إنَّ جشع الأطباء المريضين مادياً، أثار حَنق الكثير من المرضى في صور بغيضة ومخجلة، في رفع أسعار الكشف الطبي كيفما شاؤوا، وحتى في طريقة معالجتهم لأبسط الحالات التي يعانون منها، وخروجهم نهائياً عما يُعرف بقَسم أبقراط، وشعاره الذي ارتبط على أنه، وقبل كل شيء، إنساني مَحض، وهذا وللأسف، غير صحيح، ما يعني أنَّ أغلب الأطباء، إخصائيون وعامّون، صاروا يُطالبون المريض بمبالغ فلكية، وبصورةٍ خاصة، في هذه الظروف الصعبة التي يعاني منها المواطن في مدينة الرَّقة السورية، وفي ريفها من غلاء فاحش ومستشري، وهو بالكاد يحاول تأمين ثمن الدواء، وبطرق شتى!

ويلحّ سؤال ومفاده، هل هناك أطباء غير جشعين يعيشون اليوم في مجتمعنا، وإن وجدوا فلماذا لا يسارعون إلى مد يد العون إلى إخوانهم الفقراء المحتاجين ومساعدتهم مادياً.. أو إعفائهم أقلها من أجرة المعاينة، أو الكشف الطبي؟

طبيعي أن ما نتحدث عنه اليوم، لا يتوقف عند الرَّقة كمدينة، وإنما يشمل كافة المحافظات والمدن السورية التي صار فيها يعاني المريض ارتفاع تسعيرة الكشف الطبّي، لا سيما أنها بعيدة عن أي رقابة صحية تحاول لجمها وردع الكثير من المخالفات التي ترتكب من قبل الأطباء، بحق المرضى!

الأمثلة كثيرة ومساحة المقالة لا تتسع لذكر تفاصيلها، ولكن أظن أنّ الطبيب الأخصائي يعي تماماً ما أعني. الصورة في الواقع مخجلة ومثيرة للجدل.

وفي هذا المقام أقولها، وبكل صدق: لم يكن الهدف في يوم ما الإساءة لأحد.. فالصحافة منبر صادق، وميزانها العدل، وما يقدمه الصحافي للناس الصدق أولاً بغض النظر عن إرضاء زيد أو عمر من الناس، وهي صوت من لا صوت لهم.

إقرأ أيضاً: تسونامي ما بعد الطوفان

وما ذكرته هو عين الحقيقة، ويعرفها كل من سبق له أن حاول الوقوف على معالجة مشكلة صحية ألمّت به لدى هؤلاء الأطباء، الماديين!

لا نذهب بعيداً.. فالصور حيال هذه المسألة لمسها غيري كما لمستها أنا شخصياً، قبل الأزمة، وفي الوقت الحالي استشْرت بصورة مخيفة... فأي ضمير وأي مهنية يتشدّق بها أطباؤنا الذين، وللأسف، لا هدف لديهم سوى جمع المال بدلاً من الاهتمام بشفاء المريض!

وإذا ما حاولت أن أضيف أيضاً إلى ما ذكرت، فإنَّ جشع أمثال هؤلاء وغيرهم، والتكسب بطرق طبية، والالتفاف بذريعة معالجتهم صار يعرفها عامّة الناس.

ليتق هؤلاء الأطباء واقع أهلنا المزري والفاقة والعوز الذي يعيشون!

لن نطيل أكثر، ما يمكن أن نقوله، باختصار، في هذه العُجالة: هو يجب أن يحافظ الطبيب على مصداقيته أولاً، وعليه أن يعامل المريض كإنسان أولاً ما دام أنه درس الطب لخدمة المرضى، وليس من أجل جمع الملايين لقاء معالجتهم، وهذا ما هو معمول به، اليوم، وللأسف!

إقرأ أيضاً: رحيل الناشر نعيم عطا الله... رجل غير عادي

المعاناة في سوريا تستدعي من السيد الطبيب، أياً كان مجال اختصاصه، أن يعيد حساباته أمام المرضى، الذين يعانون الواقع وبحاجة ملحّة إلى مساعدة ولمسة حنان، وبصورة خاصة من ابن بلده.

في سوريا وحدها، وفي دول عدّة من أمثالها وصلت الحالة التي يمر بها الناس إلى ما يثير القلق ويؤسف عليها، ويلزمها رعاية واهتمام كبيرين والنظر بها من قبل الجهات المسؤولة لتجاوز المعضلة التي من المعيب السكوت عنها.

إلى أين يمضي الناس؟ ما هي الحلول في سبيل انتشالهم من حالة اليأس والقنوط التي وصلت إلى حد لم يعد يطاق، فضلاً عن الفقر المدقع والحاجة والسحق الحقيقي الذي لم يخلص منه أحد، وما زال ينهش جسدهم ويحيجهم إلى التسوّل، وهذا منه كثير وكثير جداً؟

إقرأ أيضاً: بوب مارلي الذي تنبأ بغزو روسي!

نداء نرجو أن يُسمع من قبل أصحاب الضمائر الحية.. وبصورة خاصة من قبل الأطباء المعنيين بهذه الصورة متمنين عليهم أن يعيدوا النظر بالأجور التي يتقاضونها من المرضى الذين يأملون أن يلقوا الحل الأنسب، ومعالجتهم بنصف الثمن، ولمَ لا يكون لمن هو بحاجة ملحّة أن يرقّ له قلبه ومعالجته بالمجان.

أظن أنَّ هذه البادرة لا تكلف الطبيب شيئاً، بل أنَّها تزيده احتراماً لشخصه، وترفع من مكانته الاجتماعية بين الناس، وتزيده ألقاً ونجاحاً.. وهذا برأيي أهم المال الذي يكتنزونه. أكثر ما تدوم السمعة الطيبة، والأخلاق الحميدة، وطيب التعامل والتسامح الذي يعكس حالة ذاك الطبيب، الذي سيكون له مكانة كبيرة لدى الجميع، والمكسب المالي سيزداد في ظل الإقبال الكبير من قبل المراجعين الذين سيتدفقون باتجاه ذلك المتسامح الأصيل، وهذا ما نتمنى أن يعمل عليه الأطباء في مدينة الرّقة، وفي ريفها، كما نأمل أن يأخذ بالفكرة أطباء سوريا الأخصائيين، وهذه الخطوة، في حال تم الأخذ بها، لا تكلفهم شيئاً. فهل نفعل؟