عندما نستعرض تاريخ العراق الاجتماعي ونستقرأ احداثه وعناصر حضارته نجد ان العراق، الذي اطلق عليه الاغريق، بلاد الرافدين Mesopotamia او quot;بابلونياquot; Babilonia واطلق عليه العرب quot;ارض بابلquot; ثم ارض السوادquot;، كان مهد اقدم الحضارات الانسانية العليا، التي نشأت وتطورت على ضفاف نهري دجلة والفرات حيث قامت مدن سومر واكد وبابل واشور. وقد دلت الكتب الدينية المقدسة والمكتشفات الاثرية العديدة، على ان أولى القرى الزراعية القديمة الذي استقر فيها الانسان منذ سبعة الآف سنة وجدت في وادي الرافدين. كما اثبتت المكتشفات الأثرية في اور (مدينة النور) بأنها أقدم المدن التي أسسها السومريون في وادي الرافدين قبل 3500 سنة ق.م ثم الوركاء

وتعتبر الحضارة البابلية من اقدم الحضارات في العالم التي ازدهرت فيها العلوم والاداب والفنون والعمارة والنظم السيلسية والقانونية والاقتصادية. كما حفلت بالكثير من الاحداث والشواهد التاريخية. فالسومرين هم اول من اخترع الكتابة المسمارية وبنى المعابد وأسس المدارس والمكتبات واستخدم الفخار. ومن ذلك الزمن بدأ التاريخ المكتوب للحضارات الانسانية. كما ترك البابليون اثارا حضارية متميزة، فهم أول من استخدم العجلة واول من سن القوانين، كما في مسلة حمورابي، وأول من وضع أسس العلوم وبخاصة في الفلك والرياضيات، مثلما تركوا شواهد عمرانية متميزة كالجنائن المعلقة والزقورات وبوابة عشتار وغيرها.
وفي بلاد الرافدين بدأت اولى المحاولات الفلسفية الجريئة التي ترتبط بتفسير الكون والوجود والحياة. فقد سبق السومرين فلاسفة الاغريق بقولهم بمبدأ العناصر الأولية الاربعة التي عدت اصل جميع الاشياء. كما اهتم السومريون بالادب والفن والشعر والموسيقى والملاحم والاساطير وفي مقدمتها قصة الخليقة والطوفان وملحمة كلكامش وغيرها، مثلما اهتموا بعلم الفلك والرياضيات والعلوم الطبيعية الاخرى المعروفة في تاريخ المعرفة البشرية.
وتشير كلمة العراق اليوم الى رقعة جغرافية مؤلفة من اقاليم ثلاث هي بغداد والبصرة والموصل وما حولها من حواضر وبوادي وقصبات، وبضمنها المنطقة الكردية في دولة العراق الحديثة.
ونهري دجلة والفرات هما عصبي الحياة في العراق. سمي دجلة بسبب سهله الغريني وكذلك بسرعة جريانه كما سمي بالسهم كناية عن انحداره وسرعة جريانه. والفرات في قواميس اللغة الماء القامع للعطش لفرط عذوبته لانه لا يرفت العطش. وفي القرآن الكريم هذا عذب فرات.

والعراق التاريخي يتكون من قسمين رئيسيين كبيرين هما: ارض السواد والجزيرة. وسمي بارض السواد لكثرة النخل والشجر وخضرته واسوداده لان الخضرة تقارب السواد حين ينظر اليها الانسان عن بعد، والعرب تسمي الاخضر سوادا، والسواد اخضرا. ولانه متاخم لجزيرة العرب التي لا زرع فيها ولا شجر، اطلق العرب عليه سوادا. وتمتد الجزيرة بين دجلة والفرات في شمال بغداد من الخط الممتد من الفلوجة حتى سامراء وتكريت.
والعراق يكون وحدة جغرافية واحدة تفصله من الشمال هضبة الاناضول ومن الشرق سلسلة جبال زاكروس، ومن الشرق بلاد الشام ومن الجنوب شبه الجزيرة العربية.
وتعني كلمة العراق الحد الفاصل، أي الحد العلوي لارض العرب واهل الحجاز على ما هو قريب من البحر عراقا. وقيل سمي عراقا لشاطئيه دجلة والفرات. كما سمي عراقا لاتصال عروق الشجر والنخيل به كانه اراد به عرقا ثم جمع على عراق.

ويرى آخرون ان كلمة عراق ترجع في اصولها الى كلمة quot; أوروكquot; التي تعني quot; المستوطنquot; ومنها سميت المدينة السومرية المشهورة quot; الوركاءquot;،، ومنهم من ارجعها الى كلمة quot;أورquot;، وكلاهما يعودان في اصولهما الى اللغة السومرية القديمة ذات الاصول السامية.
وقد ورد اسم العراق لأول مرة في القرن الثاني عشر ق قبل الميلاد. أي في العهد الكاشي (1600-1100 قبل الميلاد)، الذي اعقب سلالة حامورابي حيث اطلق على موضع او مقاطعة quot;اريقا quot; Ariqa، أي البلاد السفلى، وذلك في وثيقة مسمارية من الفترة المذكورة. وكان ملوك العراق في عصر فجر السلالات يلقب كل واح منهم نفسه بلقب حاكم المدينة التي يحكمها، بالرغم من انهم كانوا متحدين في علاقاتهم السياسية. وبعد ذلك ظهر مصطلحان احدهما بلاد سومر للقسم الجنوبي من السهل الرسوبي، والآخر بلاد اكد للقسم الأوسط منه، ثم تطورت تسميات أخرى فيما بعد كبلاد بابل وبلاد آشور وغيرها.
اقتصاديا تعتبر بلاد الرافدين منطقة عبورهامة، اضافة الى أهمية منتجاتها الزراعية. وتمر طرق التجارة الدولية ـ طريقي التوابل والحرير من الشرق الى البحر الابيض المتوسط ومن اوربا الى الهند وجنوب اسيا عبر الخليج العربي وعبر بلاد الرافدين ـ كما يلعب الفرات ودجلة والزاب الكبير دورا ليس قليلا كواسطة نقل مائية حتى وقت قريب.
وقد استعمل الكتاب اليونان والرومان وخاصة هيرودوت مصطلح بلاد بابل وبلاد اشور. ومنذ القرن الرابع قبل الميلاد ظهر استعمال مصطلح ميسوبوتاميا Mesopotamia (بلاد ما بين النهرين) الذي اطلق على العراق كله او جزء منه. اما المؤرخين اليونانيين بوليبوس وسترابو فقد اطلقا كلمة quot;ميسوبوتامياquot; على منطقة الجزيرة المحصورة بين دجلة والفرات شمال بغداد في القرن الثاني قبل الميلاد حتى استقرالرأي على تسمية العراقquot; بلاد الرافدينquot;.
وجاءت كلمة quot;العراق quot; على لسان عدد من شعراء ما قبل الاسلام منهم المتلمس جرير بن عبد المسيح (580 ق م) الذي قال:
أمي شامية اذ لا عراق لنا قوما نودهم اذا قومنا شوس
آليت حبَ العراق الدهر اطعمه والحب تأكله في التربة السوس
وقال زهير ابن أبي سلمى:
فتغل لك ما لا تغل لأهلها قرى بالعراق من قفر ودرهم
وقال شاعر آخر:
ان العراق وأهله كانوا الهوى فاذا نأى بي ودهم فليبدعُ
وقيل ان حاتم الطائي ذكر العراق في احدى قصائده بقوله:
وفي كل اسواق العراق اتاوة وفي كل ما باع أمرؤ مكس درهم
وهناك رواية وردت عن شيخ المعتزلة ابي الهذيل العلاف يحاور رجلا من أهل البصرة عرف نفسه بأنه عراقي.
ويقال ان الوليد بن عبد الملك قال عندما شاهد عراقيا يحمل حجرتين عند بناء المسجد الأموي: quot;يا أهل العراق تفرطون في كل شيء حتى في الطاعةquot;.
وكان الامام علي خاطب الناس عندما اتى الكوفة قائلا: اما بعد يا أهل العراقquot;. وعندما عين عبد الملك بن مروان الحجاج بن يوسف الثقفي قال له: فقد وليتك العراقيين صدقةquot;.
وقد تتسع حدود العراق او تضيق، ولكن الجغرافيين العرب ومنهم ابن رسته اجمعوا على ان العراق يمتد من الموصل حتى عبادان ومن شرق دجلة طولا حتى منتهى اطراف القادسية في الغرب.
ومهما اختلف الباحثون في تسمية العراق في الأصل والمعنى خلال تاريخه الطويل. فان كلمة quot;عراقquot; قديمة الاصل ومعناها الريف، أي الشاطئ او الساحل، لانها على شاطيء دجلة والفرات.

المصادر:
1- مكسمليان شتريك، خطط بغداد، (ترجمة)، بغداد 1986
2- صاموئيل نوح، السومريون: تاريخهم وحضارتهم وخصائصهم، الكويت 1974
3- مرغريت روثن، علوم البابليين، بغداد 1980
4- عبد الرزاق الحسني، العراق قديما وحديثا، بغداد 1956
5- طه باقر،تاريخ الحضارات القديمة، الجزء الاول، بغداد 1965
6- انظر قاموس المحيط للفيروزآبادي، كتاب العين للخليل، واللسان لأبن منظور وتاج العروس للزبيدي وكذلك ابن حوقل النصيبي، صورة الارض.
7- ماكس فون اوبنهايم، كتاب البدو، الجزء الاول، بيروت 2004
8- عبد الامير الرفيعي، العراق بين سقوط الدولة العباسية وسقوط الدولة العثمانية، الجزء الاول، بيروت 2002
9- تقي الدباغ، البيئة الطبيعية والانسانية، موسوعة حضارة العراق، الجزء الاول، بغداد 1985.
10- الطبري، تاريخ الامم والملوك، القاهرة بدون تاريخ
11- تاريخ اليعقوبي، الجزء الثاني، القاهرة 1999