-1-
عشية سقوط الخلافة العثمانية الإسلامية في 1924، ارتجَّت بعض الأوساط الإسلامية، واعتقدت بأن سقوط الخلافة في تركيا يعني انهيار الدين الإسلامي. ولكن ظنَّ هؤلاء قد خاب. فبعد سقوط الخلافة ظل الدين مزدهراً وقائماً.

الخلافة بين الملك فؤاد والشريف حسين
وعشية سقوط الخلافة العثمانية الإسلامية 1924، تدافع بعض الحكام العرب، لكي يرثوا عرش السلطان عبد المجيد الثاني (1922-1924) آخر سلاطين/خلفاء بني عثمان، فقام الملك أحمد فؤاد في مصر، وهو يفرك شاربيه، وسرّب إلى مشيخة الأزهر رغبته هذه، فقام شيخ الأزهر حينذاك الشيخ محمد مصطفى المراغي (1881-1945)، بالاستجابة للدعوة الملكية quot;الكريمةquot; عام 1926، بعقد مؤتمر إسلامي لهذه المهمة. ولكن مهمة الشيخ المراغي فشلت ndash; وربما كان ذلك بفضل كتاب علي عبد الرازق quot;الإسلام وأصول الحكمquot; 1925- فطرد الملك فؤاد الشيخ المراغي من الأزهر عام 1929 عقاباً له على هذا الفشل، وأعاده مرة أخرى عام 1935. ولكن كتاب على عبد الرازق quot;الإسلام وأصول الحكم عام 1925، أبطل هذه المحاولة، وأسقط تلك الرغبة. فاستعان الملك بالإنجليز، وبحركة الإخوان المسلمين، وشيخها حسن البنا، الذي كان هو الآخر مع محمد رشيد رضا النجمين الداعيين إلى إحياء الخلافة الإسلامية من جديد، والبحث عمن هو مؤهل لهذه الخلافة.

طموح الشريف حسين للخلافة
وفي الحجاز، وبعد سقوط الخلافة العثمانية الإسلامية بأيام، التقط الشريف الحسين بن علي المهمة وأثر تحقيقها على آماله وأحلامه بعد أن خدعته بريطانيا ولم تفِ بوعدها في تحقيق تنصيبه ملكاً على العرب. وبدأ الشريف حسين حملة عربية إسلامية لتنصيبه عام 1924 خليفة للمسلمين، ووريثاً للعرش السلطاني العثماني المنهار، رغم أنه كان على عداء كبير مع العثمانيين وأعلن عليهم ما سُميَّ بـ quot;الثورة العربية الكبرىquot;، ووقف في الحرب العالمية الأولى (1914-1918) إلى صفِّ الدول الغربية، المضادة لدول المحور (ألمانيا- النمسا- المجر ndash; بلغاريا ndash; الإمبراطورية العثمانية). وكانت بريطانيا قد وعدت الشريف حسين بمملكة العرب جميعاً، إذ هي انتصرت مع حلفائها على دول المحور. وكان أن انتصرت بريطانيا وفرنسا في هذه الحرب، ولكن لم توفِ بريطانيا بوعدها، وعرضت على أبناء الشريف حسين عوضاً عن quot;مملكة العربquot; إمارة الأردن وسوريا ثم العراق، بدلاً من quot;مملكة العربquot; الموعودة. وقد غُصََّ الشريف حسين وغضب، خاصة عندما اصطفت بريطانيا إلى جانب الملك عبد العزيز آل سعود ضده، ومدَّته بمعونة مالية سنوية. وتنادى زعماء بعض العرب والمسلمين في الشام والعراق والهند، لمبايعة الشريف الحسين بن علي، وفعلاً تمَّت المبايعة الجزئية. ولكن الشريف حسين هُزم في الحجاز 1925، وخرج منها إلى العقبة، ثم إلى قبرص وعمّان، حيث رحل عام 1931، ودُفن في القدس، وسقطت quot;مملكة الحجاز الهاشميةquot; (1916-1925).

العوّاد يراقب الحلم المستحيل
كان محمد حسن عوّاد، يراقب سياسياً ما كان يدور في الحجاز. وكان يعتقد أن احتمال تحقق الخلافة الإسلامية للشريف حسين بن علي، أكثر من احتمال تحققها للملك فؤاد ملك مصر، وذلك للأسباب التالية:
1- أن بعض المؤرخين الموالين للهاشميين، يثبتون أن الشريف الحسين بن علي يرجع نسبه إلى آل البيت. وأنه سليل النبوة حيث يمتد نسبه إلى الحسين بن علي بن محمد، بن عبد المعين بن عون بن محسن بن عبد الله بن الحسين بن عبد الله بن الحسن بن محمد بن أبو نمي الثاني بن بركات بن محمد بن بركات بن الحسن بن عجلان بن رميثة بن محمد أبو نمي الأول بن الحسن بن علي الأكبر بن قتادة بن إدريس بن مطاعن بن عبد الكريم بن عيسى بن الحسين بن سليمان بن علي بن عبد الله بن محمد الثائر بن موسى الثاني بن عبد الله الرضا بن موسى بن عبد الله المحض بن الحسن المثنى بن الحسن السبط بن الإمام علي بن أبي طالب الحسني الهاشمي القرشي. وهناك أحاديث نبوية كثيرة - ربما ظهرت في بدء العصر الأموي- تؤكد حصر الخلافة في قريش منها: quot;الأئمة من قريشquot;، و quot;الأئمة منا أهل البيتquot; وغيرهما. لذا فانصياع بعض quot;أهل العقد والحلquot; من أشياخ المسلمين لمبايعة الشريف حسين بالخلافة الإسلامية كان سهلاً ومريحاً.
2- كان الشريف حسين ومملكة الحجاز الهاشمية (1916-1925) هي القائمة على خدمة وحماية الأماكن المقدسة في مكة المكرمة والمدينة المنورة، وإن كانت هذه الخدمة وهذه الحماية منقوصة غير كاملة، مما شجع كثيراً من قُطاع الطرق على قطع طريق الحج والعمرة والزيارة. وبذا كان الشريف حسين أقرب مكانياً الى المقدسات الإسلامية من الملك فؤاد.
3- إن رفض بعض شيوخ الإسلام في بلاد الشام والعراق والهند لخلافة الحسين بن علي، كان يعني قطع العلاقة والصلة بأرض الحجاز، وأماكنها المقدسة، وعدم زيارتها، أو الاعتمار، أو الحج إليها، وهو ما لا يقدر عليه هؤلاء الأشياخ.
4- أيقن كثير من المسلمين بعد الحرب العالمية الأولى وانتصار الحلفاء فيها، أن بريطانيا وفرنسا سترث الأرض العربية التي كان يحكمها العثمانيون. وهذا ما حصل بالفعل. وظنوا أن مبايعتهم للشريف حسين بالخلافة الإسلامية سيحول دون ذلك، ويحقق للعرب العزة والمنعة، كما تمَّ للعثمانيين من قبل.

الخلافة بين العوَّاد وعبد الرازق
كان كتاب quot;خواطر مُصرَّحةquot; - بما يحمل من أفكار ليبرالية تنويرية بخصوص الحرية، والتعليم، والنقد الذاتي، والاقتصاد، وحقوق المرأة - تحذيراً ونذيراً غير مباشر ضد عودة الخلافة الإسلامية، وإعلاناً بأن عودة الخلافة الإسلامية حلم مستحيل، في ظل سيطرة الدول الأوروبية على العالم العربي بعد الحرب العالمية الأولى. والأسلوب غير المباشر الذي سلكه العوّاد كان ndash; ربما ndash; له ما يبرره. فالعواد أصدر كتابه عام 1926 والسعوديون استولوا على الحجاز كله عام 1925- 1926. ومادة كتاب quot;خواطر مُصرَّحةquot; لا بُدَّ أنها كُتبت قبل تاريخ 1926 وكان الهاشميون ما زالوا يحكمون الحجاز. وكان العوّاد يخشى بطشهم ndash; وهي الخشية الطبيعية ndash; فيما لو عارض الخلافة للحسين بن علي صراحة ومباشرة.
أما كتاب علي الرازق quot;الإسلام وأصول الحكمquot; عام 1925، فقد كان موجهاً بكامل مضمونه ونصوصه وبصراحة ومباشرة إلى بيان أن quot;خطة الخلافة خطه فاسدة وباعثة على السخريةquot; كما قالت الباحثة جيهان عمر (إسلام المصلحين، ص138). وقال عبد الرازق في هذا الكتاب، أن لا القرآن ولا السُنَّة نصا على وجوب قيام الخلافة، كما أن الإجماع لم ينعقد عليها. quot;وأن وجودها التاريخي لا يعني ضرورة استمرارهاquot; كما قال الباحث التونسي عبد المجيد الشرفي (الإسلام والحداثةquot;، ص 211). أما كتاب quot;خواطر مُصرَّحةquot; للعواد فلم يكن مكرساً لهذه القضية بشكل مباشر. ولكن مجمل أفكار العواد التنويرية والإصلاحية التي وردت في هذا الكتاب، كانت كافية للتدليل على أنه كان ضد الدولة الدينية، وضد عودة الخلافة الإسلامية، متمثلة بالهاشميين، أو غيرهم.
وما زال الحفر والتفكيك مستمرين.
السلام عليكم