قبل ستينات القرن الماضى كانت المطاعم التى يرتادها البيض مكتوب على مدخلها quot;ممنوع الدخول للسود واليهود والكلابquot;، وكان على الأمريكى الاسود أن يخلى مكانه فى اتوبيسات النقل العام للبيض. فى عام 1955 رفضت أمراة أمريكية سوداء هى روزا باركس أن تخلى مكانها قائلة لقد سئمت من هذا الظلم، وفجرت هذه السيدة الشجاعة حركة الحقوق المدنية للسود فى امريكا ليتزعمها فيما بعد المناضل القس الدكتور مارتن لوثر كنغ.
فى 28 اغسطس 1963 القى المناضل الكبير مارتن لوثر كنغ خطابه السياسى الشهير quot; لدى حلمquot; أمام جماهير حركته فى واشنطن العاصمة ليعلن quot;أن الوطن لن ينعم بالهدوء حتى يحصل الزنجى على كل حقوقه الوطنيةquot;، محذرا فى نفس الوقت اتباعه من اللجوء إلى أى شكل من أشكال العنف. ولأن مارتن لوثر كنغ يعرف حقائق الأمور فانه كان يعلم جيدا أنه لا يمكن تحرير السود بدون الأرتقاء بضمير الأغلبية البيضاء quot;كثيرا من اخواننا البيض قد جاءوا مدركين أن قدرهم مقيد بقدرنا أن حريتهم لا تنفك عن حريتناquot;، وفى نفس الوقت لا يمكن تحقيق هذا الحلم بدون النضال المنفرد للسود quot; لا يستطيع أحد ركوب ظهرك إلا إذا كنت منحنياquot;... وهذا درس واضح للأقليات فى نضالها من آجل التحرر والحقوق المتساوية، فبعضها لا يرى طريقا للتحرر سوى بالنضال المنفرد المنعزل وبعضها يتوسل ويتسول لضمير الأغلبية بدون نضال وكلا الطريقين لا يصنعان أمة موحدة، وهذا ما نقوله منذ سنوات طويلة بأن على الأقليات أن تعمل على كل من المدخلين وبأنه لا يوجد تعارض عند الأخذ بالطريقين معا إلا فى حالة الأقليات التى ترغب فى الإنفصال التام عن الأغلبية.
لقد وضع مارتن لوثر كنغ معالم الطريق لنضال الأقليات، طريق اللاعنف، طريق التعاون مع القواسم المشتركة فى الأغلبية ومناشدة ضميرها الوطنى والإنسانى، طريق تفعيل نضال الأقلية وتقويته. ولكن أهم رسالة وجهها فى خطابه للأقلية هو التحذير من اليأس quot; دعنا لا نسكن فى وادى اليأسquot;، وبالنسبة للوطن ككل الحرية والعدالة والديموقراطية هى الطريق الوحيد لتحرر الإنسان ولصناعة أمة محترمة quot; دع الحرية تصدح. . . ولتكن أمريكا أمة حقيقيةquot;.
فى 14 ابريل 1968 أغتالت يد الأثم مارتن لوثر كنغ ولكن نضاله وروحه وعمله وحلمه لم يموتوا، ففى عام 1964 جاءت قوانيين الحقوق المدنية التى ناضل من آجلها كنغ وبعد اربعة عقود التئمت جراح أمريكا وبدأت فى التعافى من أمراضها التاريخية وحطم باراك اوباما اخر الحواجز القديمة.
فى عام 2005 رحلت روزا باركس عن عمر يناهز 92 عاما وامر الرئيس الأمريكى بتنكيس الأعلام تكريما لرحيلها وتم وضع جثمانها فى الكونجرس حتى دفنها وهو تقليد تحظى به الشخصيات العظيمة فى التاريخ الأمريكى ولم يتكرر سوى مع 30 شخصا قبلها. فى ابريل 2008 اقيمت فى الكونجرس إحتفالية خاصة بذكرى مرور 40 عاما على رحيل مارتن لوثر كنغ، وفى نفس العام تحقق حلمه الذى أطلقه عام 1963 بالفوز التاريخى لباراك اوباما.... و دخل يوم 4 نوفمبر 2008 التاريخ الأمريكى كأحد أهم أيام هذا التاريخ حيث توحدت الأمة حول الشخص الذى ترأه مناسبا لقيادة الدولة بصرف النظر عن لونه وعرقه ودينه، وكما قال اوباما فجرا جديد قد بذخ quot; أقول إن حكاياتنا قد تكون حكايات فردية، لكن مصيرنا مشترك، وأقول لهؤلاء إن فجرا جديدا لقيادة أميركية أصبح في المتناول الآنquot;.
لقد تحقق حلم مارتن لوثر كنغ بنضال السود وبنضوج البيض ليضعا معا نهاية لتاريخ العبودية والعنصرية الذى ولى إلى غير رجعة، وهكذا تكون التحولات الكبرى فى تاريخ الأمم.
وقراءة فى الخريطة التصويتية لاوباما تعكس كل هذا، فوفقا للوس انجلوس تايمز فقد حصد اوباما اعلى نسبة من تصويت البيض فى العشرين سنة الماضية من تاريخ الحزب الديموقراطى، أى انه حصل على نسبة اعلى من اصوات البيض مقارنة بالخمسة مرشحين الديموقراطيين السابقين(من المعروف أن نسبة تصويت البيض اعلى للحزب الجمهورى). أما الواشنطن بوست يوم 5 نوفمبر فقد افردت تفصيلا لنسب التصويت والتى تعكس أن الأغلبية البيضاء توجت بنفسها باراك حسين اوباما رئيسا لأمريكا. تمثل اصوات البيض 75% من القوة التصويتية فى امريكا وقد صوت 43% منهم لصالح اوباما و 53% لصالح ماكين، أما السود فيمثلون فقط 13% من القوة التصويتية وقد صوت 96% منهم لصالح اوباما فى حين صوت 4% منهم لصالح ماكين، أما الأمريكيين من اصل لاتينى فيمثلون 8% من القوة التصويتية وقد صوت 67% منهم لصالح اوباما فى حين صوت 31% منهم لصالح ماكين.
وعلى مستوى الرجال والنساء تمثل النساء 53% من القوة التصويتية فى امريكا وقد صوت لاوباما من بينهم 55% وصوت 43% لصالح ماكين رغم أن نائبته كانت امراة وهذا يوضح أيضا ان سارة بالين كانت عبئا على حملة ماكين ولم تحقق الغرض من ترشيحها بجذب اصوات النساء.
وعلى المستوى العمرى فان 66% من الشباب تحت 29 عاما صوتوا لاوباما فى مقابل 32% لمنافسه ماكين، 52% من المرحلة العمرية 30-44 عاما صوتوا لاوباما مقابل 46% لماكين، أما ما هم فوق ال65 سنة فقد صوت منهم 45% لاوباما مقابل 53% لماكين، وتعادل ماكين واوباما فى المرحلة العمرية من 45-64 عاما. أما بالنسبة للمستقلين عن الأحزاب فقد صوت منهم 51% لصالح اوباما مقابل 45% لصالح منافسه ماكين.
وعلى المستوى الفكرى فقد صوت لاوباما 89% من الليبراليين مقابل 9% لمنافسه ماكين، و60% صوتوا لاوباما بين المعتدلين فكريا مقابل 39% لماكين، أما المحافظين فكريا فقد صوت لاوباما 19% مقابل 78% لماكين. وبالنسبة لليهود فقد صوت 78% لصالح اوباما مقابل 22% لصالح ماكين، وهكذا يكون اوباما مرشح الشباب والاقليات والسود والليبراليين والنساء أيضا، ورغم التأييد الكاسح لاوباما بين السود والاقليات إلا انه لا يمكن تحقيق النصر إلا بتأييد الأغلبية البيضاء وهكذا يكون توحد الأمة خلف باراك اوباما. . . و صنعت أمريكا التاريخ، ودخل باراك أوباما التاريخ، وهكذا تحقق حلم مارتن لوثر كنغ ونضال ابراهام لنكولن وقد ماتا من آجل امة موحدة خالية من أمراض العبودية، ولم يفت ذلك على اوباما ففى الأحتفال بمرور 42 عاما على صدور قوانيين الحقوق المدنية فى الآباما قال quot; انا هنا لانكم جميعا ضحيتم من آجلى... أن أقف على أكتاف العمالقةquot;.
السود واليهود اللذان كان يشبهونهم بالكلاب حققوا أحلامهم بالنضال والمثابرة، ولهذا صوت 78% من اليهود لاوباما بخلاف دعمهم الكبير له فى حملته الإنتخابية، وفى لفتة مهمة رشح اوباما عضو الكونجرس اليهودى عن شيكاغو رام إيمانويل ليشغل أهم منصب فى البيت الأبيض وهو منصب كبير موظفى البيت الأبيض والمستشار الأول للرئيس.
وبعد هذا الإنجاز التاريخى علينا أن نتذكر هؤلاء المناضلين من آجل الحقوق والحريات فنحن نحصد الآن ما زرعوه ونجنى ثمار ما قدموه من عرق وجهد ووقت ومال ودماء أيضا.
سلاما لروحك ابراهام لنكولن.... سلاما لروحك مارتن لوثر كنغ، فدمائكم الذكية قد طهرت أمريكا من ادناسها وغسلت وساخات التاريخ... وفى الوقت المناسب جاء باراك اوباما ليحصد ما زرعتموه ورويتموه بدمائكم الطاهرة.. ايها المبشرون العظام بالحرية والأخاء والعدل والمساواة ناموا الآن فى سلام فرسالتكم النبيلة قد تحققت أخيرا فى أمريكا ونأمل ان تصل رياح العدل والمساواة للمعذبين والمضطهدين والمظلومين فى كوكبنا.. وهم كثيرون.
Magdi.
khalil@yahoo.com