الاحتفال بعيد رئاسة قداسة البابا شنودة للكنيسة المصرية الارثوذكسية فى 14 نوفمبر سوف يكون مختلفا هذا العام،اولا لعودة قداسته بسلامة الله معاف إلى أرض الوطن بعد رحلة علاج أستمرت أربعة اشهر فى مستشفى كليفلاند بالولايات المتحدة، والثانى لأنه سيصاحب الاحتفال أفتتاح المرحلة الاولى من مشروع المركز الثقافى القبطى.
منذ أكثر من عشر سنوات شرع قداسة البابا فى تخصيص الاموال الازمة لتشييد مبنى متعدد الأغراض داخل حرم الكاتدرائية بالعباسية، ومنذ ثلاث سنوات عهد قداسة البابا للدكتور فوزى اسطفانوس، رئيس أقسام التخدير السابق بمستشفى كليفلاند، مهمة الاشراف على إقامة المركز الثقافى القبطى، وبجهد كبير وبتبرعات العديد من رجال الأعمال الأقباط بالإضافة إلى عشرت المتطوعين من الخبراء والفنيين أكتملت بعون الله ومشيئته المرحلة الأولى من هذا المشروع الكبير والتى ستفتتح مرحتله الاولى فى 14 نوفمبر القادم، وتشمل هذه المرحلة افتتاح مكتبة مار مرقص القبطية العامة وملحقا بها مكتبة للاطفال ومكتبة للمخطوطات القبطية. وافتتاح كذلك مركز للمؤتمرات والذى يتكون من قاعة رئيسية تتسع ل 650 فرد ومصممة على الطراز القبطى ومجهزة بكافة وسائل العرض والصوت ويمكن تقسيمها عبر فواصل سلسة إلى ثلاثة قاعات منفصلة عند الحاجة، بالإضافة إلى ثلاثة قاعات صغرى تتسع ل 250، 120،150 فردعلى التوالى للمؤتمرات الصغيرة والمحاضرات وورش العمل.ومرفق بالمركز دور خاص يشتمل على مطبخ ومطعم وكافتريا تستطيع أن تخدم أنشطة المكتبة ومركز المؤتمرات.
وقد تلازم مع هذه التجهيزات تغيير قوة إضاءة محطة التوليد الكهربائى الخاصة بالكاتدرائية من نصف ميجاوات إلى 4.5 ميجا وات لكى تتناسب والتوسعات الجديدة والحاجات الملحة من إنارة وتكييف المبنى، وتزامن مع ذلك تعلية الأسوار المحاطة بالكاتدرائية وتنظيف المنطقة وتزيينها إستعدادا للافتتاح.
وقد تكلفت المرحلة الاولى وفقا ما اخبرنى به د. فوزى اسطفانوس حوالى 200 مليون جنيه مصرى بخلاف ثمن الارض التى اقيم عليها وهى داخل حرم الكتدرائية بالعباسية، وسيحتاج هذا المشروع حتى يكتمل بشكل لائق إلى مئات الملايين الأخرى.
أما المرحلة الثانية، والتى ما زال العمل بها جاريا، فتشمل على تأسيس عدد من المراكز البحثية المختلفة، ومركز للمعلومات القبطية، وأرشيف وثائق الكنيسة، والمكاتب الإدارية.
إن الحاجة ملحة بالفعل إلى مكتبة قبطية كبيرة وشاملة ونوعية تستطيع أن تكون عونا للدارسين والباحثين ومحبى القراءة وعشاق التراث القبطى، وتكون فى نفس الوقت مكانا أمنا لعرض المخطوطات القبطية والوثائق الهامة والكتب النادرة والحفاظ عليها وفقا
لأحدث أساليب التعامل مع هذه الكنوز التاريخية.فوفقا لإحصائية قامت بها جامعة يوتا بالولايات المتحدة هناك ما لا يقل عن 6 مليون صفحة من المخطوطات القبطية النادرة موجودة بمصر وما لا يقل عن 2 مليون صفحة مخطوطات قبطية موجودة بمتاحف وجامعات العالم يمكن الحصول على نسخة الكترونية منها، علاوة على وجود حوالى مائة الف كتاب بمكتبات المعاهد القبطية الموجودة بالكاتدرائية ومئات الالاف من الكتب الأخرى المبعثرة فى عدد كبير من المكتبات فى الأديرة والكنائس يمكن الحصول على نسخة وأحدة من كل كتاب بها لتكون ذخيرة للمكتبة العامة.
إن تعظيم الإستفادة من هذه المكتبة والمركز الثقافى يستوجب علينا أن نستفيد من خبرات من سبقونا فى هذا المضمار والإستفادة أيضا من أخطاء الماضى:
1-من المهم تعيين مدير للمكتبة على مستوى عال من الكفاءة والثقافة والخبرة الإدارية يستطيع أن يضيف ويحافظ على المكتبة ويجعل منها صرحا ثقافيا محترما،تصوروا كم أضاف الدكتور اسماعيل سراج الدين لمكتبة الاسكندرية وكيف طور أنشطتها وجعلها مركزا ثقافيا حيويا مشرفا لمصر.وهذا يتطلب أيضا تعيين مجلس أمناء عالمى لإدارة المكتبة على غرار ما حدث فى مكتبة الأسكندرية بعيدا عن المجاملات والصداقات الشخصية فى التعيين التى تتسم بها الكثير من السلوكيات فى مصر.
2-يجب أيضا الفصل بين التبرع والإدارة، فالذى يتبرع لا يعنى إنه سيدير ويسيطر على المكان كما يحاول بعض رجال الأعمال الأقباط. فى كل العالم هناك متبرعون تبرز اسماءهم على لوحات الشرف ولكن لا يتدخلون فى الإدارة مطلقا.
3- غنى عن البيان أن مكتبة قبطية لا يعنى إهمال الكتب الأخرى فى السياسة والفلسفة والتاريخ والاقتصاد والاداب والعلوم، فالمكتبة العامة يجب ان تكون شاملة مع التركيز على التراث القبطى بالطبع.
4-علينا أن نتبع فى تصنيف وتبويب وعرض الكتب أحدث المناهج التى تتبعها المكتبات العالمية لتسهيل البحث والإطلاع على مقتنياتها.
5- المكتبات كائن حى تكبر وتصغر وتنكمش وتموت، ويستوجب ذلك تكوين لجنة من المثقفين للعمل على تغذية المكتبة بكل ما هو جديد من الكتب العربية والاجنبية ويتطلب ذلك تخصيص ميزانية سنوية خاصة للإيفاء بهذا الغرض.
6- علينا تدريب العاملين بالمكتبة على نظام إدارة المكتبات والمراكز الثقافية سواء داخل مصر أو بإرسال البعض للمشاركة فى المؤتمرات العالمية المهتمة بنظم وإدارة المكتبات للإستفادة من كل جديد فى هذا المجال.
7-ضرورة وجود قسم خاص بالمكتبة لوسائل القراءة الحديثة مثل الكتب المسموعة، والسى ديز،والدى فى ديز، وطريقة برايل،والندوات المسجلة والمصورة،مع وجود قسم خاص لعرض أحدث منتجات مراكز الابحاث المصرية والدولية من ندوات ومؤتمرات وتقارير وابحاث ودراسات.
8-الإستفادة من خبرات مكتبة الاسكندرية إداريا وثقافيا وكذلك من المكتبات الدولية بالاشتراك فى شبكة المكتبات الدولية وفى عضوية الاتحاد الدولى للمكتبات وتبادل الخبرات معها وكذلك المشاركة فى أنشطة هذه المكتبات الدولية.
9-خلق موارد ذاتية تساهم فى تطوير المركز والمكتبة عن طريق تأجير قاعات المؤتمرات للمناسبات العلمية والثقافية مع منع التأجير مطلقا للمناسبات الإجتماعية كالافراح والمأتم كما أقترح البعض، فهذا مركز ثقافى وليس قاعة مناسبات. وفتح حساب خاص لقبول التبرعات من أصدقاء المكتبة محليا ودوليا، ويمكن أيضا وضع نظام سنوى لعضوية المكتبة على أن يكون الاشتراك فى متناول قدرة الباحثين والطبقة الوسطى وما دونها فى مصر. ويمكن أيضا إدراج زيارة المكتبة والمركز للوفود السياحية برسم يدعم موارد المكتبة.
10-من المهم وجود نظام مماثل للموجود فى المكتبات الدولية من حيث درجة الإضاءة والحرارة والرطوبة والإنذار المبكر ومقاومة الحرائق ذاتيا،مع وجود نظام رقابة وتصوير للحفاظ على محتويات المكتبة وتأمينها، وأيضا الأشتراك مع شركة تأمين عالمية للتأمين على محتويات المكتبة ضد الحرائق والسرقات والتلف والتخريب المتعمد.
11-وضع كل محتويات المكتبة بقدر المستطاع على شبكة الإنترنت حتى يسهل على الباحثين للإطلاع على المخطوطات والوثائق والإستفادة من وسيلة القراءة من على بعد عبر الشبكة الدولية مع ما يستتبع ذلك من نظام دقيق للفهرسة يسهل إمكانية الحصول على المصدر وتصفحه بسهولة والاطلاع عليه بدون اى قدرة على تغيير النص عند نقله، أى أن تكون المخطوطات والوثائق صور وبنظام البى دى اف.
12-من المهم الإهتمام بجذب مكتبات الشخصيات العامة للتبرع بها وقد علمت أن قداسة البابا قرر إهداء المكتبة حوالى 3000 كتاب تشمل على الكثير من دوائر المعارف القبطية والإسلامية والعالمية والكتب التاريخية النادرة،وهناك مكتبات تم إهدائها للكنيسة مثل مكتبة دكتور مراد كامل والأنبا اغريغوريس والاستاذ راغب مفتاح، ويفضل الإعلان عن قبول المكتبات الخاصة هذه والاهتمام بوضعها فى قسم خاص داخل المكتبة والعناية بها وذلك لجذب المزيد من هذه المكتبات الخاصة، وكما سمعت من نيافة الأنبا أرميا بأنه سوف يولى عناية خاصة تليق بهذه المكتبات التى سوف تتبرع بها الشخصيات العامة.
13- أيضا الأخذ بنظام المكتبات العامة الدولية بأن تفتح المكتبة ابوابها سبعة ايام فى الاسبوع من العاشرة صباحا حتى العاشرة مساء مع وجود اماكن كافية معدة ومجهزة للباحثين الذين يفضلون قضاء ساعات طويلة فى المكتبات للاطلاع والبحث.
14-الحفاظ على نظافة المكتبة والمبنى بشكل صارم ويفضل أن تكون النظافة من مسئولية شركة خاصة تعمل بشكل جدى على تنظيف المبنى بشكل يومى، مع تغيير هذه الشركة إذا فشلت فى الحفاظ على شكل نظيف وحضارى للمبنى.
15-من المهم تحديد هوية مركز المؤتمرات، هل هو مركز مؤتمرات دينى أم دينى وثقافى معا، وفى رأيى يفضل أن يكون دينى وثقافى معا حتى يمكن تعظيم الفائدة والإستفادة منه وكذلك من آجل توفير قدر من الموارد من عائدات تأجير هذه القاعات، ولأن المؤتمرات الثقافية وسيلة جذب للمثقفين لزيارة المكتبة والإستفادة منها.
16- من المهم إقامة معارض خاصة للكتاب على هامش أنشطة المركز والمكتبة، فهذا أيضا يشكل جزءا من النشاط الثقافى ومصدرا يعزز الموارد الذاتية للمكان.
17-تنظيم دعوات للباحثين الآجانب لزيارة المكتبة مع وجود استمارة تقييم للزائر للإستفادة من كافة الملاحظات والاخذ بجدية لهذه الملاحظات لتطوير عمل المكتبة وتلافى اوجه القصور فيها.
18-وطبعا من المهم مراعاة الاعتبارات التى تحافظ على المكتبة وتعمل على نموها وفى نفس الوقت تراعى عوامل الأمن والسلامة بالنسبة للكاتدرائية وتحفظ للمكان قدسيته الدينية، وفى نفس الوقت لا تعطل عمل المكتبة كمنارة ثقافية وفكرية وزادا للباحثين.
إن خروج المكتبة فى عهد بابا إستثنائى فى تاريخ الكنيسة شئ طبيعى، ولكن الأهم أن تخرج المكتبة على مستوى يعكس ثقافة وشخصية ورؤية وطموح هذا البطريرك الفذ، ويعكس أيضا تاريخ الكنيسة وتراث الشعب القبطى وريادة الأقباط الفكرية، بناة مكتبة الأسكندرية القديمة ومدرسة الاسكندرية اللاهوتية والفلسفية.