كلما حدث خلاف بين قيادة إقليم كردستان والحكومة الاتحادية، رفع مسؤولو الإقليم شعار "المطالبة بالحقوق الدستورية للشعب الكردي". وكلما إتخذت حكومة بغداد إجراء لايرضي تلك القيادة لوحوا بقميص عثمان بوجه تلك الحكومة. فبعد تصديق الموازنة العراقية بدأنا نسمع تكرار هذه الإسطوانة المشروخة من قبل المسؤولين في الحزب الديمقراطي الكردستاني الذي يقود السلطة بإقليم كردستان من دون أن يبينوا ماهية هذه الحقوق الدستورية التي تمتنع الحكومة العراقية عن منحها لإقليم كردستان؟!.
المعروف لنا وللعالم أيضا بأنه منذ تشريع دستور عام 2005 ولحد اليوم فإن السلطة الكردية الحاكمة بكردستان العراق تتعالى على نصوص ومباديء هذا الدستور وتنتهك مرارا معظم موادها المتعلقة بإدارة العلاقة بين الإقليم والمركز. وهناك الكثير من التجاوزات على هذا الدستور من قبل قيادة الإقليم سنختصرها في النقاط التالية:
ينص الدستور بعبارة واضحة وبلغة مفهومة بأن "النفط ملك للشعب العراقي" والمادة التي حددت تلك الملكية تشمل كل النفط الموجود على الأرض العراقية بما فيها كردستان التي كانت وما زالت وفقا للدستور جزءا من الأرض العراقية. لكن قيادة الإقليم تصرفت بهذه الثروة خلال السنوات الماضية بإعتبارها ملكا موروثا لها ولايحق للشعب العراقي أن تكون له حصة فيها!. وعليه فقد تصرفت بهذه الثروة دون أي إلتزام بالمادة الدستورية، فسرقت عائداتها دون حسيب أو رقيب، وهدرت مئات الملايين من الدولارات لحساب شركات أجنبية وشراء ذمم بعض الشخصيات الأجنبية الداعمة لسلطتها القمعية بكردستان.
وينص الدستور في مادة أخرى، بأن التمثيل الدبلوماسي لإقليم كردستان محصور فقط بفتح مكاتب داخل السفارات العراقية في الخارج، لكن حكومة الإقليم فتحت العديد من مكاتبها التمثيلية في بلدان العالم وكأنها سفارات كردية مستقلة عن الحكومة العراقية!. بل هناك دائرة خاصة داخل حكومة الإقليم تختص بالعلاقات الخارجية وهي تتصرف كأنها وزارة خارجية لدولة مستقلة!. وبالتالي أصبح رؤوساء الإقليم والحكومة المحلية يتصرفون على أساس أنهم رؤوساء دول فيستقبلون بمكاتبهم زعماء ووزراء العالم ويذهبون في زيارات رسمية إلى الخارج. والأهم من ذلك فهم لا يتوانون حتى عن توقيع المعاهدات والإتفاقات الدولية بمعزل عن الحكومة الاتحادية، كما حدث في توقيع الإتفاق النفطي مع تركيا لمدة خمسين عاما!. وهذا بحد بذاته مخالف للمادة 110 من الدستور الذي ينص "تختص السلطات الاتحادية بالاختصاصات الحصرية الاتية: أولا:- رسم السياسة الخارجية والتمثيل الدبلوماسي والتفاوض بشأن المعاهدات والاتفاقيات الدولية وسياسات الاقتراض والتوقيع عليها وابرامها ورسم السياسة الاقتصادية والتجارية الخارجية السيادية".
حتى العوائد الجمركية والرسوم والضرائب المحلية لا تعيدها حكومة الإقليم إلى المركز وهي إيرادات تتجاوز بدورها مليارات الدولارات سنويا!.
والأمر الأهم بنظري هو التعامل الفوقي والعنجهي لسلطات إقليم كردستان مع المواطنين العراقيين القادمين من محافظات العراق الأخرى للإقامة في مدن كردستان، فاللافت للنظر هو التعامل الصلف مع هؤلاء المواطنين في سيطرات الإقليم، فتجد في كل سيطرة من هذه السيطرات وقوف مئات الأشخاص والعوائل أمام مكاتبها بانتظار السماح لها بدخول مدن الإقليم.
وفيما يتعلق بالحقوق التي أقرها الدستور العراقي للمواطن، هناك عشرات الإنتهاكات الصارخة من قبل سلطات الإقليم ضد هذه الحقوق منها:
ففي الباب الثاني للدستور حول الحقوق والحريات، تنص المادة (16) على أن "تكافل الفرص حق مكفول لجميع العراقيين" ولكن ما يحدث في إقليم كردستان هو إنعدام الفرص أمام الكفاءات العلمية والأكاديمية وخصوصا في مجالات التوظيف، يقابله إعطاء فرص كبيرة للمحسوبين والمنسوبين للجهات الحزبية والعشائرية سواء في مجال التوظيف الرسمي أو العمل في مجال الإستثمارات، فمن دون شراكة مع أحد المتنفذين بسلطة الإقليم لايمكن الحصول على أية فرصة إستثمارية للعمل داخل الإقليم.
وتنص المادة (38) من الدستور العراقي على أن الدولة تكفل حرية التعبيرعن الرأي بكل الوسائل، وبأن حرية الصحافة والاعلام مكفولة، وأن حرية الاجتماع والتظاهر السلمي مكفولة أيضا. لكن ما يحدث في إقليم كردستان وتحت ظل هيمنة السلطة الحاكمة أن التظاهر السلمي ممنوع منعا باتا. وحتى لو تقدم مواطنون بطلب التجمهر أو التجمع للتعبير عن إرادتهم فإن السلطات الحاكمة لا تمنح الاجازة لممارسة هذا الحق. ولهذا نادرا ما تقوم المظاهرات في مدينة أربيل على سبيل المثال رغم معاناة أهلها من الكثير من الأزمات المعيشية وسوء الخدمات. كل هذه الحقوق التي أقرها الدستور العراقي للمواطن تنتهكها سلطة إقليم كردستان وتحرمها على مواطنيها، لكنها تشدد بالمقابل على "حقوقها الدستورية"! من دون أن تحدد ماهية هذه الحقوق، وهذه قمة الازدواجية في المعايير وأرخص وسائل التحايل على الدستور العراقي.
الجدير بالذكر أن من بين كل المواد الدستورية التي تعد من أهم الحقوق المشروعة للشعب الكردي هي المادة 140 التي تقضي بتطبيع أوضاع محافظة كركوك التي تعرضت منذ بداية الستينيات إلى عمليات تعريب منهجية أدت إلى تغيير ديموغرافي بشع طوال حكم الأنظمة العنصرية التي تعاقبت على العراق، لكن قيادة الإقليم أهملت المطالبة بتنفيذ هذه المادة الحيوية التي من شأنها أن تعيد الحقوق إلى مئات الآلاف من الكرد المرحلين أو المهجرين أو حتى المقيمين حاليا بتلك المحافظة!. لقد إختزلت قيادة الإقليم كل مطالبها الدستورية ببعض الإمتيازات المالية والحصول على بعض المناصب الادارية في بغداد.
هذا غيض من فيض الانتهاكات الدستورية لقيادة إقليم كردستان التي ما إنفكت تتباكى على ضياع حقوق الشعب الكردي المسروقة في حين أنها هي نفسها تحرم المواطن الكردي من حقوقه الدستورية.
التعليقات