... مع كل هذا الفساد المالي؟
في اللحظة التي انهار فيها حكم صدام حسين نبعت، وأينعت بسرعة فلكية، ما نستطيع أن نسميها quot;أخلاقية الغنيمةquot;. وهي تعني أن يفوز المرء، هكذا، بلا أي مشقة وبلا أي جهد وبلا أي ثمن وبدون أي شرعية، بغنائم لم يتوقع الحصول عليها، وربما لم يحلم بالفوز بها حتى في المنام. فحالما عبرت أول دبابة أميركية جسر الجمهورية، وسط بغداد، حتى تصرف الجميع، أفراد وجماعات، على هدى هذه الأخلاقية: الأفراد نهبوا ممتلكات الدولة، والأحزاب، كل الأحزاب بدون استثناء، استولت على بعض ممتلكات الدولة، وبعض منها استولى، أيضا، على ممتلكات رجال العهد السابقين. وكانت تلك سابقة في تاريخ العراق الحديث، تحولت فورا إلى سنة وقاعدة، فصارت أفعال النهب والسلب والرشا وهدر المال العام وسرقته، في العراق الجديد، هي السلوك القويم المقبول، وما يخالفها (أي الأمانة والنزاهة) هما الاستثناء، فوضعت الأسس للفساد المالي، بل قل الخراب الذي نشهده هذه الأيام. وعندما كانت تلفزيونات العالم تنقل، من العاصمة العراقية، مشاهد سلب ونهب ممتلكات الدولة، فأنها كانت تنقل، في واقع الأمر، مشاهد لخراب مستقبلي قادم، وكانت تقدم لنا نحن العراقيين دون سوانا، دروسا تطبيقية خطيرة في quot;شرعنةquot; السرقة.
أما، لماذا quot; الشرعيةquot;، وأين تكمن الخطورة، فللأسباب والحيثيات التالية:
أولا/ طوال حكم صدام حسين كان العراقيون يشاهدون أمامهم بناء القصور الباذخة وسط العاصمة وضواحيها، من قبل أقارب صدام، ورجال حكمه البارزين. وكان العراقيون على قناعة (وهي صحيحة تماما) بأن تلك الممتلكات ما كان لأصحابها أن يحصلوا عليها لولا قرابتهم العائلية من صدام، أو تقربهم منه. أي أنهم حصلوا عليها دون وجه حق، وبالتالي هي حق مسلوب من أصحابه الحقيقيين.
ثانيا/ خلال سنوات الحصار الذي فرض على العراق سادت وانتشرت عمليات الرشا والتزوير وإفساد الذمم بطريقة تكاد أن تكون رسمية ومقبولة، وتتم بمعرفة، وربما بأشراف السلطات الحكومية وصدام حسين نفسه. وقد نقل عن صدام قوله في واحد من خطاباته، ردا على العوز الذي كان يعاني منه العراقيون أيام الحصار: (على كل مواطن أن يدبر حاله من موقعه.) ولم يكن هناك فهم لذاك القول سوى quot;تشريعquot; الرشا. وأثناء مرافعته أمام المحكمة الجنائية قال صدام حسين، وهو يحاول أن يفند أحدى وثائق الإدانة ضده، بأن تلك الوثيقة تم quot;تزويرها في شارع مريدي.quot; أي، أن صدام كان على إطلاع كامل بما يجري في العراق من عمليات تزوير ورشا وفساد مالي في أيام حكمه.
ثالثا/ إن خطورة ما حدث صبيحة سقوط الناظم السابق من عمليات نهب تكمن في أن تلك الغنائم التي تم الاستيلاء عليها لم تكن سوى ممتلكات الدولة، أي المال العام، أو مال الشعب، وبالتالي، فأن العدو الذي تمت استباحته كان الدولة وليس غيرها. والذي ترتب لاحقا على هذا الأمر هو، أن أصبحت الدولة وأملاكها العامة، طعما لكل من يريد، دون تردد ودون تأنيب ضمير.
رابعا/ شاركت في اقتسام الغنائم الأحزاب السياسية المعارضة لحكم صدام حسين، التي كان ينظر إليها المواطن البسيط باعتبارها quot;القدوةquot; أو quot;المثالquot;، أو الجهة العادلة التي ستملأ البلاد عدلا بعدما ملأها حكم صدام حسين ظلما وجورا. فبدلا من أن تطالب تلك الأحزاب بتشريع قانون (من أين لك هذا؟) لغرض مسائلة أقارب صدام ورجال حكمه بطريقة قانونية عادلة، ومطالبتهم بشرح كيفية الحصول على أموالهم، راحت تلك الأحزاب تنهب وتغتصب ممتلكاتهم وممتلكات الدولة، ولم تعيدها حتى هذه الساعة.
خامسا/ تمت عمليات اقتسام غنائم ممتلكات الدولة وسط أجواء دينية، وشاركت في اقتسام quot;الغنائمquot; جهات دينية، أو لنقل أحزاب دينية سياسية يتزعمها رجال دين معرفون. وهذا يعني إضفاء طابع ديني quot;شرعيquot;، أقله في عيون الناس البسطاء، على عمليات النهب.
سادسا/ شجعت وأشرفت على عمليات اقتسام الغنائم القوات الأميركية التي كان المواطن العراقي البسيط ينظر إليها كقدوة أو كمثال quot;أجنبيquot;، فتولدت لدى المواطن البسيط قناعة مفادها أن القوات الأميركية لا تمانع في عمليات النهب، وبالتالي فقد أضيفت quot;شرعيةquot; جديدة على عمليات النهب. وقد رأينا كيف أن رجال العشائر في كل مناطق العراق لم يتوانوا لحظة واحدة من ارتكاب عمليات السلب والنهب وقطع الطرق العامة، مباشرة بعد سقوط النظام السابق.
سادسا/ تصرفت النخب السياسية التي بدأت بتسلم مسؤولية الحكم، بعقلية المحاصصة، أو الولاءات الضيقة (هذا لنا وذاك لكم)، وكذلك بعقلية كأنها تغادر الحكم غدا، وبالتالي عليها أن تحصل على أكبر الغنائم بأسرع وقت ممكن.
سابعا/ لم تقم السلطات الرسمية، حتى بعد استتباب الأمور وتشكيل هيئة النزاهة، بأي جهد لملاحقة المرتشين وسراق المال العام في العهد الجديد، وتقديمهم للمحاكمة العلنية، أو الإصرار على جلب من هرب منهم إلى الخارج، عن طريق الانتربول، بل أن عمليات الفساد المالي تضاعفت إلى أرقام فلكية غير مسبوقة.
أولا/ طوال حكم صدام حسين كان العراقيون يشاهدون أمامهم بناء القصور الباذخة وسط العاصمة وضواحيها، من قبل أقارب صدام، ورجال حكمه البارزين. وكان العراقيون على قناعة (وهي صحيحة تماما) بأن تلك الممتلكات ما كان لأصحابها أن يحصلوا عليها لولا قرابتهم العائلية من صدام، أو تقربهم منه. أي أنهم حصلوا عليها دون وجه حق، وبالتالي هي حق مسلوب من أصحابه الحقيقيين.
ثانيا/ خلال سنوات الحصار الذي فرض على العراق سادت وانتشرت عمليات الرشا والتزوير وإفساد الذمم بطريقة تكاد أن تكون رسمية ومقبولة، وتتم بمعرفة، وربما بأشراف السلطات الحكومية وصدام حسين نفسه. وقد نقل عن صدام قوله في واحد من خطاباته، ردا على العوز الذي كان يعاني منه العراقيون أيام الحصار: (على كل مواطن أن يدبر حاله من موقعه.) ولم يكن هناك فهم لذاك القول سوى quot;تشريعquot; الرشا. وأثناء مرافعته أمام المحكمة الجنائية قال صدام حسين، وهو يحاول أن يفند أحدى وثائق الإدانة ضده، بأن تلك الوثيقة تم quot;تزويرها في شارع مريدي.quot; أي، أن صدام كان على إطلاع كامل بما يجري في العراق من عمليات تزوير ورشا وفساد مالي في أيام حكمه.
ثالثا/ إن خطورة ما حدث صبيحة سقوط الناظم السابق من عمليات نهب تكمن في أن تلك الغنائم التي تم الاستيلاء عليها لم تكن سوى ممتلكات الدولة، أي المال العام، أو مال الشعب، وبالتالي، فأن العدو الذي تمت استباحته كان الدولة وليس غيرها. والذي ترتب لاحقا على هذا الأمر هو، أن أصبحت الدولة وأملاكها العامة، طعما لكل من يريد، دون تردد ودون تأنيب ضمير.
رابعا/ شاركت في اقتسام الغنائم الأحزاب السياسية المعارضة لحكم صدام حسين، التي كان ينظر إليها المواطن البسيط باعتبارها quot;القدوةquot; أو quot;المثالquot;، أو الجهة العادلة التي ستملأ البلاد عدلا بعدما ملأها حكم صدام حسين ظلما وجورا. فبدلا من أن تطالب تلك الأحزاب بتشريع قانون (من أين لك هذا؟) لغرض مسائلة أقارب صدام ورجال حكمه بطريقة قانونية عادلة، ومطالبتهم بشرح كيفية الحصول على أموالهم، راحت تلك الأحزاب تنهب وتغتصب ممتلكاتهم وممتلكات الدولة، ولم تعيدها حتى هذه الساعة.
خامسا/ تمت عمليات اقتسام غنائم ممتلكات الدولة وسط أجواء دينية، وشاركت في اقتسام quot;الغنائمquot; جهات دينية، أو لنقل أحزاب دينية سياسية يتزعمها رجال دين معرفون. وهذا يعني إضفاء طابع ديني quot;شرعيquot;، أقله في عيون الناس البسطاء، على عمليات النهب.
سادسا/ شجعت وأشرفت على عمليات اقتسام الغنائم القوات الأميركية التي كان المواطن العراقي البسيط ينظر إليها كقدوة أو كمثال quot;أجنبيquot;، فتولدت لدى المواطن البسيط قناعة مفادها أن القوات الأميركية لا تمانع في عمليات النهب، وبالتالي فقد أضيفت quot;شرعيةquot; جديدة على عمليات النهب. وقد رأينا كيف أن رجال العشائر في كل مناطق العراق لم يتوانوا لحظة واحدة من ارتكاب عمليات السلب والنهب وقطع الطرق العامة، مباشرة بعد سقوط النظام السابق.
سادسا/ تصرفت النخب السياسية التي بدأت بتسلم مسؤولية الحكم، بعقلية المحاصصة، أو الولاءات الضيقة (هذا لنا وذاك لكم)، وكذلك بعقلية كأنها تغادر الحكم غدا، وبالتالي عليها أن تحصل على أكبر الغنائم بأسرع وقت ممكن.
سابعا/ لم تقم السلطات الرسمية، حتى بعد استتباب الأمور وتشكيل هيئة النزاهة، بأي جهد لملاحقة المرتشين وسراق المال العام في العهد الجديد، وتقديمهم للمحاكمة العلنية، أو الإصرار على جلب من هرب منهم إلى الخارج، عن طريق الانتربول، بل أن عمليات الفساد المالي تضاعفت إلى أرقام فلكية غير مسبوقة.
إذا أردنا أن نلخص ما حدث، ونترجمه إلى لغة الواقع الذي عشناه منذ الساعات الأولى لسقوط النظام السابق وحتى الآن، فأننا سنظهر بنتيجة واحدة هي quot;شرعنةquot; السرقة، أخلاقيا وقانونيا وسياسيا ودينيا وعشائريا، أردنا ذلك أو لم نرد، دون أن ننسى، بالطبع، العامل الأميركي المساعد. بمعنى أخر، نحن أمام كارثة أخلاقية جماعية. نحن أمام مجتمع عراقي ودولة عراقية أشهرا إفلاسهما الأخلاقي، مثلما تشهر أي شركة تجارية إفلاسها المالي. لكن الفارق بين الحالتين هو، أن ما من أحد، لا في الحكومة العراقية، ولا من أفراد الطبقة السياسية، يقر بذلك. فبينما يتحول موضوع الفساد المالي في عراق اليوم إلى مادة تتناولها الصحف العالمية على صدور صفحاتها الأولى، تحت عناوين منها (الفساد يفتك بالعراق)، فأن الأمر يبدو وكأنه لا يعني المسؤولين العراقيين، لا من قريب ولا من بعيد. إنها كارثة وطنية يرفض أن يراها المسؤولون العراقيون.
أليست كارثة وطنية عراقية أن يشغل نواب الشعب داخل البرلمان العراقي أنفسهم في قضية زيادة مرتباتهم، بينما تصنف quot;منظمة الشفافية العالميةquot; العراق في المرتبة الثالثة في لائحة 180 دولة، بعد بورما والصومال؟
أليست كارثة وطنية عراقية أن quot;يتماحكquot; نواب الشعب، وquot;يتمضحكونquot; فيما بينهم داخل قبة البرلمان، فيقوم أحدهم بإحراج الأخر، طالبا منه أن يتنازل هو أولا عن قسم من مرتبه الشهري حتى يحذو هو حذوه، وسواد العراقيين يتضورون جوعا وعطشا وحرا قاتلا في صيفهم القائظ، وأموالهم تنهب أمامهم، quot;على عينك يا حاجبquot;؟
ثم، أليست وظيفة الوزير هي وظيفة تكافلية، فلماذا لا يقدم وزير عراقي واحد استقالته احتجاجا، ويعلن أمام العراقيين أنه لن يشارك بعد اليوم في إدارة بلد تصنفه المنظمات العالمية في طليعة الدول التي ينخرها الفساد المالي؟
كيف يطمأن رجل دين يضع العمة على رأسه، ويستغفر من الشيطان ألف مرة في اليوم، ويمم شطره ثلاثا إلى الله، بأن صلاته سيتقبلها الله، وهو يشارك في حكومة أو برلمان أو يتزعم حزب يقود العملية السياسية الجارية في بلد وصلت أمواله العامة المنهوبة إلى أكثر من 23 مليار دولار، حسب صحيفة لوموند الفرنسية؟
أليست كارثة وطنية عراقية أن يشغل نواب الشعب داخل البرلمان العراقي أنفسهم في قضية زيادة مرتباتهم، بينما تصنف quot;منظمة الشفافية العالميةquot; العراق في المرتبة الثالثة في لائحة 180 دولة، بعد بورما والصومال؟
أليست كارثة وطنية عراقية أن quot;يتماحكquot; نواب الشعب، وquot;يتمضحكونquot; فيما بينهم داخل قبة البرلمان، فيقوم أحدهم بإحراج الأخر، طالبا منه أن يتنازل هو أولا عن قسم من مرتبه الشهري حتى يحذو هو حذوه، وسواد العراقيين يتضورون جوعا وعطشا وحرا قاتلا في صيفهم القائظ، وأموالهم تنهب أمامهم، quot;على عينك يا حاجبquot;؟
ثم، أليست وظيفة الوزير هي وظيفة تكافلية، فلماذا لا يقدم وزير عراقي واحد استقالته احتجاجا، ويعلن أمام العراقيين أنه لن يشارك بعد اليوم في إدارة بلد تصنفه المنظمات العالمية في طليعة الدول التي ينخرها الفساد المالي؟
كيف يطمأن رجل دين يضع العمة على رأسه، ويستغفر من الشيطان ألف مرة في اليوم، ويمم شطره ثلاثا إلى الله، بأن صلاته سيتقبلها الله، وهو يشارك في حكومة أو برلمان أو يتزعم حزب يقود العملية السياسية الجارية في بلد وصلت أمواله العامة المنهوبة إلى أكثر من 23 مليار دولار، حسب صحيفة لوموند الفرنسية؟
ولأن العملية السياسية الجارية منذ خمس سنوات تقاد، في قسمها الأعظم من قبل أحزاب وجماعات (دينية) سياسية، فأننا نذكرها بما تعلمناه في مدارسنا، وهي مدارس مدنية على أي حال، وليست مراكز دينية. وما تعلمناه وحفظناه عن ظهر قلب يقول: إن الإمام علي أرسل كتابا إلى بعض عماله متوعدا: (وإني أقسم بالله قسما صادقا لئن بلغني أنك خنت من فيء المسلمين شيئا صغيرا أو كبيرا لأشدن عليك شدة تدعك قليل الوفر (المال)، ثقيل الظهر، ضئيل الأمر (ضعيف) والسلام.)
وقرأنا، أيضا، أن الفاروق عمر بن الخطاب مر على الناس مستترا ليتعرف أخبار رعيته فرأى عجوزا فسلم عليها وقال لها: ما فعل عمر؟ قالت: لا جزاه الله عني خيرا. فقال: ولم؟ قالت: لأنه- والله- ما نالني من عطائه منذ أن ولي أمير المؤمنين دينارا ولا درهم. فقال لها: وما يدري عمر بحالك وأنت في هذا الموضع؟ قالت: سبحان الله ! والله ما ظننت أن أحدا يلي عمل الناس ولا يدري ما بين مشرقها ومغربها، فبكى عمر ثم قال: واعمراه ! كل أحد أفقه منك حتى العجائز يا عمر. ثم قال لها: يا امة الله، بكم تبيعيني ظلامتك من عمر؟ فأني أرحمه من النار. قالت: لا تهزأ بنا يرحمك الله. فقال لها: لست بهزاء... ولم يزل بها حتى اشترى ظلامتها بخمسة وعشرين دينار.
وقرأنا، أيضا، أن الفاروق عمر بن الخطاب مر على الناس مستترا ليتعرف أخبار رعيته فرأى عجوزا فسلم عليها وقال لها: ما فعل عمر؟ قالت: لا جزاه الله عني خيرا. فقال: ولم؟ قالت: لأنه- والله- ما نالني من عطائه منذ أن ولي أمير المؤمنين دينارا ولا درهم. فقال لها: وما يدري عمر بحالك وأنت في هذا الموضع؟ قالت: سبحان الله ! والله ما ظننت أن أحدا يلي عمل الناس ولا يدري ما بين مشرقها ومغربها، فبكى عمر ثم قال: واعمراه ! كل أحد أفقه منك حتى العجائز يا عمر. ثم قال لها: يا امة الله، بكم تبيعيني ظلامتك من عمر؟ فأني أرحمه من النار. قالت: لا تهزأ بنا يرحمك الله. فقال لها: لست بهزاء... ولم يزل بها حتى اشترى ظلامتها بخمسة وعشرين دينار.
الآن، تجاوزت خيانة فيء العراقيين 23 مليار دولار، وما من أحد يشتري ظلامتهم.
التعليقات