بالإمكان توصيف السنوات الخمس الماضية في العراق بأنها كانت مرحلة quot;شراء الوقتquot;. هذا الكلام يشمل القوات الأميركية، ويشمل القوى المعارضة، المسلحة منها وتلك التي انتهجت الطريق السلمي في معارضتها، وكذلك يشمل القوى السياسية التي تبنت وأيدت التغيير وشاركت في إدارة دفة الحكم.
فالولايات المتحدة فاجأتها تماما الأحداث التي شهدها العراق بعد التخلص من النظام السابق، وما كانت تتوقع أن تصل الأمور إلى ما وصلت إليه من سوء. وظلت الأمور تزداد تدهورا حتى بدى الأمر، في مرحلة من المراحل وكأن الأوضاع خرجت عن نطاق السيطرة الأميركية تماما، إلى حد أصبح فيه كبار مسؤولي إدارة الرئيس بوش يتحدثون عن quot;حرب أهليةquot;، كتوصيف لما كان يشهده العراق في تلك الأيام، خصوصا بعد تفجيرات سامراء. وطوال السنوات الخمس الماضيات، كان الهم الأكبر للولايات المتحدة هو، تفادي الوصول إلى لحظة الانهيار، والاستمرار في شراء الوقت بغية تحسن الأوضاع.
عملية شراء الوقت من قبل القوات الأميركية تمثلت في العمل على عدة محاور: محاربة الجماعات المسلحة المناهضة للعملية السياسية،وفي المقدمة منها تنظيم القاعدة، وتمثلت، أيضا، في الوساطة والتدخلات والضغوط المباشرة والمستمرة لدى الأطراف الحاكمة من أجل تذليل المشاكل التي تظهر بينها، وإقناع الجماعات العراقية التي رفضت في بداية الأمر الانضمام للحكم، لتغيير مواقفها والانخراط في العملية السياسية، وتشكيل مجالس الصحوات التي قلبت موازين القوى منذ لحظة تشكلها، والتدخل لدى الدول العربية باتجاه تليين مواقفها وحثها على الاعتراف بالحكم الجديد، وحث أطراف دولية لإلغاء الديون العراقية، والتوجه نحو الحكومة الإيرانية، عن طريق التهديد مرة، والمفاوضات المباشرة مرة أخرى، لحملها على عدم التدخل في الشأن العراقي، والضغط على الحكومة السورية لمراقبة حدودها مع العراق، منعا لدخول المسلحين الأجانب، مثلما تمثل في زيادة عدد القوات الأميركية المسلحة العاملة في العراق، واختيار قائد عسكري جديد لقيادتها هو، باتريوس، توازيا مع الاستمرار في زيادة عدد القوات المسلحة العراقية.
إما في ما يخص الجماعات المسلحة، فقد كان عدوها الأكبر الذي كان يثير عندها الفزع هو، الوقت. كانت تلك القوى تتسابق مع الزمن لمنع استتاب الأمن، حتى تبني نفسها، وتتحول إلى لاعب رئيسي لا يمكن تجاوزه، قبل أن تكون قوات الأمن قادرة على منازلتها. وكلنا نتذكر التصريحات المتطيرة لقائد تنظيم القاعدة، الزرقاوي، والتي كان يطالب عبرها أنصاره ببسط نفوذهم وإحكام سيطرتهم بأسرع فترة ممكنة، وتحويل quot;الدولة الإسلاميةquot; إلى أمر واقع، قبل أن تتمكن الحكومات العراقية من تقوية أجهزتها الأمنية.
ومن جانبها، دأبت القوى السياسية العراقية المشاركة في العملية السياسية، هي أيضا، على شراء الوقت، أو بالأحرى استغلال الوقت المشترى بالدماء والأموال الأميركية. وتجسدت تلك العملية في الاستفادة من توفر (الأسبرين) الأميركي للاستفادة منه في مواجهة الواقع المثقل بالمشكلات، ولاستخدامه كعلاج لتهدئة كل الأمراض العراقية، بما في ذلك الأمراض الخطرة التي تستدعي إجراء عمليات جراحية عاجلة، وهي تعرف أن ذاك العلاج مؤقت. وتمثلت تلك الطريقة في سلوك سبيلين، أولهما محاولة كل طرف من الأطراف تقوية نفسه وتثبيت مواقع أقدامه،حتى ولو تم ذلك على حساب شركاءه الآخرين، وتحويل quot;المكاسبquot; التي حصل عليها إلى أمر واقع، انتظارا لساعة الحسم، أو (و) في إقامة تحالفات مؤقتة سعيا لتحقيق أهداف آنية. والطريق الثاني تمثل في (سلق) حلول للقضايا الخلافية الكبرى، وتقديمها، في اللحظة الأخيرة، كأطباق ناضجة (طبعا، بتدخل أميركي)، بينما هي العكس تماما.
وبهذه الطريقة، لا بغيرها، أجريت الانتخابات، وتمت كتابة أخطر وثيقة عراقية على الإطلاق هي، الدستور، ومن ثم التصويت عليه. والنتيجة هي، ظهور دستور عراقي مختلف عليه، حمال أوجه، مليء بقنابل موقوتة، بدأ يطعن في صحته حتى اولاءك الذين شاركوا في كتابته. وتزامنت تلك الخطوات مع تكوين القوى الأمنية، و تشكيل كيانات سياسية quot;موحدةquot; في الظاهر، ومتصارعة في العمق، سرعان ما انفرط عقدها في أول منعطف واجهته، ومنح مواقع قيادية في مختلف أجهزة الدولة لأشخاص (غير أكفاء وغير مؤهلين لتحمل المسؤولية)، كما وصفهم مؤخرا رئيس الوزراء، السيد المالكي نفسه.
الآن، والتجربة العراقية تكاد تطوي سنتها السادسة، تم التوقيع على الاتفاقية العراقية الأميركية، أي تم رفع الغطاء الأميركي، أقله بصورة رسمية وقانونية، فأضحت جميع الأطراف العراقية (عارية) في مواجهة النفس، ومواجهة الواقع، والاعتماد على قدراتها الذاتية، بدون وجود quot;حلال مشاكلquot; أميركي. بمعنى آخر، أن القوى السياسية العراقية، وخصوصا تلك التي شاركت في الحكم منذ البداية، تحولت من مهنة quot;التضميدquot; التي مارستها طوال تلك السنوات المنصرمة، إلى مهنة quot;الجراحةquot;، فهذه القوى الآن داخل صالة العمليات الكبرى، وهي صالة لا تنفع داخلها كل أنواع المهدئات، بقدر ما تحتاج إلى مباضع شديدة الشحذ، وقرارات حاسمة وفورية، سيموت المريض العراقي، إذا تأخر اتخاذها، أو في أحسن الأحوال، تطول معاناته.
من هذه الأمراض العراقية، أو القضايا الخلافية التي تنتظر البت فيها وحسمها: الوضع الأمني الذي ما يزال مضطربا، تعديل الدستور، الطائفية والمحاصصة الطائفية، نوعية النظام الفيدرالي، توزيع العائدات النفطية، صلاحيات رئاسة الوزراء وصلاحيات المجلس الرئاسي، قضية كركوك، المصالحة الوطنية، رسم الحدود الجغرافية لإقليم كردستان، ثنائية الدين والدولة( أي هل يكتفي صانع القرار السياسي برأي مجلس النواب المنتخب، في كل قضية كبيرة تواجهها البلاد، أم يرجع، سواء بالضرورة أو استئناسا، لما تقوله المرجعية الدينية)، تنفيذ وثيقة الإصلاح، وغير ذلك.
هذه القضايا الكبرى، بعضها مسائل يتفق الجميع على حلها،كقضية استتباب الأمن، ومكافحة الفساد الإداري والمالي، وبعضها الأخر، وهي الأكثر أهمية، مشاكل خلافية تفتقر إلى إجماع، وتمثل تهديدا جديا لمجمل العملية السياسية، وهي مشاكل ظلت نائمة، أو بالأحرى تم تنويمها، وقد حان الآن وقت إيقاظها. والذي أيقظها، قبل الآخرين، هو رئيس الوزراء نفسه، السيد نوري المالكي، الذي كان قد ساهم مباشرة في quot;خلقهاquot; وفي quot;تنويمهاquot;.
فقد تواترت في الأسابيع القليلة الماضية تصريحات للمالكي ترى ضرورة تعديل الدستور العراقي، وإعادة النظر في مسألة علاقة المركز بالحكومات المحلية، والقضاء على الطائفية، والتخلص من نظام المحاصصة الطائفية.
ورغم أن المالكي، كما قلنا توا، كان أحد المشاركين الكبار في خلق هذه القضايا الخلافية، إلا أنه الآن يبرر ما حدث بأنه أملاءات فرضتها ضرورات اللحظة الراهنة التي كانت تعيشها البلاد، وإن القوى السياسية كانت مضطرة لركوب ذاك المركب، وما كانت لديها حيلة أخرى، أو كما أوضح المالكي: quot; إننا اضطررننا إلى هذا النظام (المحاصصة) ولا أقول أكثر من ذلك... (إما الآن فنحن) نريد بناء دولة تقوم على أساس العدل والمساواة.quot;
وهنا لا بد أن نطرح السؤال التالي:: إذا كان المالكي قد (شخص) خطر الطائفية ونظام المحاصصة، وأن (الاضطرار) هو الذي قاد إلى تبنيه في بداية الأمر، فما الذي يمنع المالكي وحزب الدعوة الإسلامية الذي ينتمي إليه، أن يتجاوزا هذا النظام، نظريا وعمليا، وقد زالت الظروف الاستثنائية التي أملته أو، على الأقل أن (يبادر) المالكي ويخطو الخطوة الأولى الكبرى في طريق إلغاء المحصصة؟
ثم، أليس الأحزاب السياسية الدينية الحاكمة، وحزب الدعوة الإسلامية الذي يرأسه المالكي واحد من هذه الأحزاب، هي التي خلقت الطائفية ونظام المحاصصة؟ فلو أن أحزاب مدنية عابرة للطوائف هي التي قادت العملية السياسية لما ظهر نظام المحاصصة الطائفية. فما دامت هناك أحزاب دينية حاكمة، داخل عراق متنوع الطوائف، فلا (بد) أن توجد محاصصة طائفية. وبالتالي، فأن بقاء نظام المحاصصة الطائفية واستمراره مرهونان ببقاء الأحزاب الدينية السياسية.
إذن، هل المالكي جاد أم هازل في نقده للطائفية ولنظام المحاصصة؟ وهل أن نقد المالكي للطائفية انعكاس لما يدور في أذهان أغلبية العراقيين، أم أن ما يقوله المالكي ليس سوى صرخة في البرية لا يسمعها أحد؟ ثم، ماذا عن مواقف حلفاء المالكي في الإتلاف، هل يتفقون معه أم يعارضون، وما موقفه منهم إذا عارضوا؟
وهنا، علينا أن نؤكد، ونحن نتحدث عن الطائفية ونظام المحاصصة الحالي، على أمرين. الأول هو، أن نظام المحاصصة كان قائما، في واقع الحال، منذ تأسيس الدولة العراقية الحديثة. فعلى امتداد تلك الحقب كان العراقيون الشيعة والأكراد مهمشين، أو على الأقل، لم يحظوا بتمثيل داخل الدولة يتناسب مع واقعهم العددي. لكن تلك المعادلة غير المتوازنة انتهت تماما عام 2003، عندما أصبحت صناديق الانتخابات هي الفيصل، وليس من المنطقي والمقبول العودة إليها. والأمر الأخر هو، ضرورة التفريق بين الطائفية المذهبية ونظام المحاصصة القائم عليها، من جهة، وبين استحقاقات المكونات القومية غير العربية، وفي المقدمة منها الأكراد. فالوضع في كردستان له خصوصيته التاريخية. وسواء استمرت وتعمقت التجربة الفيدرالية الكردية الحالية، أو تم اختيار صيغة إدارية جديدة تنظم العلاقة بين بغداد ومنطقة كردستان، فأن خصوصية منطقة كردستان لها شروطها الخاصة، بما في ذلك (الحصص) التي يستحقها الأكراد، تماما مثلما (حصة) الأقليات التي وافق عليها البرلمان.
الحديث، إذن، عن الطائفية المذهبية، وعن نظام المحاصصة المستند عليها. وهنا، نكرر السؤال السابق: هل بمقدور المالكي القضاء على الطائفية ونظام المحاصصة؟
بإمكان المالكي أن يتحول إلى شخصية تاريخية، شرط أن يحقق مأثرة تاريخية.
الجميع يعرف أن المالكي عندما جاء من المعارضة إلى الحكم، فأنه كان مشروطا بعدة شروط. فهو لم يأت إلى الحكم كشخصية سياسية مستقلة، وإنما كسياسي ينتمي إلى حزب سياسي ديني مذهبي، أسمه حزب الدعوة الإسلامية. وعندما وصل المالكي إلى رئاسة الوزارة فإنما جاء ممثلا، ليس لحزبه فقط، وإنما للإتلاف الشيعي. والمالكي وصل إلى الحكم مدعوما من قبل التيار الصدري الذي سانده منعا لوصول السيد عادل عبد المهدي. والقيد الأخر الذي كان يطوق عنق المالكي لحظة وصوله إلى سدة الحكم هو، علاقته التاريخية، المميزة، العضوية، الإستراتيجية، مع الجمهورية الإسلامية الإيرانية، شأنه شأن كل قيادات الأحزاب الدينية السياسية المكونة للإتلاف. قيد أخر كان يطوق معصم المالكي هو، وجود قوات الاحتلال الأميركي، كمتصرف رسمي وحيد في تقرير شؤون البلاد.
بعض هذه القيود حاول المالكي، خصوصا في الأشهر الأخيرة، أن يكسرها. ولعل دخوله في صراع مسلح ضد التيار الصدري إثناء عمليات البصرة، يعتبر أول مؤشر على رغبته. هذا الإجراء أعقبه تصريح مشهور للمالكي أعلن فيه، ردا على اتهامات البعض له بخدمة المصالح الإيرانية، بأنه quot;ليس رجل إيران ولا رجل الولايات المتحدة، إنما هو رجل العراق.quot; وفي أحد مؤتمراته الصحفية الأخيرة تقدم المالكي خطوة أخرى، فيما يخص العلاقة مع إيران، عندما رد على سؤال حول تخوف دول الجوار من أن تتضمن المعاهدة العراقية الأميركية بندا يسمح لها شن اعتداء على دول الجوار، بقوله quot;وهل هناك ضمان أن لا تعتدي هذه الدول على العراق؟quot; والجميع فهم أن إيران هي الدولة المعنية. بعد ذلك تتابعت تصريحاته حول تحديد إطار جديد يتم داخله تأطير العلاقة بين الحكومة المركزية وحكومات الأقاليم. وهو يعني حكومة إقليم كردستان، لكنه يعني، قبل ذلك، إرسال رسالة استباقية تحذيرية لحلفائه في الإتلاف الشيعي الذين يسعون لإقامة إقليم الجنوب. وأخيرا عمد إلى تشكيل مجالس إسناد العشائر، كتجمع مدني، غير ديني يدعم الحكومة. ومثلما قرأنا وتابعنا، فأن تأكيد المالكي على ضرورة وجود حكومة مركزية قوية تحتفظ بسلطة أعلى وأقوى من سلطة الأقاليم، أثار حفيظة حلفائه في الإتلاف الشيعي، أكثر من حفيظة الزعماء الأكراد. فقد فهم حلفاء المالكي في الإتلاف، وخصوصا المجلس الأعلى، أن المالكي سائر في طريق لا يشجع ولا يؤدي إلى إقليم جنوب بغداد الذي يسعون لخلقه. لقد فهم هولاء أن المالكي مصمم على إقامة دولة عراقية مدنية موحدة، تتمتع فيها المحافظات بصلاحيات واسعة لإدارة شؤونها، شرط أن لا تنافس المركز في القرارات، مع الأخذ بنظر الاعتبار (خصوصية) الوضع الفيدرالي في كردستان.
وهذه الخطوات، أو المواقف توجها المالكي، أخيرا، بتكوين قائمة انتخابية تحمل اسم quot;إتلاف دولة القانونquot;. وعندما عرف الناس أن المالكي يعكف على تشكيل قائمة انتخابية بهذه التسمية فأنهم توقعوا، وهم على حق، أن القائمة المذكورة ستكون عابرة للأديان والمذاهب والأعراق والقوميات والمناطق، كي تصبح أسما على مسمى. فدولة القانون، في أبسط تعريف لها هي، دولة العدل والمساواة، ومجتمعها هو مجتمع المواطنة. لكن ما يراه العراقيون، على أرض الواقع حتى الآن هو، أن قائمة (إتلاف دولة القانون) لم تتخلص بعد من رائحة الطائفية المذهبية التي خلقت المحاصصة الطائفية، التي يدينها المالكي.
قائمة (إتلاف دولة القانون) تتألف من لون واحد، ديني ومذهبي، فهي تضم حزب الدعوة الإسلامية برئاسة المالكي، وحزب الدعوة تنظيم العراق، والاتحاد الإسلامي لتركمان العراق، وكتلة الانتفاضة الشعبانية، وحركات أخرى تدور في نفس الفلك. وبالتالي، فأن هذه القائمة (المالكية) تحتاج، لكي تكون قائمة عراقية وطنية مدنية لجميع العراقيين، إلى أن تتوسع فتضم في صفوفها من يرغب من الأحزاب والمكونات والشخصيات الممثلة لكل ألون الطيف العراقي، دينيا ومذهبيا وسياسيا وايدولوجيا ومناطقيا. فهل أن المالكي قادر على انجاز هذه المهمة؟
ولأن المالكي ليس شخصية مستقلة، وإنما يتزعم حزب سياسي هو حزب الدعوة الإسلامية، فالسؤال يصبح كالأتي: هل بمقدور هذا الحزب، وقد توفرت لديه الآن شخصية قيادية (المالكي) أن يقوم بهذه المهمة، فيتحول هذا الحزب إلى (حزب وطني) جديد، ويصبح المالكي جعفر أبو التمن، أو على غرار (الحزب الوطني الديمقراطي) وزعيمه الجادرجي، أو على غرار الحزب الشيوعي العراقي في أربعينيات وخمسينيات القرن الماضي؟
وبإمكاننا أن نطرح السؤال التالي: هل بمقدور حزب الدعوة الإسلامية أن يحدث مراجعة شاملة جذرية، وينجز ثورة ثقافية داخل صفوفه، تؤهله للمزج بين منطلقه الديني، وبين منطلق ديمقراطي وطني عراقي شامل؟
نعم، نحن نعتقد بإمكانية حدوث هذا المنعطف التاريخي، وخصوصا أن الكثير من العوامل الذاتية والموضوعية متوفرة ومنها: إن حزب الدعوة الإسلامية هو حزب النخب، وعرف عن قياداته المؤسسة قدرتهم الفائقة على التنظير، ومنها تواجد فرصة تاريخية فريدة من نوعها يعيشها العراق هذه الأيام، ومنها رغبة عارمة بين غالبية العراقيين، لوجود عراق موحد، ديمقراطي، تتمتع فيه كردستان بخصوصيتها الفيدرالية الحالية، مع سلطات لامركزية واسعة تتمتع فيها جميع المحافظات غير المنتمية لإقليم.
إن هذه المهمة التاريخية بمقدور المالكي وحزبه النهوض بها، بغض النظر عن النتيجة التي ستتمخض عنها انتخابات المحافظات، رغم الأهمية القصوى لهذه النتائج. إما إذا حصدت قائمة المالكي أصوات أكثرية الناخبين في انتخابات الغد، أو حصلت على مواقع متقدمة، فأن هذه المهمة ستصبح أكثر يسرا، شرط أن يحقق المالكي وحزبه الانقلاب الموعود، ولكن الذي لا بد منه، لظهور دولة القانون، قولا وفعلا.
فالولايات المتحدة فاجأتها تماما الأحداث التي شهدها العراق بعد التخلص من النظام السابق، وما كانت تتوقع أن تصل الأمور إلى ما وصلت إليه من سوء. وظلت الأمور تزداد تدهورا حتى بدى الأمر، في مرحلة من المراحل وكأن الأوضاع خرجت عن نطاق السيطرة الأميركية تماما، إلى حد أصبح فيه كبار مسؤولي إدارة الرئيس بوش يتحدثون عن quot;حرب أهليةquot;، كتوصيف لما كان يشهده العراق في تلك الأيام، خصوصا بعد تفجيرات سامراء. وطوال السنوات الخمس الماضيات، كان الهم الأكبر للولايات المتحدة هو، تفادي الوصول إلى لحظة الانهيار، والاستمرار في شراء الوقت بغية تحسن الأوضاع.
عملية شراء الوقت من قبل القوات الأميركية تمثلت في العمل على عدة محاور: محاربة الجماعات المسلحة المناهضة للعملية السياسية،وفي المقدمة منها تنظيم القاعدة، وتمثلت، أيضا، في الوساطة والتدخلات والضغوط المباشرة والمستمرة لدى الأطراف الحاكمة من أجل تذليل المشاكل التي تظهر بينها، وإقناع الجماعات العراقية التي رفضت في بداية الأمر الانضمام للحكم، لتغيير مواقفها والانخراط في العملية السياسية، وتشكيل مجالس الصحوات التي قلبت موازين القوى منذ لحظة تشكلها، والتدخل لدى الدول العربية باتجاه تليين مواقفها وحثها على الاعتراف بالحكم الجديد، وحث أطراف دولية لإلغاء الديون العراقية، والتوجه نحو الحكومة الإيرانية، عن طريق التهديد مرة، والمفاوضات المباشرة مرة أخرى، لحملها على عدم التدخل في الشأن العراقي، والضغط على الحكومة السورية لمراقبة حدودها مع العراق، منعا لدخول المسلحين الأجانب، مثلما تمثل في زيادة عدد القوات الأميركية المسلحة العاملة في العراق، واختيار قائد عسكري جديد لقيادتها هو، باتريوس، توازيا مع الاستمرار في زيادة عدد القوات المسلحة العراقية.
إما في ما يخص الجماعات المسلحة، فقد كان عدوها الأكبر الذي كان يثير عندها الفزع هو، الوقت. كانت تلك القوى تتسابق مع الزمن لمنع استتاب الأمن، حتى تبني نفسها، وتتحول إلى لاعب رئيسي لا يمكن تجاوزه، قبل أن تكون قوات الأمن قادرة على منازلتها. وكلنا نتذكر التصريحات المتطيرة لقائد تنظيم القاعدة، الزرقاوي، والتي كان يطالب عبرها أنصاره ببسط نفوذهم وإحكام سيطرتهم بأسرع فترة ممكنة، وتحويل quot;الدولة الإسلاميةquot; إلى أمر واقع، قبل أن تتمكن الحكومات العراقية من تقوية أجهزتها الأمنية.
ومن جانبها، دأبت القوى السياسية العراقية المشاركة في العملية السياسية، هي أيضا، على شراء الوقت، أو بالأحرى استغلال الوقت المشترى بالدماء والأموال الأميركية. وتجسدت تلك العملية في الاستفادة من توفر (الأسبرين) الأميركي للاستفادة منه في مواجهة الواقع المثقل بالمشكلات، ولاستخدامه كعلاج لتهدئة كل الأمراض العراقية، بما في ذلك الأمراض الخطرة التي تستدعي إجراء عمليات جراحية عاجلة، وهي تعرف أن ذاك العلاج مؤقت. وتمثلت تلك الطريقة في سلوك سبيلين، أولهما محاولة كل طرف من الأطراف تقوية نفسه وتثبيت مواقع أقدامه،حتى ولو تم ذلك على حساب شركاءه الآخرين، وتحويل quot;المكاسبquot; التي حصل عليها إلى أمر واقع، انتظارا لساعة الحسم، أو (و) في إقامة تحالفات مؤقتة سعيا لتحقيق أهداف آنية. والطريق الثاني تمثل في (سلق) حلول للقضايا الخلافية الكبرى، وتقديمها، في اللحظة الأخيرة، كأطباق ناضجة (طبعا، بتدخل أميركي)، بينما هي العكس تماما.
وبهذه الطريقة، لا بغيرها، أجريت الانتخابات، وتمت كتابة أخطر وثيقة عراقية على الإطلاق هي، الدستور، ومن ثم التصويت عليه. والنتيجة هي، ظهور دستور عراقي مختلف عليه، حمال أوجه، مليء بقنابل موقوتة، بدأ يطعن في صحته حتى اولاءك الذين شاركوا في كتابته. وتزامنت تلك الخطوات مع تكوين القوى الأمنية، و تشكيل كيانات سياسية quot;موحدةquot; في الظاهر، ومتصارعة في العمق، سرعان ما انفرط عقدها في أول منعطف واجهته، ومنح مواقع قيادية في مختلف أجهزة الدولة لأشخاص (غير أكفاء وغير مؤهلين لتحمل المسؤولية)، كما وصفهم مؤخرا رئيس الوزراء، السيد المالكي نفسه.
الآن، والتجربة العراقية تكاد تطوي سنتها السادسة، تم التوقيع على الاتفاقية العراقية الأميركية، أي تم رفع الغطاء الأميركي، أقله بصورة رسمية وقانونية، فأضحت جميع الأطراف العراقية (عارية) في مواجهة النفس، ومواجهة الواقع، والاعتماد على قدراتها الذاتية، بدون وجود quot;حلال مشاكلquot; أميركي. بمعنى آخر، أن القوى السياسية العراقية، وخصوصا تلك التي شاركت في الحكم منذ البداية، تحولت من مهنة quot;التضميدquot; التي مارستها طوال تلك السنوات المنصرمة، إلى مهنة quot;الجراحةquot;، فهذه القوى الآن داخل صالة العمليات الكبرى، وهي صالة لا تنفع داخلها كل أنواع المهدئات، بقدر ما تحتاج إلى مباضع شديدة الشحذ، وقرارات حاسمة وفورية، سيموت المريض العراقي، إذا تأخر اتخاذها، أو في أحسن الأحوال، تطول معاناته.
من هذه الأمراض العراقية، أو القضايا الخلافية التي تنتظر البت فيها وحسمها: الوضع الأمني الذي ما يزال مضطربا، تعديل الدستور، الطائفية والمحاصصة الطائفية، نوعية النظام الفيدرالي، توزيع العائدات النفطية، صلاحيات رئاسة الوزراء وصلاحيات المجلس الرئاسي، قضية كركوك، المصالحة الوطنية، رسم الحدود الجغرافية لإقليم كردستان، ثنائية الدين والدولة( أي هل يكتفي صانع القرار السياسي برأي مجلس النواب المنتخب، في كل قضية كبيرة تواجهها البلاد، أم يرجع، سواء بالضرورة أو استئناسا، لما تقوله المرجعية الدينية)، تنفيذ وثيقة الإصلاح، وغير ذلك.
هذه القضايا الكبرى، بعضها مسائل يتفق الجميع على حلها،كقضية استتباب الأمن، ومكافحة الفساد الإداري والمالي، وبعضها الأخر، وهي الأكثر أهمية، مشاكل خلافية تفتقر إلى إجماع، وتمثل تهديدا جديا لمجمل العملية السياسية، وهي مشاكل ظلت نائمة، أو بالأحرى تم تنويمها، وقد حان الآن وقت إيقاظها. والذي أيقظها، قبل الآخرين، هو رئيس الوزراء نفسه، السيد نوري المالكي، الذي كان قد ساهم مباشرة في quot;خلقهاquot; وفي quot;تنويمهاquot;.
فقد تواترت في الأسابيع القليلة الماضية تصريحات للمالكي ترى ضرورة تعديل الدستور العراقي، وإعادة النظر في مسألة علاقة المركز بالحكومات المحلية، والقضاء على الطائفية، والتخلص من نظام المحاصصة الطائفية.
ورغم أن المالكي، كما قلنا توا، كان أحد المشاركين الكبار في خلق هذه القضايا الخلافية، إلا أنه الآن يبرر ما حدث بأنه أملاءات فرضتها ضرورات اللحظة الراهنة التي كانت تعيشها البلاد، وإن القوى السياسية كانت مضطرة لركوب ذاك المركب، وما كانت لديها حيلة أخرى، أو كما أوضح المالكي: quot; إننا اضطررننا إلى هذا النظام (المحاصصة) ولا أقول أكثر من ذلك... (إما الآن فنحن) نريد بناء دولة تقوم على أساس العدل والمساواة.quot;
وهنا لا بد أن نطرح السؤال التالي:: إذا كان المالكي قد (شخص) خطر الطائفية ونظام المحاصصة، وأن (الاضطرار) هو الذي قاد إلى تبنيه في بداية الأمر، فما الذي يمنع المالكي وحزب الدعوة الإسلامية الذي ينتمي إليه، أن يتجاوزا هذا النظام، نظريا وعمليا، وقد زالت الظروف الاستثنائية التي أملته أو، على الأقل أن (يبادر) المالكي ويخطو الخطوة الأولى الكبرى في طريق إلغاء المحصصة؟
ثم، أليس الأحزاب السياسية الدينية الحاكمة، وحزب الدعوة الإسلامية الذي يرأسه المالكي واحد من هذه الأحزاب، هي التي خلقت الطائفية ونظام المحاصصة؟ فلو أن أحزاب مدنية عابرة للطوائف هي التي قادت العملية السياسية لما ظهر نظام المحاصصة الطائفية. فما دامت هناك أحزاب دينية حاكمة، داخل عراق متنوع الطوائف، فلا (بد) أن توجد محاصصة طائفية. وبالتالي، فأن بقاء نظام المحاصصة الطائفية واستمراره مرهونان ببقاء الأحزاب الدينية السياسية.
إذن، هل المالكي جاد أم هازل في نقده للطائفية ولنظام المحاصصة؟ وهل أن نقد المالكي للطائفية انعكاس لما يدور في أذهان أغلبية العراقيين، أم أن ما يقوله المالكي ليس سوى صرخة في البرية لا يسمعها أحد؟ ثم، ماذا عن مواقف حلفاء المالكي في الإتلاف، هل يتفقون معه أم يعارضون، وما موقفه منهم إذا عارضوا؟
وهنا، علينا أن نؤكد، ونحن نتحدث عن الطائفية ونظام المحاصصة الحالي، على أمرين. الأول هو، أن نظام المحاصصة كان قائما، في واقع الحال، منذ تأسيس الدولة العراقية الحديثة. فعلى امتداد تلك الحقب كان العراقيون الشيعة والأكراد مهمشين، أو على الأقل، لم يحظوا بتمثيل داخل الدولة يتناسب مع واقعهم العددي. لكن تلك المعادلة غير المتوازنة انتهت تماما عام 2003، عندما أصبحت صناديق الانتخابات هي الفيصل، وليس من المنطقي والمقبول العودة إليها. والأمر الأخر هو، ضرورة التفريق بين الطائفية المذهبية ونظام المحاصصة القائم عليها، من جهة، وبين استحقاقات المكونات القومية غير العربية، وفي المقدمة منها الأكراد. فالوضع في كردستان له خصوصيته التاريخية. وسواء استمرت وتعمقت التجربة الفيدرالية الكردية الحالية، أو تم اختيار صيغة إدارية جديدة تنظم العلاقة بين بغداد ومنطقة كردستان، فأن خصوصية منطقة كردستان لها شروطها الخاصة، بما في ذلك (الحصص) التي يستحقها الأكراد، تماما مثلما (حصة) الأقليات التي وافق عليها البرلمان.
الحديث، إذن، عن الطائفية المذهبية، وعن نظام المحاصصة المستند عليها. وهنا، نكرر السؤال السابق: هل بمقدور المالكي القضاء على الطائفية ونظام المحاصصة؟
بإمكان المالكي أن يتحول إلى شخصية تاريخية، شرط أن يحقق مأثرة تاريخية.
الجميع يعرف أن المالكي عندما جاء من المعارضة إلى الحكم، فأنه كان مشروطا بعدة شروط. فهو لم يأت إلى الحكم كشخصية سياسية مستقلة، وإنما كسياسي ينتمي إلى حزب سياسي ديني مذهبي، أسمه حزب الدعوة الإسلامية. وعندما وصل المالكي إلى رئاسة الوزارة فإنما جاء ممثلا، ليس لحزبه فقط، وإنما للإتلاف الشيعي. والمالكي وصل إلى الحكم مدعوما من قبل التيار الصدري الذي سانده منعا لوصول السيد عادل عبد المهدي. والقيد الأخر الذي كان يطوق عنق المالكي لحظة وصوله إلى سدة الحكم هو، علاقته التاريخية، المميزة، العضوية، الإستراتيجية، مع الجمهورية الإسلامية الإيرانية، شأنه شأن كل قيادات الأحزاب الدينية السياسية المكونة للإتلاف. قيد أخر كان يطوق معصم المالكي هو، وجود قوات الاحتلال الأميركي، كمتصرف رسمي وحيد في تقرير شؤون البلاد.
بعض هذه القيود حاول المالكي، خصوصا في الأشهر الأخيرة، أن يكسرها. ولعل دخوله في صراع مسلح ضد التيار الصدري إثناء عمليات البصرة، يعتبر أول مؤشر على رغبته. هذا الإجراء أعقبه تصريح مشهور للمالكي أعلن فيه، ردا على اتهامات البعض له بخدمة المصالح الإيرانية، بأنه quot;ليس رجل إيران ولا رجل الولايات المتحدة، إنما هو رجل العراق.quot; وفي أحد مؤتمراته الصحفية الأخيرة تقدم المالكي خطوة أخرى، فيما يخص العلاقة مع إيران، عندما رد على سؤال حول تخوف دول الجوار من أن تتضمن المعاهدة العراقية الأميركية بندا يسمح لها شن اعتداء على دول الجوار، بقوله quot;وهل هناك ضمان أن لا تعتدي هذه الدول على العراق؟quot; والجميع فهم أن إيران هي الدولة المعنية. بعد ذلك تتابعت تصريحاته حول تحديد إطار جديد يتم داخله تأطير العلاقة بين الحكومة المركزية وحكومات الأقاليم. وهو يعني حكومة إقليم كردستان، لكنه يعني، قبل ذلك، إرسال رسالة استباقية تحذيرية لحلفائه في الإتلاف الشيعي الذين يسعون لإقامة إقليم الجنوب. وأخيرا عمد إلى تشكيل مجالس إسناد العشائر، كتجمع مدني، غير ديني يدعم الحكومة. ومثلما قرأنا وتابعنا، فأن تأكيد المالكي على ضرورة وجود حكومة مركزية قوية تحتفظ بسلطة أعلى وأقوى من سلطة الأقاليم، أثار حفيظة حلفائه في الإتلاف الشيعي، أكثر من حفيظة الزعماء الأكراد. فقد فهم حلفاء المالكي في الإتلاف، وخصوصا المجلس الأعلى، أن المالكي سائر في طريق لا يشجع ولا يؤدي إلى إقليم جنوب بغداد الذي يسعون لخلقه. لقد فهم هولاء أن المالكي مصمم على إقامة دولة عراقية مدنية موحدة، تتمتع فيها المحافظات بصلاحيات واسعة لإدارة شؤونها، شرط أن لا تنافس المركز في القرارات، مع الأخذ بنظر الاعتبار (خصوصية) الوضع الفيدرالي في كردستان.
وهذه الخطوات، أو المواقف توجها المالكي، أخيرا، بتكوين قائمة انتخابية تحمل اسم quot;إتلاف دولة القانونquot;. وعندما عرف الناس أن المالكي يعكف على تشكيل قائمة انتخابية بهذه التسمية فأنهم توقعوا، وهم على حق، أن القائمة المذكورة ستكون عابرة للأديان والمذاهب والأعراق والقوميات والمناطق، كي تصبح أسما على مسمى. فدولة القانون، في أبسط تعريف لها هي، دولة العدل والمساواة، ومجتمعها هو مجتمع المواطنة. لكن ما يراه العراقيون، على أرض الواقع حتى الآن هو، أن قائمة (إتلاف دولة القانون) لم تتخلص بعد من رائحة الطائفية المذهبية التي خلقت المحاصصة الطائفية، التي يدينها المالكي.
قائمة (إتلاف دولة القانون) تتألف من لون واحد، ديني ومذهبي، فهي تضم حزب الدعوة الإسلامية برئاسة المالكي، وحزب الدعوة تنظيم العراق، والاتحاد الإسلامي لتركمان العراق، وكتلة الانتفاضة الشعبانية، وحركات أخرى تدور في نفس الفلك. وبالتالي، فأن هذه القائمة (المالكية) تحتاج، لكي تكون قائمة عراقية وطنية مدنية لجميع العراقيين، إلى أن تتوسع فتضم في صفوفها من يرغب من الأحزاب والمكونات والشخصيات الممثلة لكل ألون الطيف العراقي، دينيا ومذهبيا وسياسيا وايدولوجيا ومناطقيا. فهل أن المالكي قادر على انجاز هذه المهمة؟
ولأن المالكي ليس شخصية مستقلة، وإنما يتزعم حزب سياسي هو حزب الدعوة الإسلامية، فالسؤال يصبح كالأتي: هل بمقدور هذا الحزب، وقد توفرت لديه الآن شخصية قيادية (المالكي) أن يقوم بهذه المهمة، فيتحول هذا الحزب إلى (حزب وطني) جديد، ويصبح المالكي جعفر أبو التمن، أو على غرار (الحزب الوطني الديمقراطي) وزعيمه الجادرجي، أو على غرار الحزب الشيوعي العراقي في أربعينيات وخمسينيات القرن الماضي؟
وبإمكاننا أن نطرح السؤال التالي: هل بمقدور حزب الدعوة الإسلامية أن يحدث مراجعة شاملة جذرية، وينجز ثورة ثقافية داخل صفوفه، تؤهله للمزج بين منطلقه الديني، وبين منطلق ديمقراطي وطني عراقي شامل؟
نعم، نحن نعتقد بإمكانية حدوث هذا المنعطف التاريخي، وخصوصا أن الكثير من العوامل الذاتية والموضوعية متوفرة ومنها: إن حزب الدعوة الإسلامية هو حزب النخب، وعرف عن قياداته المؤسسة قدرتهم الفائقة على التنظير، ومنها تواجد فرصة تاريخية فريدة من نوعها يعيشها العراق هذه الأيام، ومنها رغبة عارمة بين غالبية العراقيين، لوجود عراق موحد، ديمقراطي، تتمتع فيه كردستان بخصوصيتها الفيدرالية الحالية، مع سلطات لامركزية واسعة تتمتع فيها جميع المحافظات غير المنتمية لإقليم.
إن هذه المهمة التاريخية بمقدور المالكي وحزبه النهوض بها، بغض النظر عن النتيجة التي ستتمخض عنها انتخابات المحافظات، رغم الأهمية القصوى لهذه النتائج. إما إذا حصدت قائمة المالكي أصوات أكثرية الناخبين في انتخابات الغد، أو حصلت على مواقع متقدمة، فأن هذه المهمة ستصبح أكثر يسرا، شرط أن يحقق المالكي وحزبه الانقلاب الموعود، ولكن الذي لا بد منه، لظهور دولة القانون، قولا وفعلا.
التعليقات