الغرب quot;الصليبي الكافرquot; رشح quot;العبدquot; أوباما لرئاسة أقوى بلد في العالم، وأختار المسلمة العربية المهاجرة رشيدة داتي لواحدة من أهم وزارات فرنسا، فماذا عملنا نحن، أبناء خير أمة أخرجت للناس، لquot;عبيدناquot; في طول البلاد العربية وعرضها؟ وأي منصب أسندناه للعمال الأسيويين المهاجرين في بلداننا؟
في الدفاع الذي قدمه أمام المحكمة الأميركية التي وقف قبل أسابيع أمامها، قال خالد شيخ محمد، الشخصية القيادية البارزة في تنظيم القاعدة والمتهم بالضلوع في هجمات 11 سبتمبر،بأنه quot;يرفض أن يدافع عنه أي شخص رئيسه جورج بوشquot;، وأكد قائلا quot; إن معتقدي الديني لا يسمح لي بقبول أي شيء غير الشريعة ولن أقبل تمثيل أحد حتى لو كان مسلما، الله سيحاكمquot;. وانتقد هذا quot;المجاهدquot; المحكمة التي تخضع للدستور الأميركي وquot;فاعلي الشيطان والزواج المثلي.quot; وعندما ذكره القاضي بأنه يواجه عقوبة الإعدام، قال شيخ محمد quot;هذا ما أريده منذ زمن بعيد وأنا أتمنى الموت شهيدا.quot; وقال شيخ محمد quot;لا يمكنني أن أقبل أي أمريكي يمثلنيquot; مشيرا إلى quot;حروب الأميركيين الصليبية في الأراضي المقدسة والعراق.quot; نقلا عن الحياة اللندنية في 06/6/2008.
هكذا، يتحول تاريخ الولايات المتحدة وتاريخ الغرب كله، في عين هذا المجاهد الإسلاموي، من بحر هادر زاخر بكل شيء، إلى ماء ضحضاح ليس فيه سوى ثلاث فقاعات هي: زواج المثليين، وجورج بوش، والحروب الصليبية. ومقابل التأكيد على هذه المحطات الثلاث، يتم إلغاء تاريخ كامل لأمم ولشعوب تعد بالملايين، بما في هذا التاريخ من: نجاحات وإخفاقات، وحروب طاحنة، وثورات عارمة، ومعارك أهلية، وتضحيات، وتحرير للعبيد، واكتشافات وانجازات علمية، والإطاحة بنظم قائمة واستبدالها بأخرى أفضل منها، وتشييد مكتبات زاخرة بالمؤلفات في الميادين الفلسفية والفنية والأدبية، وأحزاب متنوعة، وفلسفات مختلفة، ومفكرين ضحوا بأرواحهم دفاعا عن أفكار اعتبرتها السلطات الدينية هرطقة، وتظاهرات عارمة داخل المدن الغربية لصالح الشعوب التي اكتوت بنار الاستعمار الغربي، ومحاولات اغتيال لحكام (ربما كانت أميركا أكثر الدول التي تعرض رؤسائها للاغتيالات، منذ لنكولن ومرورا بجيمس أبراهام مارفيلد ووليام ماكنلي وجون كيندي وانتهاء بمحاولة اغتيال رونالد ريجان)، وإصدار تشريعات قانونية، ثم تعديلها أو إلغائها تبعا للظروف المستجدة، ووضع شرائع حقوق الإنسان، والتعليم المجاني، ودور العبادة المنتشرة في كل مدينة غربية بما في ذلك مئات المساجد للمسلمين الوافدين لديار الغرب. كل هذا التاريخ الحافل بعذابات الشعوب وتضحياتها في الغرب، يختزله المسلمون المجاهدون، برئيس أميركي واحد أسمه جورج بوش، وكل تلك التحولات والتغيرات العاصفة التي شهدها الغرب يتم اختزالها بسلوك أخلاقي واحد هو الشذوذ الجنسي، وكل تلك الصراعات الدامية ضد سلطة الكنيسة وقيام الأنظمة العلمانية الديمقراطية يتم إلغائها لصالح محطة واحدة في تاريخ الغرب هي مرحلة الحروب الصليبية.
ولا يذهب بأحدنا الظن بأن هذا الحكم بحق الحضارة الغربية عموما والأميركية على وجه الخصوص، واختزال التاريخ بهذه الطريقة الانتقائية التعسفية، يصدر عن جهل أو عدم إطلاع. فالسيد شيخ محمد يعرف جيدا الولايات المتحدة والغرب. وسبق له أن زار الولايات المتحدة ومكث فيها للدراسة وأتم دراسته الجامعية فيها، وهو يتحدث الإنجليزية بطلاقة. ولكن، يبدو أن المعايشة لا تجدي نفعا إذا اعتمدت البصر دون البصيرة. والبصيرة التي نعنيها هنا لا تتوجب، بطبيعة الحال، quot;الانحيازquot; المطلق للغرب وعدم كشف سيئاته بل وجرائمه بحق الشعوب الأخرى، أيضا، بقدر ما تعني quot;الحيادquot;، أو أقله الإنصاف في إصدار الأحكام.
لكن هل يستطيع quot;عقلquot; مثل هذا الذي يفكر به شيخ محمد أن ينظر بحياد وبموضوعية وبعقلانية؟ وعندما نذكر شيخ محمد فأننا لا نعنيه شخصيا، بقدر ما نعني منظومة فكرية متكاملة، ومبادئ تربوية، ورؤيا فلسفية وحياتية، نهل منها هذا المجاهد، يجسدها بوضوح أكثر تنظيم القاعدة الذي ينتمي إليه. لكن تنظيم القاعدة ليس ممثلها الوحيد، إنما هو عصارتها. فالمعلومات المتوفرة تقول إن شيخ محمد (الكويتي المولد والباكستاني الأصل) التحق بجماعة الأخوان المسلمين وهو في السادسة عشر من عمره، وبعد أكمال دراسته الجامعية توجه إلى أفغانستان للجهاد ضد القوات السوفيتية والتقى هناك بزعيم تنظيم القاعدة أسامة بن لادن. وبالتالي، فأن شيخ محمد يعد تلميذا نجيبا في مدرسة الإسلام السياسي الجهادي، وعندما يتحدث فأنه لا يتحدث من عندياته، إنما يطبق حرفيا ما تعلمه.
ما الذي تعلمه شيخ محمد الذي أعترف بضلوعه في ثلاثين مخطط أخر غير هجمات 11 سبتمبر، وحاول جاهدا خمس مرات الحصول على تأشيرة للدخول إلى أميركا للمشاركة في الهجمات المذكورة؟ تعلم شيخ أن يرفض أي عملية قانونية لا تسير quot;طبقا للشريعة الإسلامية.quot; بمعنى أخر أن حصد أرواح ألاف من البشر الأبرياء في الهجمات هو أمر تم quot;طبقا للشريعة الإسلامية.quot; وتعلم شيخ quot;إن معتقدي الديني لا يسمح لي بقبول أي شيء غير الشريعةquot;. وبالمعنى نفسه، ووفقا لمنطقه ذاته، فأن معتقده الديني يسمح له بإنهاء حياة أي إنسان لا يشاركه معتقده الديني.
لكن الأمر الأكثر أهمية الذي تعلمه هذا المجاهد من المدرسة الدينية السياسية التي نهل من تعاليمها هو، أن الحياة عبء، وعلى صاحبها أن يتخلص منها بأقرب فرصة. فعندما ذكره القاضي بأنه يواجه عقوبة الإعدام، رد شيخ قائلا: quot;هذا ما أريده منذ زمن بعيد وأنا أتمنى الموت شهيدا.quot; لكن، لماذا يعشق هولاء المجاهدون الموت بهذه الطريقة التي تصل حد الوله، ويتعجلون حدوثه، لهم ولخصومهم حتى لو كان الخصوم من نفس دينهم وجلدتهم؟ لماذا يفضلون دائما وأبدا الموت على الحياة؟ وهل البندقية التي لا تفارقهم كظلهم، دليل شجاعة روحية وثقة بالنفس وبالأفكار التي يؤمنون بها، أو دليل خواء روحي وخشية من مواجهة الحقيقة؟
واستطرادا نقول: لماذا يصر بن لادن والظواهري والزرقاوي إصرارا لا مثيل له، وبلجاجة لا تضاهيها لجاجة أخرى، على أن يظهروا أمام الملأ والبندقية معهم؟ أليس بمقدور أحدهم أن يظهر مع مجموعة من الأطفال، مثلا، أو بالقرب من نبع ماء، أو وهو يستظل بظل غابة أو حتى شجيرة، أو مستلقيا على أريكة، أو يقرأ في كتاب، أو أي مشهد يدل على الحياة؟
إنهم لم يفعلوا ذلك ولن يفعلوا، لأن هذه المشاهد تقربهم من الحياة، والحياة تعني الجديد والتجدد، إنها تعني المحاججة العقلية، وطرح الأسئلة وإيجاد أجوبة، مثلما تعني خوض وقبول التحديات العقائدية والسياسية ونبذ ما هو غير صالح، وربما الاعتراف بالخطأ، ومواجهة استحقاقات الاكتشافات العلمية، والاستعداد لقبول الأخر المختلف. وهذه الأمور كلها تخيف هولاء quot;المجاهدينquot; السلفيين، لأنها تقطع الميشمة التي تربطهم برحم الأم/ الماضي. وما داموا داخل رحم الماضي فأنهم يشعرون بالأمان الروحي. وما البندقية، أو العنف بشكل عام وبأقصى حالاته، إلا وسيلة يتوسلون بها للبقاء داخل رحم الماضي، ورفض كل محاولة للخروج إلى الحياة، ومواجهة quot;التحديquot; بكل عنوانيه وأشكاله. العنف هو أسهل الطرق لإنهاء الخصم، وquot;حلquot; المشاكل المختلف عليها. وما دامت الحياة عبء يجب التخلص منه، فليس أسهل من تسديد النيران ضد خصمك، فتنهي حياته أو ينهي حياتك، أي أن تخرس معارضته لك، أو تمنع أي إمكانية للجدال أو للسجال معه، حول أي أفكار quot;جديدة.quot; وربما لهذا السبب، فأن واحدة من المفردات التي يعشقها الجهاديون السلفيون هي، مفردة quot;بدعة.quot; إنها الوصفة السحرية التي يتحصنون داخلها للرد على كل quot;هرطقةquot;، أي على كل أمر جديد لم يألفوه سابقا. ومن هنا، ينبثق عدائهم الهستيري للغرب. فالغرب ما يزال يأتي كل يوم بquot;بدعةquot; جديدة. وبعض من هذه البدع الغربية تضرب في الصميم المثل العليا نفسها التي يدعي المجاهدون السلفيون الدفاع عنها، فينكشف ضعفهم وعجزهم، وتفتضح دعاواهم.
وأخر بدع الغرب هي، ترشيح أوباما، النصف مسلم، quot;الأسودquot;، quot;العبدquot;، النصف غربي، رئيسا لأقوى بلد في العالم. وبالطبع، فأن الجميع يعرف أن إمكانية ترشيح اوباما لرئاسة الولايات المتحدة، لم تتحقق بفضل بوش أو برلوسينكي أو ساركوزي أو براون، أو هذا الحاكم الغربي أو ذاك، وإنما بفضل نضالات مريرة خاضتها شعوب الغرب وقدمت من أجلها تضحيات جسيمة، وما كان لها أن تتحقق إلا بفضل نظام سياسي هو، النظام الديمقراطي الغربي العلماني. فلو أن الغرب ما يزال محكوما بعقلية الملوك والأباطرة، أو بعقلية الحروب الصليبية الدينية، لظل ترشيح أوباما حلما بعيد المنال، بل ولظلت مستمرة حتى هذه الساعة محاكم التفتيش، والحروب الدينية، والمذابح التي عرفها الغرب بين الكاثوليك والبروتستانت.
النظام الديمقراطي، وليس غيره هو الذي رفع وطبق عمليا شعارquot; لا فضل لأميركي أسود مهاجر من أصول إسلامية أسمه أوباما، على بيضاء مسيحية أسمها كلينتون إلا بصناديق الانتخاباتquot;. وهذه الواقعة التاريخية التي تدور فصولها هذه الأيام داخل الولايات المتحدة، ما كان لها أن تتحقق، كما قلنا، في ظل غياب التغيرات الكبرى التي شهدها تاريخ الحضارة الغربية. وحتى تتأكد من مصداقية هذا القول دونك عالمنا العربي الإسلامي. فنحن في العالم العربي الإسلامي أكثر البشر زعيقا عندما تحين مناسبة للحديث عن مساواة البشر. ففي مساجدنا ومدارسنا ووسائل إعلامنا ومنتدياتنا الثقافية وخطبنا الرسمية لا نكل ولا نمل من الحديث عن مساواة البشر. والبعض منا، خصوصا الوعاظ والشيوخ وقادة الحركات الإسلامية الدينية، وأصحاب فتاوى التكفير، يرددون عن ظهر قلب قوله تعالى quot;وإذا نفخ في الصور فلا أنساب بينهم يومئذ ولا يتسائلونquot; وقوله تعالى quot;يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها وبث فيها رجالا كثيرا ونساءquot;، وقول الرسول الكريم quot;ومن بطأ به عمله لم يسرع به نسبه.quot; لكن، تعالوا فتشوا في بلدان المسلمين، وخصوصا في عالمنا العربي، فهل تجدون أمثلة تطبيقية؟ هل تجدون، مثلا، حاكما عربيا، أو رجل دين بارز، أو قائد لتنظيم إسلامي سياسي، زوج أبنته لمسلم أسود؟ وهل عثرتم على أسيوي مسلم من العمالة الأجنبية في الخليج، أصبح رئيسا لبلدية، حتى لا نقول وزيرا؟
لكن هل يستطيع quot;عقلquot; مثل هذا الذي يفكر به شيخ محمد أن ينظر بحياد وبموضوعية وبعقلانية؟ وعندما نذكر شيخ محمد فأننا لا نعنيه شخصيا، بقدر ما نعني منظومة فكرية متكاملة، ومبادئ تربوية، ورؤيا فلسفية وحياتية، نهل منها هذا المجاهد، يجسدها بوضوح أكثر تنظيم القاعدة الذي ينتمي إليه. لكن تنظيم القاعدة ليس ممثلها الوحيد، إنما هو عصارتها. فالمعلومات المتوفرة تقول إن شيخ محمد (الكويتي المولد والباكستاني الأصل) التحق بجماعة الأخوان المسلمين وهو في السادسة عشر من عمره، وبعد أكمال دراسته الجامعية توجه إلى أفغانستان للجهاد ضد القوات السوفيتية والتقى هناك بزعيم تنظيم القاعدة أسامة بن لادن. وبالتالي، فأن شيخ محمد يعد تلميذا نجيبا في مدرسة الإسلام السياسي الجهادي، وعندما يتحدث فأنه لا يتحدث من عندياته، إنما يطبق حرفيا ما تعلمه.
ما الذي تعلمه شيخ محمد الذي أعترف بضلوعه في ثلاثين مخطط أخر غير هجمات 11 سبتمبر، وحاول جاهدا خمس مرات الحصول على تأشيرة للدخول إلى أميركا للمشاركة في الهجمات المذكورة؟ تعلم شيخ أن يرفض أي عملية قانونية لا تسير quot;طبقا للشريعة الإسلامية.quot; بمعنى أخر أن حصد أرواح ألاف من البشر الأبرياء في الهجمات هو أمر تم quot;طبقا للشريعة الإسلامية.quot; وتعلم شيخ quot;إن معتقدي الديني لا يسمح لي بقبول أي شيء غير الشريعةquot;. وبالمعنى نفسه، ووفقا لمنطقه ذاته، فأن معتقده الديني يسمح له بإنهاء حياة أي إنسان لا يشاركه معتقده الديني.
لكن الأمر الأكثر أهمية الذي تعلمه هذا المجاهد من المدرسة الدينية السياسية التي نهل من تعاليمها هو، أن الحياة عبء، وعلى صاحبها أن يتخلص منها بأقرب فرصة. فعندما ذكره القاضي بأنه يواجه عقوبة الإعدام، رد شيخ قائلا: quot;هذا ما أريده منذ زمن بعيد وأنا أتمنى الموت شهيدا.quot; لكن، لماذا يعشق هولاء المجاهدون الموت بهذه الطريقة التي تصل حد الوله، ويتعجلون حدوثه، لهم ولخصومهم حتى لو كان الخصوم من نفس دينهم وجلدتهم؟ لماذا يفضلون دائما وأبدا الموت على الحياة؟ وهل البندقية التي لا تفارقهم كظلهم، دليل شجاعة روحية وثقة بالنفس وبالأفكار التي يؤمنون بها، أو دليل خواء روحي وخشية من مواجهة الحقيقة؟
واستطرادا نقول: لماذا يصر بن لادن والظواهري والزرقاوي إصرارا لا مثيل له، وبلجاجة لا تضاهيها لجاجة أخرى، على أن يظهروا أمام الملأ والبندقية معهم؟ أليس بمقدور أحدهم أن يظهر مع مجموعة من الأطفال، مثلا، أو بالقرب من نبع ماء، أو وهو يستظل بظل غابة أو حتى شجيرة، أو مستلقيا على أريكة، أو يقرأ في كتاب، أو أي مشهد يدل على الحياة؟
إنهم لم يفعلوا ذلك ولن يفعلوا، لأن هذه المشاهد تقربهم من الحياة، والحياة تعني الجديد والتجدد، إنها تعني المحاججة العقلية، وطرح الأسئلة وإيجاد أجوبة، مثلما تعني خوض وقبول التحديات العقائدية والسياسية ونبذ ما هو غير صالح، وربما الاعتراف بالخطأ، ومواجهة استحقاقات الاكتشافات العلمية، والاستعداد لقبول الأخر المختلف. وهذه الأمور كلها تخيف هولاء quot;المجاهدينquot; السلفيين، لأنها تقطع الميشمة التي تربطهم برحم الأم/ الماضي. وما داموا داخل رحم الماضي فأنهم يشعرون بالأمان الروحي. وما البندقية، أو العنف بشكل عام وبأقصى حالاته، إلا وسيلة يتوسلون بها للبقاء داخل رحم الماضي، ورفض كل محاولة للخروج إلى الحياة، ومواجهة quot;التحديquot; بكل عنوانيه وأشكاله. العنف هو أسهل الطرق لإنهاء الخصم، وquot;حلquot; المشاكل المختلف عليها. وما دامت الحياة عبء يجب التخلص منه، فليس أسهل من تسديد النيران ضد خصمك، فتنهي حياته أو ينهي حياتك، أي أن تخرس معارضته لك، أو تمنع أي إمكانية للجدال أو للسجال معه، حول أي أفكار quot;جديدة.quot; وربما لهذا السبب، فأن واحدة من المفردات التي يعشقها الجهاديون السلفيون هي، مفردة quot;بدعة.quot; إنها الوصفة السحرية التي يتحصنون داخلها للرد على كل quot;هرطقةquot;، أي على كل أمر جديد لم يألفوه سابقا. ومن هنا، ينبثق عدائهم الهستيري للغرب. فالغرب ما يزال يأتي كل يوم بquot;بدعةquot; جديدة. وبعض من هذه البدع الغربية تضرب في الصميم المثل العليا نفسها التي يدعي المجاهدون السلفيون الدفاع عنها، فينكشف ضعفهم وعجزهم، وتفتضح دعاواهم.
وأخر بدع الغرب هي، ترشيح أوباما، النصف مسلم، quot;الأسودquot;، quot;العبدquot;، النصف غربي، رئيسا لأقوى بلد في العالم. وبالطبع، فأن الجميع يعرف أن إمكانية ترشيح اوباما لرئاسة الولايات المتحدة، لم تتحقق بفضل بوش أو برلوسينكي أو ساركوزي أو براون، أو هذا الحاكم الغربي أو ذاك، وإنما بفضل نضالات مريرة خاضتها شعوب الغرب وقدمت من أجلها تضحيات جسيمة، وما كان لها أن تتحقق إلا بفضل نظام سياسي هو، النظام الديمقراطي الغربي العلماني. فلو أن الغرب ما يزال محكوما بعقلية الملوك والأباطرة، أو بعقلية الحروب الصليبية الدينية، لظل ترشيح أوباما حلما بعيد المنال، بل ولظلت مستمرة حتى هذه الساعة محاكم التفتيش، والحروب الدينية، والمذابح التي عرفها الغرب بين الكاثوليك والبروتستانت.
النظام الديمقراطي، وليس غيره هو الذي رفع وطبق عمليا شعارquot; لا فضل لأميركي أسود مهاجر من أصول إسلامية أسمه أوباما، على بيضاء مسيحية أسمها كلينتون إلا بصناديق الانتخاباتquot;. وهذه الواقعة التاريخية التي تدور فصولها هذه الأيام داخل الولايات المتحدة، ما كان لها أن تتحقق، كما قلنا، في ظل غياب التغيرات الكبرى التي شهدها تاريخ الحضارة الغربية. وحتى تتأكد من مصداقية هذا القول دونك عالمنا العربي الإسلامي. فنحن في العالم العربي الإسلامي أكثر البشر زعيقا عندما تحين مناسبة للحديث عن مساواة البشر. ففي مساجدنا ومدارسنا ووسائل إعلامنا ومنتدياتنا الثقافية وخطبنا الرسمية لا نكل ولا نمل من الحديث عن مساواة البشر. والبعض منا، خصوصا الوعاظ والشيوخ وقادة الحركات الإسلامية الدينية، وأصحاب فتاوى التكفير، يرددون عن ظهر قلب قوله تعالى quot;وإذا نفخ في الصور فلا أنساب بينهم يومئذ ولا يتسائلونquot; وقوله تعالى quot;يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها وبث فيها رجالا كثيرا ونساءquot;، وقول الرسول الكريم quot;ومن بطأ به عمله لم يسرع به نسبه.quot; لكن، تعالوا فتشوا في بلدان المسلمين، وخصوصا في عالمنا العربي، فهل تجدون أمثلة تطبيقية؟ هل تجدون، مثلا، حاكما عربيا، أو رجل دين بارز، أو قائد لتنظيم إسلامي سياسي، زوج أبنته لمسلم أسود؟ وهل عثرتم على أسيوي مسلم من العمالة الأجنبية في الخليج، أصبح رئيسا لبلدية، حتى لا نقول وزيرا؟
يروى أن النبي محمد (ص) سمع ذات يوم أبا ذر الغفاري- وهو عربي- يعتدي على بلال بن رباح - وهو حبشي- ويقول له : يا ابن السوداء، فغضب (ص) غضبا شديدا، وانتهر أبا ذر وقال: quot;طف الصاع طف الصاعquot; ثم اتجه إلى أبي ذر وقال له quot;إنك أمروء فيك جاهلية، ليس لأبن البيضاء على أبن السوداء فضل إلا بالتقوى وعمل صالحquot;،فوضع أبو ذر خده على الأرض وأقسم على بلال أن يطأه بحذائه حتى يغفر الله له زلته.
لا نعتقد أن أحدا في تاريخنا العربي الإسلامي، منذ تلك الحادثة وحتى هذه الساعة، فعل مثلما فعل أبو ذر، وما زلنا جميعا نرتكب بوعي كامل، وبراحة ضمير، quot;زلةquot; أبي ذر الغفاري، ونعتبرها هي السلوك الصحيح، وما زلنا نهز بنشوة غامرة، عصا المتنبي بوجه من يختلف عنا في المعتقد الديني والمذهبي والسياسي، والعرقي، بينما يقدم لنا الغرب الديمقراطي أمثلة يومية على قدرته على تجاوز quot;زلاتهquot;، فيجعلنا نخجل من أنفسنا، فنحسده ونكرهه وننتقم منه، فنروح نفجر بيوت الغرب على رؤوس ساكنيها، انتقاما وتشفيا.
المهزلة المضحكة المبكية هي، أن البعض منا راح من الآن يقدمquot;النصائحquot; للرئيس الأميركي القادم، باراك حسين أوباما، بينما تتسع ابتسامة أوباما كلما تقدم خطوة باتجاه كرسي الرئاسة. إنه يبتسم ليسخر منا ومن نصائحنا ومواعظنا، وانفصام شخصيتنا، ولسان حاله يقول: أنا الزنجي باراك حسين أوباما سأصبح رئيسا لأميركا، وأنثى ستصبح نائبتي، وأنتم منشغلون بإصدار فتاوى بعدم جواز تولي الأنثى والقبطي لرئاسة بلدانكم.
المهزلة المضحكة المبكية هي، أن البعض منا راح من الآن يقدمquot;النصائحquot; للرئيس الأميركي القادم، باراك حسين أوباما، بينما تتسع ابتسامة أوباما كلما تقدم خطوة باتجاه كرسي الرئاسة. إنه يبتسم ليسخر منا ومن نصائحنا ومواعظنا، وانفصام شخصيتنا، ولسان حاله يقول: أنا الزنجي باراك حسين أوباما سأصبح رئيسا لأميركا، وأنثى ستصبح نائبتي، وأنتم منشغلون بإصدار فتاوى بعدم جواز تولي الأنثى والقبطي لرئاسة بلدانكم.
التعليقات