أكد رئيس المفوضية العليا المستقلة للانتخابات فرج الحيدري أن quot;مفوضية الانتخابات في بغداد وبقية المحافظات بذلت جهودا استثنائية في عقد الندوات التثقيفية التي تشدد على أهمية المشاركةquot; في انتخابات المحافظات المزمع أجرائها في القريب العاجل. ورغم هذه الجهود الاستثنائية، يقول رئيس المفوضية أن quot;300 ألف ناخبquot; فقط quot; من أصل 17 مليون نسمة، راجعوا مراكز تسجيل الناخبين حتى الآنquot; (صحيفة الحياة في 07/8/2008)
نكرر: 300 ألف فقط من مجموع 17 مليون عراقي، يتحمسون للمشاركة في انتخابات مجالس المحافظات، علما أن هذه الانتخابات لها أهمية قصوى لأن نتائجها قد تغير وجه العراق.
قطعا، أن هذا العدد لن يظل على حاله، بأي حال من الأحوال، عندما تحين ساعة الانتخابات. وسنبتعد كثيرا جدا عن الموضوعية، لو لم نأخذ بنظر الاعتبار الالتباسات الحاصلة، والخلافات المستمرة حاليا داخل البرلمان حول قانون الانتخابات، وبالتالي تأثير هذه الالتباسات في خلق ظروف سلبية تدفع الناخب العراقي إلى التريث وانتظار حسم الأمور. إذن، دعونا نقول أن هذا العدد سيتضاعف إلى عشرات المرات، ولنقل إن هذا العدد سيصبح مليونا أو خمسة ملايين، أو حتى أكثر بكثير. فهل ستؤثر هذه الأرقام المفترضة على جوهر quot;الحقيقةquot; التي أعلن عنها رئيس المفوضية، خصوصا إذا عدنا لأيام الانتخابات السابقة التي أنتجت مجلس النواب الحالي والدستور المعمول به، وقارنا بين الإقبال الجماهيري المليوني الذي طبع تلك الانتخابات، رغم ما رافقها من التهديد والوعيد والهجمات الإرهابية، وبين الفتور الاستثنائي الذي بدأ به الإقبال حاليا، رغم تحسن الظروف الأمنية بشكل غير مسبوق؟
لماذا لا يبدي العراقيون الحماس ذاته، إذن، وماذا يعني عزوفهم عن المشاركة في الانتخابات القادمة؟
ليس هناك من أسباب سوى شعور الأكثرية الساحقة من العراقيين بالإحباط من نتائج العملية السياسية التي شهدها العراق منذ سقوط النظام الصدامي، واليأس من تغيير الأمور نحو الأفضل على أيدي القوى السياسية الحالية. هذه أسباب عزوف الناخبين، أما النتيجة المنطقية التي يتم استخلاصها من عدم حماسة العراقيين للمشاركة فهي: إن الأحزاب الحاكمة حاليا ليست لها قواعد شعبية حقيقية واسعة، وأن التحالفات السياسية التي أقيمت قبل ثلاث سنوات، ما هي إلا تجمعات أقيمت على عجل، على طريقة (الفزعة) العشائرية، لتحقيق انتصار quot;اللحظة الراهنةquot;، قبل أن تفلت.
وإذا أردنا تقريب الأمور، فأننا نشبه العملية السياسية الجارية التي بدأت في العراق منذ سقوط النظام الصدامي، بطفلة (يتيمة) لا أبوان لها، ألقيت، بجمالها الساحر، على قارعة الطريق، وقد غطيت بالذهب، وتناثرت حولها صرر من الذهب لا عد لها، فتنافست على خطفها أيادي العابرين، وكل واحد يريد الاحتفاظ بها لنفسه، ويدعي وصايته عليها، دون الآخرين.
ونحن عندما نقول ذلك، فأننا لا نهدف إلى الطعن في وطنية الأحزاب والجماعات السياسية التي تتسيد المشهد العراقي، أو إلحاق إساءة مجانية بهذه الأحزاب، أو نبخسها حقوقها، بقدر ما نحاول تفسير الأمور، من وجهة نظرنا الخاصة بالطبع، معتمدين على المواد الخام، أي الحقائق الموجودة على أرض الواقع. وهذه الحقائق تقول، إنه مباشرة بعد سقوط النظام الصدامي، نشأ وضع ثوري، لكن بدون ثوار، ونشأت أجواء ديمقراطية، لكن بدون ديمقراطيين، ونشأت أجواء منفتحة وتسامحية، لكن بدون قادة منفتحين ومتسامحين، ونشأ وضع تقدمي، لكن بدون تقدميين، وحدثت مأثرة كبرى، لكن بدون أبطال.
فرغم أن ما حدث في 09/4/2003 هو ثورة كبرى، بمعنى التغيير الجذري الشامل، إلا أنه حدث بفعل تدخل أجنبي، أي بدون (ثوار) عراقيين. فجميع الأحزاب السياسية، دون استثناء، التي ظهرت، ثم بدأ بعضها يتصدر الواجهة، واجهة الحكم أو واجهة الشارع السياسي، إنما ظهرت بعد أنجاز الحدث، وليس قبله. قد يكون لهذه الأحزاب أو لبعض منها، أعضاء أو بعض ركائز تنظيمية في هذه المدينة أو تلك، أو تكون قد شاركت، ربما، في إطلاق بعض رصاصات هنا وهناك، ضد سلطة نظام صدام، أو أنها كانت تتمتع بوزن جماهيري مهم قبل عقود من السنوات، لكن هذا كله لا يمنع أن تواجدها الفعلي ونشاطها الحقيقي قد ظهرا بعد سقوط النظام السابق. وهذه الحقيقة لا تطعن، في واقع الحال، بمشروعية هذه الأحزاب، بقدر ما تكشف البطش الاستثنائي للنظام الصدامي.
وحالما بدأت هذه الأحزاب بممارسة نشاطها السياسي الجماهيري غب سقوط نظام صدام، فأنها وجدت أمامها حال استثنائية وفريدة من نوعها في تاريخ العراق المعاصر. تلك الحال تمثلت في وجود (شارع) سياسي مهيأ ومعبأ ومعد سلفا، أو (وقود) جماهيري جاهز، كاف لتحريك عشرات الماكينات الحزبية، أي وجود ملايين العراقيين (من مختلف الطوائف والمناطق الجغرافية والمشارب السياسية) الساخطين على النظام الصدامي، والمؤيدين للإطاحة به أو، على الأقل، غير المعارضين لإسقاطه، وغير المستعدين للدفاع عنه. فقد كانت الغالبية الساحقة من العراقيين، على اختلاف مذاهبهم وأعراقهم ومناطقهم، تؤمن تماما بأن نظام صدام حسين أصبح جيفة سياسية، يتمنون دفنها والتخلص منها نهائيا. والدليل على ذلك هو سقوط النظام الصدامي دون أي مقاومة تذكر.
والوضع الذي نشأ خلال الأيام والأشهر القليلة بعد سقوط النظام الصدامي هو، وضع ديمقراطي وليس غير ذلك،منفتح، تسامحي، يريد تضميد الجراح وإدارة الظهر للماضي الصدامي، وطي صفحته مرة واحدة وإلى الأبد، مع أمال واسعة باللحاق بركب الدول المتقدمة، وتعطش لممارسة الحريات العامة والخاصة. فقد بدأ ملايين العراقيين يمارسون ما كانوا ممنوعين من ممارسته. وانعكس ذلك في ممارسة الطقوس والشعائر والمسيرات الشيعية، بطريقة مليونية غير مسبوقة، وانعكس في التظاهرات اليومية السياسية والمطلبية في ساحة الفردوس، وظهور عشرات الأحزاب، وتمثل أيضا في نشاط إعلامي غير مسبوق، وظهور المئات من جمعيات المجتمع المدني، وممارسة النشاط الثقافي المتعدد الوجوه، وحضور لافت للمرأة العراقية، وإقبال منقطع النظير للخوض في الشأن السياسي، بعد أن كان العراقي يتلفت يمينا ويسارا قبل أن يلفظ كلمة السياسة، وتكوين جمعيات لسجناء الرأي من ضحايا العهد السابق من ذي الأفكار السياسية المختلفة، والإقبال المتزايد على السفر خارج البلاد، وبداية نشاط اقتصاد السوق المفتوح، والإقبال على الاستفادة من ثورة الاتصالات بشكل غير مقيد، وغير ذلك بكثير. باختصار، كانت كلمتا الحرية والديمقراطية تتردد على الشفاه.
ولكن، قيم الحرية والديمقراطية والتسامح لم تجد أمامها، بسبب السياسة القمعية للنظام السابق وأسباب مهمة أخرى، كيانات سياسية مشبعة بهذه القيم ومدافعة عنها وحاضنة لها. وفي ظل ذاك الغياب، فأن الجماعات السياسية التي تسيدت المشهد كانت أحزابا دينية مذهبية شيعية وسنية. ولأنها كذلك، فأن هذه الأحزاب ما كان بمقدورها، مهما فعلت ومهما أدعت، أن تكون ديمقراطية، ومنفحتة، ومتسامحة، ومعاصرة، سياسيا وثقافيا واجتماعيا، ولا أن تكون وطنية جامعة، لأن هذه القيم quot;المدنيةquot; تتعارض، بالضرورة، مع كينونة ومبررات نشوء أحزاب الإسلام السياسي، خصوصا إذا كان قيامها تم على أساس مذهبي. وحتى إذا أرادت أحزاب كهذه أن تتبنى قولا وفعلا القيم الديمقراطية، وتصبح وطنية عراقية عابرة للمذاهب، فأنها تحتاج إلى وقت، قد يطول وقد يقصر، تبعا للمتغيرات التي تشهدها البلاد، وتبعا للحراك الذي يتم داخل هذه الأحزاب.
ولو كانت هناك حياة سياسية طبيعية، في الأيام الأولى لسقوط النظام الصدامي، ولو كانت هناك دورة اقتصادية عادية، ومجتمع معافى، أي بدون التشويهات الطبقية التي ألحقها النظام البعثي بالمجتمع، لكانت تلك الحشود قد توزعت على أحزاب سياسية عديدة، أو لخلقت أحزابها وتنظيماتها السياسية الجديدة، فور سقوط النظام السابق.
وفي الواقع، إن بوادر هذه التنظيمات الجديدة بدأت تظهر، فعلا، فور سقوط النظام السابق، لكن الجماعات الإرهابية وما تبقى من حزب البعث، عاجلوا التجربة الجديدة، فأردوها quot;قتيلةquot; أمنيا وسياسيا، بعد أن نجحوا في تحقيق (ثورة مضادة) تمثلت في تحويل الحراك السلمي، السياسي، الطبقي، الاجتماعي، الثقافي، الوطني الشامل لكل العراقيين، إلى صراع طائفي ذي بعد واحد، متقوقع على نفسه، تقسيمي، وعدواني.
وكانت تلك الثورة المضادة التي قادتها الجماعات الإرهابية وبقايا البعثيين بمثابة هدية كبرى قدمت على طبق من فضة لأحزاب الإسلام السياسي بشقيه الشيعي والسني. فقد استفادت هذه الأحزاب من أجواء الشك والخوف والريبة المتبادلة، وحشرت الصراع برمته داخل ثنائية شيعية سنية، أفضت إلى تخندق مذهبي.
وفي ظل ذاك التخندق المذهبي، و تلك الأجواء المحمومة المرضية تم وضع اللبنات الأساسية للعملية السياسية الجارية، كإجراء الانتخابات، وكتابة الدستور، والاستفتاء عليه، والمضي قدما في سياسة المحاصصة، بما في ذلك توزيع المراكز الوظيفية في الأجهزة الإدارية والعسكرية، وقيام تحالفات على عجل بين أحزاب ما يفرقها أكثر مما يجمعها، وتوريط المرجعية الدينية في الصراع السياسي، وتفاقم دور المليشيات وإقدامها على سن (قوانين) خاصة بها وفرضها بقوة السيف على المجتمع. وهذه الأمور كلها تم (سلقها) على عجل، لأن أحزاب الإسلام السياسي كانت تدرك جيدا بأن عليها استغلال تلك اللحظة التاريخية وتحويلها من لحظة عابرة ومؤقتة، إلى واقع معترف به دستوريا وقانونيا ورسميا، وإلا فأن الأمور ستتغير عاجلا أو آجلا، وتفلت الفرصة من يديها.
إن كل ما قلناه توا لا يعني، أن الانتخابات العامة التي حدثت، والاستفتاء على الدستور، لم تتم وفق آلية ديمقراطية، ولا يعني أن الأحزاب الحاكمة حاليا اغتصبت السلطة، مثلما لا يعني،كذلك، أن القوى الديمقراطية أو المدنية أو العلمانية تم تهميشها. هذه القوى لم يهمشها أحد. فقد شاركت، شأنها شأن القوى السياسية الأخرى، وحصلت على ما نعرفه من نتائج متواضعة. وحتى إذا كان قد حدث تزوير هنا أو تلاعب هناك، إلا أن هذا لا يلغي ديمقراطية الانتخابات، أو الأصح الآلية الديمقراطية التي جرت بموجبها. فالخلل لا يكمن، إذن، في اللعبة الديمقراطية، إنما يكمن في طبيعة الأجواء quot;المرضيةquot; وغير الطبيعية التي تمت فيها الانتخابات، وكتابة الدستور، وما تأسس عليهما من نتائج. وعندما نقول أجواء (مرضية) فأننا نعني ما يلي: احتقان وتخندق ثم اقتتال مذهبي، غياب أي دور للفئات الاجتماعية الوسطى وللانتليجيسيا لأن هذه الفئات كانت ما تزال تعاني من هول الضربات الماحقة التي سددها ضدها النظام الصدامي والتي استهدفت وجودها، حضور سريع وكاسح للعقلية الريفية وتسيدها للمشهد، على حساب تراجع أدوار ومواقع الفئات المدينية الحضرية، غياب أي دور مستقل أو رافض أو متمرد للعشائر، إما لأنها تحولت إلى رديف وداعم لتنظيم القاعدة كما في المناطق الغربية والوسطى، أو لأنها (بيعت) فقهيا وشرعيا لأحزاب الإسلام السياسي التي روجت بأنها تنشط بأسم المرجعية الدينية وبتفويض وبمباركة منها، كما في مناطق الجنوب والفرات الأوسط.
وكانت نتيجة كل ذلك، تشكيل جيش وقوات شرطة ولاءها للمليشيات، وليست للدولة، وظهور مجلس نواب، أعضائه احتلوا مقاعدهم وكلهم quot;ملثمينquot; لا يعرف عنهم الناخب أي معلومة بسبب نظام القائمة المغلقة، وقيام حكومة يحتاج رئيسها لأجراء اجتماعات مارتونية مع الكتل السياسية، كلما أراد تغيير أو إقالة وزير واحد. وحتى عندما وجدت أحزاب الإسلام السياسي نفسها (مجبرة) بفعل قوانين سابقة، على إدخال نسبة محددة للنساء، فأن تلك الأحزاب جاءت (وأمرها لله) بنائبات لا تحترف غالبيتهن سوى مهنة الصمت، والموافقة غير المشروطة، حتى على قوانين لا تنصف النساء.
إما توفير الخدمات الأساسية مثل الكهرباء، والماء الصالح للشرب، وتعبيد الطرق، وإصلاح البرامج التعليمية، وبناء المزيد من المؤسسات الصحية، ومكافحة البطالة، فأنها ما تزال تتراجع، بينما تستمر عمليات الفساد المالي والإداري، بطريقة فاقت كل الأساطير.
وما دامت النتيجة هي كما ذكرنا، فأنه من المتوقع تماما أن لا يتحمس الناخبون للمشاركة في الانتخابات القادمة، وأن يحجبوا ثقتهم، عن الذين خيبوا ظنونهم، خصوصا بعد أن بدأ الناخبون يستفيقون من مفعول quot;البنج/ التخديرquot; المذهبي المتقابل، وبعد أن نأت المرجعية بنفسها عن الأحزاب الحاكمة وردت قادة هذه الأحزاب على أعقابهم، وبعد أن بدأ الدم يجري في عروق المجتمع مع استتاب الأمن، وبداية هزيمة قوى التطرف الديني المذهبي بنوعيه، بل وخفوت وهج أطروحات أحزاب الإسلام السياسي، بشكل عام، وظهور الصحوات العشائرية التي غيرت موازين القوى.
إنه quot;الواقعquot;، الواقع العراقي، بكل دينامكيته. ما من quot;بطلquot; في العراق حاليا غير بطل واحد هو، quot;الواقعquot;، فهو الوحيد الحي، المتحرك، المنتج لكل ما يثير الدهشة. وعندما نقول الواقع، فأننا نعني المجتمع المدني بذاكرته التاريخية الجمعية التي تذوب فيها وتنصهر كل الفوارق، وثقافته الوطنية المشتركة الجامعة، وإرثه السياسي المتراكم. نحن نعني الناس، نعني ملايين العراقيين، من الذكور والإناث، الذين تغص بهم الشوارع والمدارس والمنتديات الثقافية ودوائر الدولة والمساجد والتكايا والحسينيات والكنائس والحقول والمصانع والبيوت العراقية، وتضمهم المسيرات الزاحفة مشيا على الأقدام في المناسبات والزيارات الدينية.
هولاء جميعا ليسوا كتل صماء، ولا ببغاوات، ولا عبيد، ولا سلع تباع وتشترى. هولاء ليسوا ملكا لهذا الحزب أو ذاك، يجيرهم لصالح رصيده الانتخابي، متى ما أراد وكيفما أراد. هولاء بشر يعتنقون قناعة سياسية اليوم ويبدلونها غدا، إذا رأوا خطلها. هولاء، الذين تحرروا نهائيا من قبضة نظام صدام حسين، هم الذين سيخلقون الأحزاب، وهم الذين يجبرون الأحزاب الحالية على تعديل وتغيير مواقفها، بل وإحداث تصدعات وانشقاقات داخلها، وهم الذين يخلقون المجالس النيابية، وهم الذين يقيمون الحكومات ويسقطونها، وهولاء هم الذين يغيرون مجرى الأمور، ويقلبونها رأسا على عقب. هذه الملايين هي التي أنقضت على القاعدة وهي التي طاردت المليشيات. أصوات هولاء وصيحاتهم المتذمرة الشاكية من الأوضاع الحالية هي التي دعت المرجعية الدينية أن تسحب البساط من تحت أقدام أحزاب الإسلام السياسي الحاكمة. ورغبات هذه الملايين هي التي شجعت رئيس الحكومة نوري المالكي أن يتحول من قائد في حزب معين إلى زعيم وطني لكل العراقيين (وعلينا أن نشجعه وندعمه للمضي قدما في مسعاه، هو أو أي سياسي يحذو حذوه). هذه الملايين لا تحتاج إلى مصالحة وطنية لأنها، أصلا، متصالحة. هولاء هم داينمو الديمقراطية، ووقودها وحماتها. وهذه الملايين هي التي بدأت بتمزيق (الجلباب) الذي أرادت أحزاب الإسلام السياسي إلباسه إياها، بعد أن تيقنت أن هذا الجلباب بدأ يضيق ولا يتسع له الجسد العراقي.
وما فتور إقبال الناس على التصويت في الانتخابات القادمة إلا أشارة من أشارات كثيرة بدأ يبعثها ملايين العراقيين للأحزاب الحاكمة، مفادها: أليكم عنا، فتطلعاتنا لم تعد تتطابق مع ما تملكون من حلول.
ومن لا يصدق عليه أن يستمع للصيحات الهستيرية التي بدأ رجال أحزاب الإسلام السياسي يطلقونها، هلعة مرة ومتوعدة مرة ثانية ومتوسلة مرة ثالثة، وهي تدعو الناخبين للمشاركة في الانتخابات القادمة، ولسان حالهم يقول: لا تتركونا وحدنا، لا تتفرجوا علينا ونحن نغرق، امنحونا فرصة ثانية، عليكم أن تنظروا إلى النصف المملوء من الكأس.
لكن، الناخبين لن يستجيبوا لأنهم، ببساطة، لا يجدون أمامهم كأسا ولا ماء.