين العرب المعاصرين مثل الجابري، الذين يكثر quot;تفصيلهم ويقلّ تحصيلهمquot; كما قال القدماء في أمثالهم. ويطيب لي هنا الحث على ترجمة كتابيه اللذين يتمتّعان بِراهِنيَّة حارقة وهما La petite Histoire de l'Islam (موجز تاريخ الإسلام) مع Pierre Lory، صادر عن دار Flammarion, 2007، وكتاب Qu'est-ce que le Chi'isme? مع Christian Jambet، صادر عن دار Fayard, 2004.
كما أوجّه نداء لترجمة مأثورته التي ستظل خالدة على مرّ العصور، معجم القرآن (صدرت الترجمة الإيطالية Dizionario del Corano, Mondadori, Milan, 2007, 989 p والترجمة الإنجليزية تصدر هذه السنة عن دار نشر Oxford University Press). فهل يوجد في العالم الإسلامي من يبادر إلى إنجاز هذا المشروع الضخم ويقدمه هدية لأمّتنا الإسلامية التي مازالت تجهل تاريخ قرآنها الكريم بينما جميع الأمم الأخرى تعرف أصل وفصل دياناتها وكتبها المقدسة؟ وهي اليوم بفضل هذا المعجم تعرف أيضا تاريخ وفصل القرآن الذي مازال مجهولا جهلا عميقا من المؤمنين به جمهورا ونخبة. ولمثل ذلك فليعمل العاملون.
نص الحديث
لأول مرّة، يتناول كتاب علميّا المفاهيم الأساسية لكتاب الإسلام المقدس، القرآن. هنا حديث مع محمد علي أمير معزي الذي أشرف على إنجازه.
لأول مرّة، يتناول كتاب علميّا المفاهيم الأساسية لكتاب الإسلام المقدس، القرآن. هنا حديث مع محمد علي أمير معزي الذي أشرف على إنجازه.
* منذ إعتداءات 2001 لم يتوقف القرآن عن أن يكون موضوع بحث وتشريح وجدل. فلماذا quot;معجم القرآنquot; في هذا الطوفان من التعليقات؟
- محمد علي أمير معزي: لأن القرآن رغم ما يُذكّيه من حبّ الإطّلاع، يبقى مجهولا جهلا عميقا. تأليفه المتقطِّع، ومحتواه الذي هو غالبا آيات متشابهات مغلقة عن الفهم، والطابع العتيق للغته، كلّ هذا يمنع حتى الناطقين بالعربية من إمكانية قراءته وفهمه. لا أبالغ حين أقول أن أقلّ من 5% من المسلمين في مقدورهم فَهمٍ القرآن مباشرة. في النهاية، علاقة المؤمن العادي بالمصحف مرتبطة أكثر بكثير بالشعور والوَرَع منها بالمعرفة. منذ الإنعطافة الدرامية التي إتخذها الإسلام على الساحة العالمية، غدا العالم كلّه، يتحدّث فعلا عن القرآن إمّا لتبنّيه على نحو تقريظي، وإمّا للتّنديد به ككتاب غزو وعنف. وكلا الصورتين خاطئتان. بهذا العمل الذي شرعنا فيه منذ خمس سنوات، أردت أن أُقدّم لأوّل مرة للجمهور العريض حصيلةً لفحص نقديّ دقيق، علميّ ومحايد للنّص القرآني نفسه. كان المقصود أيضا إبراز الدَّيْن الذي يَدين به الإسلام للدّيانات السابقة، اليهودية بصورة خاصة، والمسيحية، ولكن أيضا الزرادشتية والمانويّة. ننسى غالبا أن أربعة من أركان الإسلام الخمسة ذات أصل مانوي.
* كيف تتصورون استقبال العالم الإسلامي لكتاب مثل هذا؟ هل سيجد مكانه في كل المكتبات؟
- محمد علي أمير معزي: قبل ثلاثين عاما ما كان لهذا السؤال أن يُطرح. وهذا يعطي فكرة عن تغلغل الأيديولوجيا الأصولية في الذهنيات. بالطبع، يمكن أن يشعر الأكثر تزمُّتا بصدمة، ولكني لست متأكّدا أنّ هذا الكتاب سيُثير الكثير من المصاعب للعالم الإسلامي.
لا داعي للفزع، فإن نحن فعلنا ذلك فإننا سنعطي مبرّرا للتّحجر الإختزالي لدى أقليّة ضئيلة، مهملين قرونا من النقاشات. العلماء المسلمون انفتحوا على الفكر الحديث. يوجد منذ القرن التاسع عشر تقليد كامل من الدراسات التاريخية، الفيلولوجية والنقدية للقرآن. روح هذا الكتاب ليست سجالية. المساهمون في إنتاج هذا المعجم هم أنفسهم من جنسيات مختلفة (إيرانية، إسرائيلية، جزائرية، إيطالية تونسية، مغربية، فرنسية...) وينتمون لمختلف المدارس الإسلامولوجية.
* أضف إلى ذلك، أنه قلّما أعطي مثل هذا الحيّز للتيّار الشيعي؟
- محمد علي أمير معزي: فعلا، الإسلامولوجيا الغربية إهتمّت خصوصا بالمذهب السنّي إلى غاية العشرين سنة الأخيرة، مع أن الشيعة يمثلون أكثر من 200 مليون مسلم. فالأمر يتعلّق بأقليّة هامّة، كَمِّيا وكذلك فكريّا. من الممكن أن لا تكون للإسلامولوجيا الغربية هذه الرؤيا للتّشيع الإيراني لأنّها اكتشفته بعد الثورة الإسلامية، إلاّ أن النقاشات الفكرية في إيران ثريّة للغاية وفي غليان شديد حتّى حول مسائل حسّاسة مثل الأسس العقائدية للإيمان.
* في هذا المعجم، أطول المقالات تتناول التفسير أو التصوّف أكثر من الفقه، والحال أنّنا نتصوّر القرآن عادة بمثابة مدوّنة قضائية، معيارية. هل هذا رأي مُسبق؟
- محمد علي أمير معزي: كلاّ، أعتقد بالعكس أنّنا بقينا ملتصقين بالنص. في الواقع، المعطيات الفقهية فيه ضئيلة جدّا. الفقه الإسلامي تطوّر بصورة واسعة خارج الإطار القرآني، بل هو أحيانا مضاد للقرآن. فمثلا الرجم في حالة الزنا أو أحكام الإرث والتَرِكة تُخالف ما هو موجود بالقوّة على نحو متناثر، في القرآن. الفقهاء المسلمون كانوا يشعرون أنّهم أحرار جدّا على هذا الصعيد وكانوا يستندون بالأحرى على ما كانوا يعرفونه من القانون الإيراني القديم، القانون الساساني أو القانون الروماني، بواسطة البيزنطيين، وحتّى الشريعة اليهودية.
*ولكن يبدو من الغريب أنّكم تجنّبتم بتاتا مفهوم الجهاد لكي تحيلوا القارئ إلى مقال quot;حرب وسلمquot;.
محمد علي أمير معزي: إنّه إختيار سياسي، هذه المرّة، إذ أنّني كنت على يقين من أنّ القرّاء سوف يذهبون مباشرة للنّظر هنا. وإذا كان المقال عن الجهاد غير موجود في المعجم فذلك أيضا للدّقة العلمية. الجهاد، بمعنى الحرب المقدسة، مفهوم متأخّر نسبيّا وهامشي في تطوّر القرآن. الجهاد في سبيل الله له في الغالب الأعم معنى الزهد. تاريخ العلاقات بين الإسلام والعالم الغربي يُؤثّر في اللاّشعور الجمعي، ولكن يجب النظر إلى الأمور بصفاء ذهن. لا ينبغي للأحداث الراهنة أن تحجب الثقافة.
ناصر بن رجب باحث تونسي
التعليقات