(الموت للديكتاتور) من شعارات المظاهرات الإيرانية

في مشهد مقتبس من التاريخ، خرج رفسنجاني على الناس بعد موت الخوميني، وهو ممسك بيد خامنئي، ليعلن أن الإمام قد أوصاه بأن يكون خامنئي هو قائد الثورة الإسلامية، وبصرف النظر عن صحة هذه الوصاية من عدمها، ولكن هذه كانت بداية المرشد الجديد، نائب الإمام، خامنئي في ثوب الولاية، بعد الكفاح الثوري الطويل بجانب الخوميني، ليتربع على قمة الهرم السلطوي في إيران.وبالطبع لا أستبعد التطبيقات الدستورية والقانونية التي تم تطبيقها في هذه الفترة.
وبعد ما يقارب العشرين عاماً، تعلن وكالات الأنباء إشاعة موته، على إثر غيبوبة أصابته بعد تدهور حالته الصحية بسبب الأزمات السياسية التي مرت بها إيران أثناء الأزمة الإنتخابية الأخيرة، وكأنها كانت صادمة له، ولم يساهم هو فيها مباشرة.المدهش في الأمر، ليس موقف منتجي الخبر ومروجيه، فهذه ليست بالمرة الأولى التي يتم فيها ترويج موت هذا الزعيم أو ذاك، حتى خامنئي نفسه، قد ثارت حوله العديد من الإشاعات بسبب حالته الصحية أحياناً، أو موقف المعارضين له في شتى التوجهات.ومن مصلحة الجميع إشاعة هذا الأمر بين الحين والأخر، لتحقيق مصالح ملحوظة أو لا تدرك بالعين المجردة، سواء على الساحة الداخلية الإيرانية، أو الإقليمية.ولكن ما أثار دهشتي هو موقف الكتاب العرب اللذين سارعوا بكتابة المقالات والتحليلات، التي ترسم لإيران مستقبلها السياسي والشعبي بعد موت الزعيم، وبعد خلاصها من الديكتاتور على حد زعمهم، مختزلين القضية الإيرانية، بعقلية عربية تميل إلى شخصنة القضايا، في فردية خامنئي، وكأنه هو السبب الوحيد الذي تعاني منه إيران، ويشغل العالم، وبموته سوف تُحل الأزمات، أو تزداد تعقيداً، لا يهم، المهم أن كتابنا المحترمين، اختزلوا الدولة الإيرانية في شخصية خامنئي، داعين العالم للوقوف بجانب الشعب الإيراني ومناصرته في قضية الحرية والكفاح، ولا أدري عن أي حرية يتحدثون!!!.وهل الشعب الإيراني هو فقط من يحتاج هذه المناصرة!!، وهل هناك ثمّة كفاح نطالب الأخرين بمساندته!!.
السؤال الأهم في سياق إشاعة موت خامنئي، هو هل كان حياً من الأساس؟، بمعنى أن خامنئي بصفته الاعتبارية هو الولي الفقيه، مجسد لنظرية الولاية كما أقرها الخوميني في نظريته، وأقام عليها دولته، والمفترض بالولي الفقيه في النظام الإيراني، أن يكون الوصي على الدولة بشكل عام، ملهمها ومستشارها والقائم عليها، غير منحاز لتوجه دون أخر، أو لسطة دون أخرى، بمعنى أوضح أنه بعد غياب الخوميني بكل رمزيته وكاريزميته، التي قادت إيران لسنوات طوال، أصبح من الضروري التمسك بحرفية الولاية وشكلها، فخامنئي لا يتمتع مطلقاً بشخصية الخوميني، أو بفرديته، وبموت الخوميني الزعيم والمؤسس لم تتبقى سوى النظرية والرمز.خامنئي لم يستطع مطلقاً ملء هذا الفراغ في الساحة السياسية، أو الشعبية، وهذا بديهي بعد موت الأباء المؤسسين، ولكن ما فعله خامنئي أسقط مكانة الولي الفقيه من أساسها في المجتمع الإيراني، ولم يتبقى سوى سلطته فقط، والتي أصبحت محل للنقد أو الإنتقاد، ولهذا أسبابه التي بدت ظاهرة في الأزمة الإنتخابية الأخيرة.فقد أصبح الولي الفقيه رمزاً لتصفية الحسابات السياسية التاريخية والآنية بشكل واضح، وذلك ناتج عن الإدارة الفردية والسلطوية لخامنئي، التي أفقدت النظام هيبته.العباءة المقدسة قد سقطت منذ فترة ليست بقصيرة، وما زال متكأً على عصاه يلوح بها في وجه من يعارضه.
مساندة خامنئي القوية لنجاد في الأزمة الأخيرة، متجاوزاً لكل شرعية قانونية أو دستورية، أفقدت المرشد شعبيته وهيبته، أمام مزيداً من شعبية نجاد وسط الطبقات البسيطة من الشعب، تلك الطبقات التي تشكل وقود الحرس الثوري حيث ينتمي نجاد كليةً، الحرس الذي قفز متجاوزاً المرشد، ومقام الولاية، ليزعم قادته أنهم ملهمين من قِبل المهدي المنتظر مباشرة، غير عابئين بنائبة على الأرض وهو الولي الفقيه.فللحرس الثوري مشروعه الديني المستقل الذي يكتسب مشروعيته من مكانته المقدسة التي منحه إياها الخوميني في بداية الثورة، كحارس للمنجزات الثورية، ومدافع عنها.بل أنه قد تجاوز تلك المرحلة حين تمكن من تحويل نشاطه إلى الداخل السياسي، فأصبح عنصراً فاعلاً في المستوى الداخلي، ويعمل نجاد على استغلاله جيداً كورقة ضغط ضد معارضيه وشعبه إن إستلزم الأمر، وذلك بمنحه كيان اقتصادي قوي داخل السوق الإيراني، بحيث تعدى به مرحلة القوة العسكرية الضاربة للنظام، إلى مرحلة المشروع المستقل، المستحيل تجاهله أو تجاوزه.كل هذا تم نتيجة لتسيب خامنئي مع الحرس، واعتبارهم هم رجاله الأوفياء دون غيرهم، وما يؤكد هذا التوجه، ما يتم تناقله حول دور مجتبى خامنئي الذي ازداد شراسة واتساعاً خلال الأزمة السابقة تحديداً، وعلاقاته المعقدة برجال الحرس الثوري.فخامنئي قد أسقط العباءة لصالح العصا، حطم الولي الفقيه أمام شخصة المنفرد.
ولا يمكن استبعاد الدور المعاكس الذي يلعبه النظام ضد رجال الدين، فقد تم تقليص دورهم الحقيقي والمتمثل في رمزيتهم المرتبطة بالثورة الإيرانية منذ البداية، لصالح فردية المرشد وسطوة الحرس، فتم عزل الحوزة ثانية في نطاقها الخاص لمناقشة الأمور المذهبية والدينية، دون تدخل ملحوظ في عالم السياسة، مثلما كان الوضع أثناء حكم الشاه، لولا محاولة القوى الوطنية الإيرانية دمج الحوزة ثانية داخل الحركة الثورية لاكتساب الشرعية، وكذلك لكسب مناصرين داخل الكيان الحوزوي، لظلت بعيدة عن الثورة إلى الأن، وهذا ما يحاول النظام فعله في المرحلة الحالية، وإن كان هذا لا يتحمل مسؤوليته النظام العسكري القائم الأن فقط، ولكن لضعف الرموز الدينية كذلك، وسعيها لتحصيل مكاسبها الخاصة أمام مكاسب الحرس غير المنتهية.مما دعم بشكل أو بأخر التوجهات المعارضة داخل النظام وخارجه، أهم هؤلاء المعارضين أو لنقل المنافسين السياسيين هو هاشمي رفسنجاني، الذي تمكن من الالتفاف حول فساده الشخصي، كما اتهمه بذلك نجاد، ليعود ويلتف حوله علماء الحوزة بكل أطيافهم الفكرية، ويتخلوا بشكل واضح عن دعم المرشد، أو نجاد، فقد تمكن من اكتساب ثقة الحوزة نتيجة لثقله السياسي وتاريخه ومكانته الخاصة أمام خامنئي، فرغم محاولات نجاد لإتهامه بالفساد حتى يفقده أي شعبية ممكنة، أمام شعارات نجاد بكشف الفساد، وتحجيم سلطة المتاجرين بقوت الشعب الإيراني.ولكن رفسنجاني والمعروف بثعلب النظام قد تمكن من خلال مسانتده للمعارضة الإيرانية، وعلى رأسهم مير حسين موسوي، ومهدي كروبي، بالإضافة لدعمه لرجال الحوزة، أن يحقق شعبية تُشكل خطراً حقيقياً على النظام، في شكله العسكري.ويكفينا مثالاً خطبته الشهيرة التي ألقاها بعد الإنتخابات معرضاً بنجاد وخامنئي، مغيراً شعارات الموت لأمريكا، إلى الموت لروسيا والصين، بوصفهم الداعمين لنجاد في الأزمة الإنتخابية الأخيرة.حتى رغم التعريض بإسم رفسنجاني في المحاكمات الإيرانية بوصفه يخطط ضد المرشد ذاته، إلا أن موقفه لم يهتز، وظل الداعم الوحيد لحركة الإصلاح أو المعارضة في النظام.
وهكذا فقد خامنئي مزيداً من شعبيته في الشارع الإيراني، مثلما فقد حياده المفترض، فأصبح لنجاد الشارع والحرس، ولرفسنجاني النخبة والحوزة، هذا بالإضافة غلى ترأسه لأخطر مجلسي في النظام الإيراني، مجلس الخبراء، ومجلس تشخيص مصلحة النظام.بل أن كيان المرشد ذاته أصبح مهدداً، وإن كان مقام الولاية هو صمام الأمام للأن بالنسبة له.
ورغم ما قد تثيره إشاعة موت خامنئي، من تساؤل رئيسي حول البديل المطروح ليحل محل المرشد الأعلى، إلا أن محاولة إجابة هذا السؤال ستبدوا كدوران في حلقة مفرغة، فخامنئي ذاته لم يكن ضمن المرشحين لهذا المنصب في حياة الخوميني، بل قد شكل اختياره مفاجأة لبعض التيارات داخل السياق الإيراني، وكذلك الحال بالنسبة للأسماء المرشحة الأن، فأحياناً ما يتردد إسم مجتبى خامنئي نتيجة لسطوته الحالية، رغم كونه ليس من آيات الله، وأحياناً تتم الإشارة بوضوح إلى رفسنجاني، رغم خطورته وقدرته على التلون بكل الاطياف السياسية تحت مظلة الاعتدال، وهذه السمة من الصعب قبولها في شخصية المرشد أو الرجل الأول، وإن كان رفسنجاني يملك المقومات الشعبية والسلطوية لنيل مقام المرشد بوضوح، وكذلك يتم الإشارة إلى شخصيات مثل آية الله مصباح يزدي، بكل تشدده المعهود عنه، ومناصرته الكاملة للحرس الثوري ونجاد، ولا يمكن استبعاد شاهرودي رئيس السلطة القضائية، ذا الجنسية العراقية، حيث قد أقام في العراق إلى أن تم طرده مثل كل الإيرانيين اللذين تم طردهم في الحرب العراقية رغم خلافه مع الحوزة على مدار فترة زمنية طويلة.وهناك العديد من الأسماء الملوح بها في هذه الفترة، ولكن من الممكن أن يتم اختيار أسماء جديدة ليست في الحسبان، على الأقل للأن، فهذه قضية مؤجلة بوقتها.
الأهم أن منصب الولي الفقيه، قد ساهم خامنئي بشكل واضح في افراغه من محتواه، وحوله إلى عصا السلطة المطلقة خاصة في الأزمات الأخيرة، بل جسد في شخصه النظام بإطلاقه، أي مارس الولاية من جانب الوصاية المطلقة، ولكن دون قبول التعارض تحت المظلة الواحدة.
أكاديمي مصري
[email protected]