فى عام 2009 دار جدل من نوع آخر على صفحات الجرائد المصرية حول أن quot;مصر دولة خليجيةquot;.
ثمانية عقود مرت على مصر تحول الحلم المصرى من الدعوة لأن تصبح مصر دولة اوروبية من حيث الأخذ بسبل التقدم إلى الدعوة لإلحاق مصر بركب الخليج، أى أن تصبح مصر دولة تابعة للوهابية المعروفة.
أول من قاوم مشروع طه حسين كانت جماعة الاخوان المسلمين التى ظهرت عام 1928 بمشروعها السلفى الموضوى لإعادة أسلمة مصر، ثم جاء مشروع عبد الناصر العروبى العسكرى بتحويل مسار مصر إلى اتجاه آخر مفضلا زعامة وهمية لدول متخلفة عن الإلتحاق بركب الدول الغربية المتقدمة. . وكان طبيعيا أن يتطور مشروع الأخوان وعبد الناصر لتظهر معالم أخرى خطيرة ومدمرة على الطريق لسيد قطب، آخذا مصر على طريق الجهاد العالمى والإسلامية الدولية، وهكذا حدث تحول جذرى لحلم طه حسين من النقيض إلى النقيض، وهكذا انتصر حسن البنا على طه حسين.
يقول المحلل السياسى المصرى سلامة احمد سلامة فى جريدة الشروق المصرية بتاريخ 6 ابريل 2009 quot; لقد بات العالم الإسلامى كله قطعة من الظلام الدامسquot;، ومن المؤسف والمخزى والمحزن أن الكثيرين فى مصر ينادون ويعملون ويجهرون ويفتخرون بدعوتهم ومجهوداتهم لغرز مصر ضمن نادى أعضاء الدول المظلمة هذه التى تحدث عنها سلامة احمد سلامة. . . وانحطاط الحلم المصرى من دولة تقتدى بالنموذج الأوروبى إلى دولة خادمة للمشروع الخليجى يصب فى هذا الاتجاه.
فى 11 مارس 2009 كتب الدكتور مامون فندى مقالا فى المصرى اليوم بعنوان quot; مصر دولة خليجيةquot; مفتتحا المقالة بقوله quot; قد تبدو أن فكرة أن مصر دولة خليجية نوعا من الخيال الإستراتيجىquot;، وقد شرح فندى فى مقالته تبريرا لتصنيف مصر كدولة خليجية مثل وجود مليون ونصف مصرى فى الخليج وتحويلاتهم المهمة للأقتصاد المصرى ونقلهم للعديد من العادات والقيم الخليجية إلى داخل مصر، وكذلك وجود سواحل بحرية مشتركة مع العربية السعودية. الغريب أن الدكتور على الدين هلال رد على مامون فندى فى جريدة الاهرام بتاريخ 21 مارس 2009 معتبرا أن مقوله quot;خيال استراتيجىquot; نظرة سطحية وسريعة وأن الموضوع أعمق من ذلك بكثير، مضيفا إلى ما قاله فندى الاستثمارات الخليجية وسياحة الخليجيين فى مصر والتقارب فى التوجهات السياسية، أى إنه زايد أكثر فى موضوع أن مصر دولة خليجية. وجاءت المزايدة أكثر وأكثر على صفحات جريدة الأهرام أيضا يوم 2 ابريل 2009 للسفير عزمى خليفة، المستشار بمركز المعلومات التابع لرئاسة الوزراء، فى مقالة له بعنوان quot;نعم: مصر دولة خليجيةquot; معلنا إنه هو صاحب الفكرة التى طرحها فندى، ومبررا خليجية مصر بامور أخرى تتعلق بقناة السويس والنفط والجوار الجغرافى.
إذا كان هناك مليون ونصف يعيشون فى الخليج، فإن هناك حوالى ثلاثة ملايين من المصريين يعيشون فى الغرب، مع الإختلاف طبعا فى مستوى الطرفين، ففى الغرب هنا اثنين من المصريين من الحاصلين على جائزة نوبل والعشرات من الحاصلين على جوائز مرموقة أخرى ومئات الآلالف من المهن المتميزة. ورغم استقرار المصريين فى الغرب وحصول معظمهم على جنسيات أخرى إلا أن تحويلاتهم لمصر تزيد عن نصف مجمل تحويلات المصريين فى الخارج كما تقول بيانات ميزان المدفوعات المصرى. ومنذ توقيع معاهدة السلام عام 1979 حصلت مصر على ما يقرب من 200 مليار دولار من الغرب ولم تحصل حتى على عشر هذا المبلغ من الخليج. والمصريون فى الغرب يتمتعون بحقوق المواطنة فى اوطانهم الجديدة وفى الخليج يعاملون كالرهائن عند الكفيل حتى يحصل على ما يريده منهم. وفى الغرب لا يجلد المصريين، ولكن فى السعودية يجلد أطباء مصريون بدعوى مخالفة قوانيين الشريعة، حتى ان طبيبا مصريا أشتكى منذ عدة سنوات من إغتصاب ابنه فى المدرسة وكانت النتيجة الحكم عليه بالجلد، بالمناسبة هل سمعتم عن مواطن اماراتى يجلد فى السعودية؟. كما أن مصر دولة خليجية يعنى أن دول الخليج ترحب بالمصرى وتسمح له بالدخول بسهولة ويسر إلى دولها، وهذا فى الواقع غير موجود، فالمصرى مهان هناك، وغير مسموح له بالاقامة فى الخليج إلا فى اطار العمل وبقيود تجعله رهينة لدى من يوظفه، والمصرى يحصل على مدخول شهرى أقل حتى من نظيره العربى فما بالك بالأمريكى والأوروبى. ولكى يحافظ المصرى على وظيفته نافق الخليجى وزايد عليه دينيا واصبح وهابيا أكثر من الوهابيين انفسهم... ودول الخليج ترفض أى درجة من درجات الاتحاد أو التكامل مع مصر فكيف تعتبر مصر نفسها دولة خليجية فى حين إنها غير مقبولة حتى على مستوى التكامل الإقتصادى؟. وإذا سلمنا بما قاله على الدين هلال من ارتفاع الاسثمارات الخليجية فى مصر بسبب الأزمة الاقتصادية إلى 25% من حجم الإستثمارات الاجنبية فى مصر تبقى 75% استثمارات غربية، كما أن ارتفاع النسبة الخليجية جاء نتيجة الأزمة المالية الدولية.
فإذا كان كل ذلك معروفا ومعلوما فلماذا الحديث الآن عن أن مصر دولة خليجية؟. الواقع يقول ان هناك مشروعين يتجاذبان مصر حاليا، الأول هو المشروع الوهابى والثانى هو المشروع الخومينى، أى أن الصراع على أرض مصر المتعوسة هو بين الوهابية والخومينية.
اللوبى الوهابى فى مصر يعلم جيدا أن الخليج لا يستطيع مواجهة إيران بدون مصر، وخاصة فى ظل وجود مؤشرات على عدم رغبة أمريكا فى دخول مواجهة عسكرية مع إيران حتى ولو مولت خليجيا.
أما اللوبى الإيرانى فى مصر فهو يعمل بكل جهده لجر مصر إلى مواجهة مع إسرائيل حتى يستطيع إستكمال هيمنته على المنطقة.
كل من المشروع الوهابى والمشروع الخومينى خيارات مدمرة بالنسبة لمستقبل مصر، ولكن ويا للحسرة هذه هى الخيارات التى تتجاذب مصر حاليا بعد ان مات مشروع طه حسين ورفاقه من عمالقة الفكر التقدمى، والوطنيين المخلصين الأحرار.
.
Magdi. khalil@yahoo. com
- آخر تحديث :
مصر بين الوهابية والخومينية
فى عام 1937 كتب عميد الادب العربى طه حسين كتابه الشهير quot;مستقبل الثقافة فى مصرquot; واضعا معالم على طريق النهضة والتقدم فى مصر، وموضحا أن الخط الرئيسى لهذه النهضة وهذا التقدم هو عبر إتباع طريق الغرب الأوروبى فى الأخذ باسباب واساليب الرقى والنهضة والتقدم، وشارحا باستفاضة انتماء مصر المتوسطى ومجالها الحيوى مع دول المتوسط الاوروبي بعد أن طرح سؤلا واضحا quot;أمصر من الشرق أم من الغرب. وأنا لا أريد بالطبع الشرق الجغرافى والغرب الجغرافى،إنما أريد الشرق الثقافى والغرب الثقافىquot;، وحسم طه حسين خياراته التى يريدها لمستقبل مصر بقوله quot;فإذا كنا نريد الاستقلال العقلى والنفسى الذى لا يكون إلا بالاستقلال العلمى والأدبى والفنى فنحن نريد وسائله بالطبع. ووسائله أن نتعلم كما يتعلم الأوروبى،لنشعر كما يشعر الأوروبى، ولنحكم كما يحكم الأوروبى ثم لنعمل كما يعمل الأوروبى ونصرف الحياة كما يصرفها. . . ومعنى ذلك أننا بين اثنين: فإما أن نريد حياة الحرية والعزة وإذا فلنسلك إليها السبل التى سلكتها الأمم الحرة العزيزة. وإما أن نريد حياة الذلة والاستعباد وإذا فالأمر يسير وهو أن نترك أمورنا فوضى تمضى كما تستطيع على غير نظام وفى غير طريقquot;.
السعودية ترى الخطر الحقيقى على الخليج قادم من إيران وليس من إسرائيل، وهذا صحيح تماما، ولهذا دعا الامير سعود الفيصل صراحة لمواجهة التحدى الإيرانى فى المنطقة. والخطر الإيرانى هو الهاجس الرئيسى لدى الخليجيين، وقد صرحت وزيرة الخارجية الإسرائيلية السابقة تسيبى ليفنى للواشنطن بوست أثناء حرب غزة الأخيرة quot;بأننا نحارب حماس نيابة عن الأنظمة العربية المعتدلةquot;، وتقصد بالتحديد مصر والسعودية والأردن، فى حين أن جوهر المشروع الإيرانى هو تثوير المنطقة العربية ضد إسرائيل من آجل مصالح إيرانية خالصة.
التعليقات