أيهما أعلى مقاما، الشاعر أم الرئيس؟
دعونا نجري المقارنة التالية بين الشاعر العراقي عبد الرزاق عبد الواحد، وبين الرئيس صدام حسين.
في السن، أولا: عبد الرزاق أكبر سنا من صدام. هذا الأخير كان صبيا عندما فصل عبد الرزاق، لأسباب سياسية، عام 1947 من الكلية التي كان يدرس فيها. وحتى نتجنب أي خطأ، دعونا نقول إن الاثنين في سن واحدة.
في التحصيل الدراسي: عبد الرزاق حصل على شهادة البكالوريوس وفق التدرج الدراسي الرسمي المعروف والمطبق في العراق، بدءا من الابتدائية وحتى الدراسة الجامعية، بينما لا يعرف العراقيون حتى هذه الساعة، كيف ومتى وأين حصل صدام على شهادة الثانوية، وكيف ومتى حصل على شهادة كلية الحقوق.
الموقف من الخدمة العسكرية: عبد الرزاق خدم في الجيش العراقي كضابط احتياط، مباشرة بعد انتهاء دراسته الجامعية، بينما لم يخدم صدام يوما واحدا، ولم نعرف إن كان قد دفع البدل النقدي، كما بعض العراقيين. والأرجح، أن صدام ظل يعتبر وفقا للقانون العراقي quot;هارباquot; من الخدمة العسكرية.
في الممارسات الأخلاقية والاجتماعية: اعتمد صدام، منذ بداية نشأته، على قوته العضلية وليست الذهنية، ومارس صدام العنف في تصفية خلافاته الشخصية والسياسية. فقد أتهم، في مطلع شبابه بارتكاب جريمة قتل فلاح عراقي في تكريت أسمه سعدون التكريتي، ثم ساهم في تنفيذ عملية قتل رئيس الوزراء الأسبق عبد الكريم قاسم، وبعدها بسنوات قتل مجموعة من أقرب رفاقه الحزبيين، وظل يردد دائما وأبدا بأنه على استعداد لقتل ألاف العراقيين دون أن يرف له جفن، إذا هم وقفوا ضده، أو ضد نظام حكمه. بينما لم يعرف عن عبد الرزاق عبد الواحد أنه قتل ذبابة أو أوحى بقتلها.
في الشهرة والمنزلة الاجتماعية: صدام quot;السياسيquot; كان يحلم، مجرد حلم، أن يجالس الزعماء السياسيين أو الشخصيات المرموقة في البلاد، كالجادرجي، مثلا، أو صديق شنشل، أو فؤاد الركابي،أو البزاز أو ناجي طالب أو عبد السام عارف، ولم يعرف عنه أي نشاط سياسي جماهيري في العهد الملكي، ولا في العهود الجمهورية، اللهم ما عدا مشاركته في محاولة اغتيال قاسم وفي عمله في الجمعيات الفلاحية بعد نجاح انقلاب 8 شباط، واختياره، باعتباره أحد quot;الشقاةquot; لquot;كسرquot; إضراب طلاب الكليات في نهاية الستينيات، في حين كان quot;المثقفquot; عبد الرزاق يجالس quot;قادة الصف الأولquot; في ميدان الثقافة، كالجواهري والسياب ونازك الملائكة وعبد الوهاب البياتي وسعدي يوسف وعبد الملك نوري وفؤاد ونهاد التكرلي ومحمد سعيد الصكار وبلند الحيدري ومحمد صالح بحر العلوم ومظفر النواب، وغيرهم من الشخصيات الثقافية المعروفة، وكان يشارك في التظاهرات السياسية، وفصل من الكلية التي كان يدرس فيها، لأسباب سياسية.
الشأن الثقافي: لم يطبع صدام حسين كتابا واحدا في حياته ولم ينشر مقالة واحدة، سوى الكراسات التي تم نشرها أثناء توليه السلطة، بينما نشر عبد الرزاق أول كتاب له (ديوان شعري)، وهو لما يزل دون الخامسة والعشرين من عمره.
شرعية الموقع: وصل صدام حسين إلى quot;سلطةquot; السياسة quot;فجأةquot;، وأصبح (زعيما) بالصدفة وحدها، أي عن طريق انقلابين عسكريين، أولهما في 17 تموز والثاني في 31 تموز من عام 1968، وانقلاب دموي ثالث عام 1979، ولو أن السلطات الأمنية أفشلت الانقلاب الأول وألقت القبض على صدام ومن معه من المتآمرين، لما كان صدام قد أصبح معروفا، بينما وصل عبد الرزاق إلى (سلطة) الشعر، وأضحى واحدا من (زعماء) الحركة الثقافية في البلاد، بالتدرج الطبيعي quot;الديمقراطيquot;، أي بعد أن أجتاز كل المراحل التي يتوجب أن يمر بها أي أديب.
في الشأن الأيديولوجي: صدام حسين قروي، لكنه لم يأخذ عن الريفيين طيبتهم ومروءتهم، وإنما جلفهم وتفكيرهم المنغلق وتعصبهم. وظل، حتى عندما أعتنق المبادئ القومية الاشتراكية، يفكر ويتصرف وعينه على العشيرة. وصدام أول رئيس عراقي يعلي من شأن قانون العشيرة، على حساب قانون الدولة المدنية، عندما أوعز إلى أفراد من عشيرته إلى قتل مواطن عراقي أسمه حسين كامل المجيد(قريبه)، بسبب خلاف سياسي معه. ورغم كل ما قاله صدام، أثناء حكمه، حول حقوق المرأة وإنصافها، فأن العراقيين لم يشاهدوا كريماته أو عقيلته، مثلا، في مناسبات عامة، إلا بعد اعتقاله. وفي المقابل، كان عبد الرزاق عبد الواحد قد شكل، مع زملاء عديدين له، حركة طليعية في الشعر وفي الايدولوجيا، يرجع لها فضل تنوير وتحديث المجتمع، ونشر قيم الحرية والانفتاح، وسيادة القانون، والعمل على أنصاف المرأة، والتأكيد على المواطنة كمعيار وحيد للمساواة أمام القانون، وضمان حقوق جميع العراقيين، ومحاربة النعرات الشوفينية، والتعصب بأنواعه.
وهكذا، ووفقا للمقاييس الأنفة الذكر، فأن الشاعر عبد الرزاق عبد الواحد يعتبر أستاذا لصدام حسين، وهو أعظم مقاما من صدام، وأعلى شأنا.
سيكارة الرئيس وفرح الشاعر
بعد سقوط النظام السابق وإعدام صدام حسين تحدث الشاعر عبد الرزاق عبد الواحد عن علاقته السابقة مع صدام، فأضفى عليه لقب (سيف الدولة). وذكر الشاعر عبد الرزاق (مأثرتين) أقدم عليهما صدام (تكريما) له. وتحدث عن تلك (المأثرتين) بفرح غامر، حتى أنه، لكي يكون كلامه صادقا، أقسم اليمين أمام السيدة التي كان يتحدث أمامها (ونحن على ثقة أن عبد الرزاق كان صادقا في يمينه) بأن صدام حسين الرئيس quot;أنحنى أمام الحاضرين وهو يشعل بنفسه سيكارة الشاعر عبد الرزاق عبد الواحد (في مقابلة أجرته معه فضائية الشرقية). و(المأثرة) الثانية هي، أن صدام الرئيس طلب مرة، أو التمس من عبد الرزاق الشاعر أن (يغير) في مضمون أحدى قصائده، وعندما فعل الشاعر ما أراد منه الرئيس، فأن الأخير نهض من مكانه، مرحبا بما فعله الشاعر، ونهض معه جميع الحاضرين داخل القاعة.
نسأل: لو أن الشاعر عبد الرزاق (وما سنقوله يقين، وليس سؤالا) التقى صدام حسين قبل خمسين أو أربعين عاما، وأشعل صدام له سيكارته لما كان ذاك الفعل سيتحول إلى (مأثرة). ولو أن صدام حسين طلب قبل خمسين أو أربعين عاما من الشاعر عبد الرزاق أن يغير في أحدى قصائده، لنهره ولطرده. فإذا كان الشاعر عبد الرزاق ظل يتحدث طوال حياته بازدراء عن واحد من كبار أقرانه ونظرائه، هو الشاعر عبد الوهاب البياتي، لأن هذا الأخير، كما يروي عبد الرزاق، (تجرأ) وكتب مقدمة لديوان الأول دون علمه، فكيف سيقبل بشخص نكرة في عالم الأدب أن يصحح له ما يكتب، وأن يأتمر بأمره؟ ثم، أيهما أكثر شرفا لعبد الرزاق، من الناحية الإبداعية، أن ينهض استحسانا لشعره، صدام حسين الذي ألف شعرا لا يزيد ولا ينقص عن (يا بط يا بط أسبح بالشط)، أم أن ينهض له نقاد وأدباء الصف الأول في العراق؟
إذن، فرح الشاعر عبد الرزاق ب(المأثرتين) لم يحدث لأن صدام (الفرد) قام بهما، وإنما صدام (الدولة). التي (انحنت) أمام الشاعر عبد الرزاق وأشعلت له سيكارته هي (الدولة)، أو السلطة السياسية، والتي غيرت قناعته الشعرية هي السلطة السياسية.
حسنا، هل كان الشاعر عبد الرزاق بحاجة إلى هاتين المأثرتين من السلطة السياسية، حتى يصبح مشهورا، أو حتى ينال الاعتراف بشاعريته أو، إذا أردتم، ب(سلطته) الثقافية؟ وعلينا أن نذكر، هنا، أن صدام الرئيس (أهدى) الشاعر عبد الرزاق سيارتين فاخرتين، كما يذكر هو. ولكن السؤال يبقى هو هو: هل أن الشاعر عبد الرزاق بحاجة إلى سيارتين حتى يبقى على قيد الحياة الشعرية؟
تساؤلنا الآخر هو، هل كان الشاعر عبد الرزاق عبد الواحد صادقا ومنسجما مع نفسه، حقا، عندما كان يجالس صدام حسين وحاشيته، أم كان يشعر بغربة روحية وسطهم، أقله عندما يخلو بنفسه؟
هل كان يشعر بفرح حقيقي عندما يطري شعره أفراد مثل صدام حسين وعبد حمود ونصيف جاسم، تماما مثل ذاك الزهو والفرح اللذان كان يشعر بهما عندما كان يطري شعره السياب، مثلا، أو محمود البريكان أو حسين مردان أو بلند الحيدري، أو رشدي العامل؟
أجوبة هذه الأسئلة قد نجدها في quot;المذكراتquot; التي بدأ يواظب، أسبوعيا، على نشرها الشاعر في صحيفة الزمان. في هذه المذكرات تحدث عبد الرزاق عبد الواحد، بطريقة أقرب إلى الفخر عن جهات وشخصيات حاربها صدام، وعن تاريخ ظل صدام طوال حكمه يعيد كتابته. تحدث عبد الواحد عن علاقته بالحزب الشيوعي العراقي وقياداته، وبالأوساط اليسارية عموما، وأسهب وهو يتحدث بإعجاب لا مثيل له عن الجواهري، وتحدث عن رفقته مع مظفر النواب وسعدي يوسف وآخرين، وكذلك عن مشاركاته في التظاهرات السياسية التي كان يقيمها اليسار العراقي. عبد الرزاق تحدث عن (عالم) آخر لا يمت بصلة إلى (عالم) صدام حسين، بل يتقاطع معه. ومن المؤكد، أن هذه المواضيع كلها ما كان عبد الرزاق ليذكرها في حضرة صدام حسين، حتى لا نقول يتباهى بها.
وفيما يخص التقنية الشعرية، فأن المؤكد، أيضا، أن عبد الرزاق عبد الواحد ما كان سيتباهى أمام صدام حسين لو تحدث عن حركة التجديد التي عرفها الشعر العراقي لأنه، ببساطة ما كان سيجد أذنا صاغية. وعبد الرزاق يعترف، عندما سألته المذيعة، إن كان، خلال فترة الحرب العراقية الإيرانية، مع quot;عودة الشعر التعبوي العمودي الشعبيquot;، أو أسهم في عودته، فيقول: quot;ليس فقط أسهمت، بل كنت في الطليعة. (...) هذا شعر المعركة الذي يتحرك بحركة الخيول والسيوف. شعرت تحت وطيس الحرب أنني الآن يجب أن أكتب، وكتبت رجز في المعركة أشتعل اشتعال النار بالهشيم، وكل شعراء العراق بدأوا يقلدونني ويكتبون الرجز.quot;
وفي هذه الحال، فأن الشاعر عبد الرزاق عبد الواحد (خان) تاريخه الشخصي، وخان الشعر، عندما أعاد المجد إلى (حمار الشعراء) على حساب حركة التجديد الشعري، وخان تاريخ العراق، طوال حقبته الصدامية. وعندما نستخدم مفردة (خان)، فإنما نريد بها تقرير حال، وليست شتيمة شخصية ضد الشاعر. فالوقت ليس وقت شتائم، أولا لأن الشاعر عبد الرزاق لا ينام الآن تحت (خيمة على مشارف الأربعين)، وإنما على مشارف الثمانين، وهي خيمة يصفها، بأسى يخلع القلب، بأنها quot;خيمة مهدمة أوتادها مخلعة، يأتي يوم من الأيام نخلعها ونسير.quot; ومن غير المروءة أن يساء إلى شيخ طاعن في السن تظلله خيمة مهدمة. وثانيا، لأن عبد الرزاق عبد الواحد أحد عمالقة الشعر العراقي، لا يستقيم الحديث عن الشعر العراقي بدون أن نذكر أسمه. وفي الأدب هناك نقد وسيرة ذاتية وتاريخ أدب، والفرق كبير بين الثلاثة، والتفريق بينها واجب. وثالثا، لأن عبد الرزاق غنى للعراق وللعراقيين في قصائد تعد من عيون الشعر العربي، وله في ذمة بغداد وأهلها دين. وهو محق عندما يقول:
كبير على بغداد أني أعافها وأني على أمني لديها أخافها
تتبعت للسبعين شطآن نهرها وأمواجه في الليل كيف ارتجافها
ورابعا (وهذا هو الأهم، وهو غرضنا من كتابة هذه السطور) هو، أن عبد الرزاق عبد الواحد ليس استثناءا في تاريخ الشعر العربي. وإذا أردنا أن نكون منصفين وأحرارا في حديثنا، فعلينا أن نضع عبد الرزاق في سياق ما سبقه من الشعراء، عند الحديث عن المديح والهجاء.
الاستعانة بالتاريخ لتبرير السقطة
بعد موت صدام حسين، سؤل عبد الرزاق عبد الواحد: quot;من هو سيف دولتك الآن؟quot; فأجاب: quot;كسر. كان لدي وكسر، لم يبق لدي سيف دولة الآن. كنت اعتقد الرئيس العراقي الراحل كان سيف دولتي وفعلا كتبت له وأسقطت حلمي بالبطولة عليه مثلما أسقط المتنبي حلمه بالبطولة على سيف الدولة. (...) هناك سؤال مهم، فالتاريخ لم يحك لنا شيء عن سيف الدولة، فربما كان ظالم أو عنيف أو قاتل أو كذا أو كذا، لكنه كان حلم المتنبي بالبطولة.quot;
تعبير quot;كنت أعتقدquot; الرئيس العراقي السابق كان سيف دولتي، والإشارة إلى احتمال أن يكون سيف الدولة الحقيقي ظالما أو قاتلا، يدعمان افتراضنا السابق، أو بالأحرى يقيننا، بأن الشاعر عبد الرزاق ما كان منسجما ولا صادقا مع نفسه عندما كان يجالس صدام وعبد حمود وطه الجزراوي وعزة الدوري. إذ، ما الذي كان سيجده شاعر ومثقف مثل عبد الرزاق عبد الواحد عند هولاء الأميين، أو أشباه الأميين، وكيف لا يشعر بغربة روحية وهو يتحدث معهم. ما هي القضايا المشتركة، وما هو التاريخ المشترك، وما هي الذكريات المشتركة التي تربطه معهم أو تقربه منهم؟ لا شيء، أطلاقا، سوى quot; سيفquot; الدولة الرهيب، وأبهتها وزخارفها، رغم أن عبد الرزاق كان يدرك ويرى بأم بعينه كيف كان ذاك السيف يقطع أوصال تاريخه الشخصي، ويبتر أجساد الجهات والأشخاص الذين بنى مجده الحقيقي في أوساطهم.
واضح، أن عبد الرزاق عبد الواحد يستعين بالتاريخ، مستشهدا بعلاقة المتنبي مع سيف الدولة، لكي يبرر سقطته هو، لا أكثر، وليقول أنه ليس الشاعر الوحيد الذي مدح السلطة السياسية. وهذا تبرير غير مقبول، قطعا. ولكن، مع ذلك ورغم ذلك، فأن ما يقوله عبد الرزاق عن علاقة المتنبي مع سيف الدولة، واحتمال أن يكون سيف الدولة ظالما أو قاتلا، هو أمر صحيح. فعندما يقول المتنبي:
أي محل أرتقي أي عظيم أتقي
وكل ما خلق الله وما لم يخلق
محتقر في همتي كشعرة في مفرقي
فإنما ليؤكد على إصراره وتشبثه بحريته الشخصية، وتمرده الخلاق، وتفرده، وخياراته الحرة في الحياة. لكن quot;بيان الحريةquot; هذا يتحول إلى مجرد ثرثرة، ليس إلا، عندما يجعل المتنبي من فرد واحد من البشر هو، سيف الدولة، مركزا للكون، مؤسسا لنموذج لا يضاهى في عبادة الشخصية:
إذا اعتل سيف الدولة اعتلت الأرض ومن فوقها والبأس والكرم المحض
وكيف انتفاعي بالرقاد وإنما بعلته يعتل في الأعين الغمض
شفاك الذي يشفي بجودك خلقه فإنك بحر كل بحر له بعض
هنا، لا يهم أن يكون سيف الدولة عادلا حقا، أو كريما لا يضاهى أو شجاعا لا يبارى. المهم هو،تأليه الشاعر لفرد من البشر. فعندما يرهن مثقف بارز مصيره ومصير الملايين من البشر بمصير فرد، مهما كان هذا الفرد، فإنما quot;يشرعنquot; العبودية، ويلغي تفرده الخلاق. وكان المتنبي يثرثر وهو يقول quot; أي عظيم أتقي.quot; فها هو يتقي quot;العظيمquot; سيف الدولة، فقط لأن هذا الأخير يملك السلطة السياسية. وموقف عبد الرزاق عبد الواحد إزاء صدام لا يختلف عن موقف المتنبي.
فلماذا لا نقبل من عبد الرزاق عبد الواحد ما نقبله من المتنبي؟ وأين يكمن الخلل الحقيقي؟ في المثقف العربي، أم في الثقافة العربية؟
نحن نرى أن الخلل يكمن في ثقافتنا العربية. إنها ثقافة quot;خيانة الثقافةquot;. إنها ثقافة quot;شاعر القبيلةquot;، أي ثقافة ازدراء المثقف لنفسه كمثقف، وعدم ثقتة بنفسه كفرد حر ومتفرد،وعدم ثقته بإبداعه كسلطة تضاهي كل السلطات. وعندما لا يثق المثقف بسلطته الثقافية، فأنه يبحث عن سلطة أخرى، من خارج سلطة الثقافة، يستقوي بها على الآخرين. وهذه مسألة لم تبدأ مع عبد الرزاق عبد الواحد في مديحه لصدام حسين، ولا مع الجواهري في مديحه للأضداد، ولا مع المتنبي في سيف الدولة، ولا مع مواقف فلان وعلان من الأدباء. ولا نظن أن هذا النمط من ثقافتنا العربية سينتهي ما لم يحدث تغييرا جذريا في حياتنا العربية كلها، وفي أنماط تفكيرنا السائدة.